قرار المحكمة برفض بطاقة الصحافة للمهداوي… هل هو إغلاق لملف قانوني أم بداية مساءلة؟

0
192

قضية بطاقة المهني: بين المساطر القانونية وحدود التأويل… المهداوي نموذجًا

أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط يوم الخميس 22 ماي الجاري حكمًا برفض الطعن الذي تقدم به الصحافي حميد المهداوي ضد قرار اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، القاضي بعدم تجديد بطاقته المهنية لسنة 2025. الحكم أُسّس على مقتضيات قانونية واضحة، أبرزها القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، والقانون 15.23 المنظم للجنة المؤقتة، إلى جانب قانون المسطرة المدنية والقانون المحدث للمحاكم الإدارية.

ورغم الطابع القضائي البحت للقرار، أثار الملف جدلًا داخل الأوساط الإعلامية حول حدود التأويل القانوني، وموقع حرية التعبير داخل السياق المهني، دون أن يُفهم من ذلك انتقاص من استقلالية المؤسسة القضائية أو شرعية اللجنة المؤقتة، بل يندرج في إطار النقاش العمومي المشروع حول مستقبل التنظيم الذاتي للمهنة.

ما خلفيات الحكم؟ وما حدود التأويل المهني؟

بحسب منطوق الحكم، فإن الوثائق التي قدمها المهداوي لا تثبت أن النشاط الرئيسي للشركة التي تُصدر الموقع الذي يُشرف عليه (بديل ميديا) يدخل ضمن المجال الصحافي، بل يشير السجل التجاري إلى خدمات استشارية في التسيير. كما اعتبرت المحكمة أن عدم توفر المعني بالأمر على دخل رئيسي ناتج عن الصحافة لا يخول له صفة “الصحافي المهني” كما يحددها القانون.

من جهتها، بررت اللجنة المؤقتة قرارها بكون المعني لم يدلِ بما يكفي من وثائق لإثبات ممارسته المنتظمة لمهنة الصحافة، معتبرة أن الشهادة الضريبية غير كافية لإثبات الصفة المهنية ما لم يتم ربطها بوضعية قانونية كاملة في مؤسسة إعلامية معترف بها وفق النصوص المنظمة للقطاع.

المهداوي يردّ… والمسألة أبعد من وثائق

في المقابل، عبّر المهداوي عن رفضه للقرار، واعتبره شكلاً من “الاستهداف غير المباشر لصحافي يمارس عمله باستقلالية”، مؤكدًا أن موقعه الإلكتروني يُمارس نشاطًا إعلاميًا مشروعًا ومتواصلًا منذ سنوات، ويتوفر على كل الوثائق القانونية اللازمة، سواء لدى النيابة العامة أو وزارة الاتصال.

تصريح المهداوي يعيد إلى الواجهة نقاشًا مؤجلاً في الوسط الإعلامي المغربي:

هل تكفي المعايير القانونية البحتة لتحديد صفة الصحافي؟
وأين يمكن رسم الحدود بين المعيار المهني والإبداع الفردي في العمل الصحافي؟

التنظيم الذاتي للمهنة بين الحاجة والتحديات

يشير تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان (2023) إلى أن المغرب يعيش لحظة إعادة تشكيل لحدود الحريات، خاصة ما يتعلّق بحرية الصحافة والرأي، في ظل دينامية تشريعية متسارعة، منها تعيين لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة بدل المجلس الوطني. هذا الانتقال المرحلي أثار تساؤلات حول مدى اتساق التدبير المؤسساتي مع روح التنظيم الذاتي ومعايير الاستقلال المهني.

وفي السياق نفسه، دعت مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي إلى ضرورة “حماية حرية التعبير والصحافة المستقلة من أي تأويل تقييدي للقانون”، مع الاعتراف بخصوصيات كل نظام قانوني على حدة.

ما السبيل إلى التوفيق بين القانون والحرية؟

إن قضية المهداوي تطرح بحدة سؤال التوفيق بين صرامة النص القانوني ومرونة الواقع الإعلامي المتحول. كيف يمكن ضمان مهنية حقيقية دون المسّ بحرية التعبير؟ وهل يتم اعتماد معايير مهنية موحدة تراعي تنوع أشكال الإنتاج الصحافي في العصر الرقمي؟

قد يكون الحكم القضائي موضوعيًا من منظور قانوني، كما أن صلاحيات اللجنة المؤقتة تجد مشروعيتها في النصوص، لكن هذا لا يمنع من دعوة المؤسسات الرسمية والنقابات المهنية إلى التفكير في آليات تقييم شفافة وواضحة، تضمن الحق في المعلومة، وتحترم التعدد في أشكال التعبير الصحفي.

في الختام: نحو قراءة متزنة ومنفتحة

يبقى الحكم القضائي محل احترام، ويُفترض أن يتم التعامل معه كممارسة ضمن دولة الحق والقانون، لكن الأهم هو فتح نقاش عمومي مسؤول حول شروط الولوج للمهنة، ومعايير الاعتراف بالممارسة الصحافية، خاصة في ظل تصاعد دور الإعلام الرقمي والمبادرات الفردية.

الرهان إذن ليس فقط قانونيًا، بل ثقافي ومهني، يتطلب وضوحًا في الرؤية، وتوافقًا حول دور الصحافة في مغرب يتحرك بين التحول الرقمي وتحديات الحريات.