الطالبي العلمي يوضح التناقضات في أرقام دعم استيراد الخرفان: تساؤلات حول مصير المليارات

0
373

من بين الملفات الحساسة التي تستحق تسليط الضوء في سياق السياسة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، يبرز قضية دعم استيراد الخرفان، التي أصبحت محط تساؤلات وشكوك واسعة في أوساط المواطنين والمراقبين على حد سواء. الأزمة بدأت حين كشف وزير التجهيز، نزار بركة، عن أن 18 مستوردًا قد استفادوا من دعم حكومي بلغ قيمته 1.3 مليار درهم لاستيراد الخرفان في موسم الأضاحي، لكن المفاجأة جاءت لاحقًا حين صحح رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، الرقم ليصبح 300 مليون درهم فقط، وزيّدت أعداد المستفيدين إلى 100 مستورد، ما أثار العديد من التساؤلات حول كيفية توزيع الدعم، والمبالغ التي أُهدرت، وما إذا كانت هناك جهات معينة قد استفادت بشكل غير عادل.

التناقض في الأرقام: هل هو خطأ أم تضليل؟

هل نعتبر التناقض بين الأرقام مجرد خطأ غير مقصود، أم أنه يفتح بابًا واسعًا لتساؤلات حول مدى الشفافية في إدارة الدعم الحكومي؟ بدايةً، عندما تُطرح أرقام بمثل هذه الأهمية على الرأي العام، من الضروري أن يتم التأكد من دقتها قبل الإعلان عنها. في هذه الحالة، لوحظ أن وزير التجهيز بدأ بذكر 1.3 مليار درهم كدعم، وهو مبلغ ضخم يشير إلى حجم التجارة الموجهة لاستيراد اللحوم من الخارج. ولكن مع تصحيح الأرقام من قبل الطالبي العلمي إلى 300 مليون درهم، يُطرح السؤال الجوهري: أين ذهبت المليارات المتبقية؟

إن هذه الفجوة الكبيرة بين الأرقام تُثير القلق وتستدعي تدخل الجهات الرقابية المعنية لتوضيح الحقيقة. هل كان هناك إخفاء لأرقام معينة من أجل تمرير صفقة غير قانونية؟ أو هل تم التضليل بشكل متعمد في سبيل خدمة مصالح أطراف معينة؟

الملف الاستراتيجي: دعم اللحوم أم دعم “حيتان القطاع”؟

تحت مظلة الدعم الحكومي، كان من المفترض أن يُستفيد المستهلك المغربي بشكل مباشر من هذه المساعدات لتخفيف عبء تكلفة اللحوم، خاصة في عيد الأضحى، وهو حدث ديني واجتماعي مهم. لكن ما حدث هو أن الدعم لم يصل إلى المواطن البسيط، بل استفادت منه فئات محدودة، غالبًا ما تكون هي نفسها التي تسيطر على سوق الاستيراد.

من هم هؤلاء “حيتان القطاع” الذين استفادوا من هذه الأموال الطائلة؟ هل هؤلاء المستثمرون الذين يهيمنون على القطاع فعلاً بحاجة إلى هذا الدعم، أم أنهم استغلوا الثغرات في النظام لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الطبقات الشعبية؟ من خلال هذه الأسئلة، تبرز ضرورة فتح تحقيقات جادة في كيفية توزيع الدعم الحكومي في هذا القطاع، حتى لا يتحول إلى أداة للثراء الفاحش لفئات بعينها.

غياب المساءلة البرلمانية: أين هو دور البرلمان؟

على الرغم من الجدل الدائر حول الدعم الموجه لمستوردي اللحوم، لم نجد من مجلس النواب سوى ردودٍ غير مقنعة من بعض المسؤولين، بل وتبني للنسخة الرسمية التي أعلنها رئيس المجلس، دون فتح ملف هذه القضية بالشكل اللازم. إن الوضع يقتضي من البرلمان أن يكون له دور أكبر في التصدي للفساد المالي والإداري، خاصة عندما يتعلق الأمر بأموال الشعب، التي لا يمكن أن تذهب في مهب الريح.

هل ستكون هذه القضية نقطة تحول في دور البرلمان في مسألة المساءلة المالية؟ هل سيطلب رئيس البرلمان الطالبي العلمي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول هذه الصفقة؟ إن غياب التحرك الجاد من البرلمان يفتح المجال لتساؤلات مشروعة حول فاعلية النظام الرقابي البرلماني في مواجهة ملفات ذات أهمية استراتيجية، تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.

