“الصحافة المغربية: بين فخ الوصاية وبصيص الاستقلال… هل تنكسر القيود أخيراً؟”

0
211

تنظيم مهنة الصحافة بالمغرب: هل نحن أمام لحظة مفصلية لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة، الإعلام والمجتمع؟

في مداخلته أمام مجلس النواب، بدا محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، وكأنه يعيد ترتيب الأوراق في ملف ظل لعقود محط تجاذبات بين منطق الوصاية السياسية ومنطق الاستقلال المهني. حين يؤكد الوزير أن “الصحافة خدمة عمومية وضرورة لبناء أي ديمقراطية”، فهو لا يقدم مجرد توصيف أكاديمي، بل يلمّح إلى تحولٍ مطلوب في الرؤية المؤسساتية للدولة تجاه قطاع يعتبر العمود الفقري لأي منظومة ديمقراطية حقيقية.

لكن، هل يكفي إعلان النوايا وترديد المقتضيات الدستورية حتى نُطمئن الجسم الصحافي والرأي العام بأننا بصدد إصلاح عميق؟ أم أن الواقع المهني المرتبك والموسوم بالصراعات والبيانات المضادة يعكس هشاشة في البنية التنظيمية تحتاج أكثر من مجرد إعادة صياغة قانونية؟

بين النص الدستوري والواقع المهني: فجوة الثقة

استناد الوزير إلى دستور 2011 لتبرير شرعية المجلس الوطني للصحافة، يعكس وعياً رسمياً بضرورة ربط التنظيم الذاتي بأسس ديمقراطية. غير أن مداخلات المعارضة، وخصوصاً رئيس فريق التقدم والاشتراكية، أظهرت أن الزمن السياسي والتشريعي يضيق، وأن ما سُمي بـ”اللجنة المؤقتة” لإدارة قطاع الصحافة والنشر لم تُنتج توافقاً، بل زادت من عمق الانقسام داخل الجسم المهني، خاصة مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية.

هنا يُطرح سؤال جوهري: هل التنظيم الذاتي كما تم تنزيله، كان فعلاً أداة لاستقلال الصحافة، أم أصبح بدوره امتداداً لتوازنات سياسية دقيقة؟

الصحافة المغربية: أزمة تنظيم أم أزمة ثقة؟

من خلال تأكيده أن التنظيم الذاتي يهدف إلى حماية المهنة من “الممارسات غير الأخلاقية” مثل التضليل ونشر الأخبار الزائفة، يبدو أن الوزير يتبنى رؤية حامية أكثر من كونها مُمَكّنة. وفي زمن أصبحت فيه الرقمنة تُعيد تشكيل مفهوم الصحافة ووسائل التأثير، ربما بات ضرورياً إعادة التفكير في مفهوم التنظيم الذاتي نفسه: هل هو ضبط أخلاقي أم تمكين مهني؟ وهل نريد صحافة تخضع أم صحافة تُسائل؟

وفي هذا السياق، إذا كانت الوزارة تعتبر الصحافة خدمة عمومية وركيزة في بناء الديمقراطية، فلماذا لا تعمل على إحداث لجنة مستقلة تُشرف فعلياً على تحديد معايير الصحافة المواطِنة والجادة، وتُوفر دعماً مباشراً لها بعيداً عن الشروط البيروقراطية المُعقدة التي تجعل من الاستفادة من الدعم المالي والإداري أمراً مستحيلاً؟ أليس من الأجدر دعم منصات رقمية مهنية مثل “المغرب الآن” أو مجلّة “الدبلوماسية”، أو حتى مجلة MMAMAG التي تُعد أول مجلة متخصصة في فنون القتال المختلطة على الصعيد المغاربي والعربي والإفريقي، بل وحتى الأوروبي؟ أليست هذه النماذج الواقعية أصدق ترجمة لمفهوم الخدمة العمومية الذي يُراد تفعيله؟

المفارقة المغربية: منصّة للاستقرار الإقليمي… وصحافة تفتقد الاستقرار الداخلي؟

المفارقة أن المغرب الذي يقدم نفسه كمنصة للاستقرار الإقليمي، يواجه داخلياً ضعفاً في أدوات الوساطة بين الصحافي، المجتمع، ومراكز القرار، مما يضعف تأثير الصحافة كقوة اقتراحية ويجعلها في موقع دفاع دائم عن شرعيتها.

الإصلاح: من لحظة قانونية إلى لحظة سياسية

ما كشفه الوزير عن قرب صدور نص قانوني جديد يؤطر عمل المجلس الوطني للصحافة هو محطة مهمة، لكن الأهم هو: كيف سيتم إشراك المهنيين في بلورة هذا النص؟ وهل سيتم تجاوز منطق “التعيينات السياسية المقنّعة” نحو اختيار حر وشفاف يعكس فعلاً الإرادة الجماعية للمهنيين؟

وهل ستُستثمر هذه اللحظة لتأسيس إعلام عمومي ومجتمعي قادر على مواكبة التحولات الكبرى، خصوصاً في ظل التحديات الجيوسياسية والإعلامية التي تعصف بالمنطقة؟

المآثر التاريخية: سؤال الذاكرة والهوية

في الشق الثقافي من الجلسة، أشار الوزير إلى ترميم 40 موقعاً أثرياً وصرف 800 مليون درهم منذ 2021. ورغم أهمية هذه الأرقام، فإنها تظل فارغة من المعنى ما لم تُربط برؤية شمولية لسؤال الهوية والتاريخ، تتجاوز منطق الترميم الفيزيائي إلى بناء سردية وطنية متماسكة.

لماذا لا يتم دمج الصحافة الثقافية في هذا الورش، لتكون شريكاً في إعادة سرد حكايات هذه المآثر، وربط الأجيال الجديدة بجذورها الحضارية؟ وكيف يمكن تحويل مواقع مثل وليلي من مجرد آثار صامتة إلى روافع للوعي التاريخي والدبلوماسية الثقافية؟




في الخلاصة:

ما بين الحديث عن إصلاح الإعلام وحماية التراث، تبدو الدولة المغربية وكأنها تسعى إلى بلورة “رؤية ناعمة” لممارسة السيادة الثقافية والرمزية. لكن نجاح هذه الرؤية يظل رهيناً بمدى مصداقية الإصلاح، واستقلال أدواته، وقدرتها على تجديد الثقة بين الدولة، الإعلام، والمجتمع.