الأرقام المفقودة: ماذا عن الأموال المتبقية؟

حينما تحدث الطالبي العلمي عن أن المبلغ الإجمالي للدعم هو 300 مليون درهم فقط، كان يجب أن يُكشف عن مصير الـ1 مليار درهم المتبقي، والتي حسب تصريحات الوزير بركة كانت قد تم تخصيصها في البداية لدعم مستوردي الخرفان. أين ذهب هذا المبلغ، وإذا كان الرقم الأول خاطئًا، لماذا لم تتم مساءلة المسؤولين عن هذا التضارب؟

من خلال هذا الوضع، يصبح واضحًا أن هناك حاجة ملحة لتحليل دقيق للحسابات المالية المتعلقة بهذا القطاع. هل تمت معالجة الأموال المخصصة لدعم اللحوم في إطار موازٍ للشفافية المطلوبة؟ هل هناك جهة مسؤولة عن محاسبة الفئات التي استفادت بشكل غير عادل من هذه الأموال؟

أين ذهبت المليارات المتبقية؟

تظل 1 مليار درهم مفقودة في هذا اللغز المالي، الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية توجيه الأموال العمومية. هل تم تحويل تلك الأموال إلى أطراف أخرى بطريقة غير قانونية أو على شكل صفقات غير واضحة؟ أو هل تم صرفها في مجالات أخرى لا علاقة لها بدعم الخرفان؟ السؤال الأساسي الذي يجب أن يطرحه الجميع هو: أين ذهبت هذه الأموال؟ ومن المسؤول عن هذا الهدر المحتمل؟

“حيتان القطاع” ومن استفادوا من الصفقة

ثم تأتي القضية الأكثر إلحاحًا: من هم “حيتان القطاع” الذين استفادوا من هذه الصفقة؟ فمن خلال الأرقام المعدلة، نجد أن العدد النهائي للمستفيدين وصل إلى 100 مستورد، لكن يبقى السؤال المهم: هل هذا العدد يتضمن جميع الفئات المستفيدة أم أن هناك “جهات نافذة” قد استفادت بشكل أكبر؟ من المستفيدين الرئيسيين من هذا الدعم؟ وما هي الشركات أو الأفراد الذين حصلوا على النصيب الأكبر من هذا الدعم المالي؟

الأدلة تشير إلى وجود احتكار في السوق، حيث سيطرت بعض الشركات الكبيرة على حصة الأسد من الدعم، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر على المستهلكين المغاربة. فهل كانت هذه السياسة تستهدف تعزيز القدرة الشرائية للمواطن أم أنها كانت تهدف إلى إرضاء “الحيتان” في القطاع؟

أسئلة هامة بلا إجابات واضحة

لا يمكن الحديث عن هذه القضية دون طرح بعض الأسئلة التي تستحق الإجابة:

  • هل كانت الأرقام المتداولة بخصوص الدعم الحكومي دقيقة أم أن هناك تلاعبًا بها؟

  • أين ذهبت المليارات المتبقية من الدعم؟ وهل هناك قوى أخرى استفادت منها بعيدًا عن المستوردين؟

  • من هي الأطراف القوية التي تتحكم في هذا السوق، وهل استفادت من الصفقة بشكل غير عادل؟

  • لماذا لم يتم فتح تحقيق دقيق في كيفية توزيع هذه الأموال وشفافية عملية الدعم؟

خاتمة: ضرورة التحقيق الشفاف والمساءلة

من الواضح أن قضية دعم الخرفان، بما تحمله من أرقام متناقضة وغياب الشفافية، أصبحت نقطة حرجة في العلاقة بين الحكومة والمواطن. لا يمكن قبول مجرد التصريحات والتبريرات الرسمية في مثل هذه المسائل الحساسة التي تمس الأمن الغذائي والمال العام. من الضروري أن يتدخل البرلمان بشكل فاعل ويُشكل لجنة لتقصي الحقائق بشكل مستقل. فلا مجال بعد الآن لتغطية الحقائق أو التلاعب بالأرقام، بل يجب على الحكومة أن تتحمل المسؤولية وتقدم شرحًا مفصلاً لكل درهم تم إنفاقه في هذا الدعم.