السلطة والرمزية في مشهد الأضحية: هل يُحاسب رجل الدولة على نواياه أم على صُوره؟

0
234
صورة: و.م.ع

في لحظة بدت للبعض عابرة، لكنها كانت حبلى بالدلالات، وجد فريد شوراق، والي جهة مراكش آسفي، نفسه معفيًا من مهامه، ومستدعى إلى المصالح المركزية لوزارة الداخلية. وبينما تداول الرأي العام مقطع فيديو يوثق قيامه بذبح أضحية العيد “نيابة عن ساكنة الجهة”، تفجرت موجة نقاش متباينة حول دلالة هذا المشهد، وسرعة القرار المتخذ، وتوقيته، وما إذا كنا أمام تحوّل في التعامل مع منطق السلطة والمسؤولية بالمغرب.

لكن خلف هذا القرار الإداري تكمن أسئلة أعمق: هل أصبح المغرب جادًا في تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بعيدًا عن شعارات المناسبات؟ وهل نحن أمام تحول نوعي في الضبط الأخلاقي لرجال السلطة، في سياق وطني ودولي يزداد فيه الضغط على الحكومات لإثبات نزاهة التدبير العمومي؟

الواقعة: بين الرمزية والمساءلة

المشهد الذي ظهر فيه الوالي المعفى، وهو يذبح الأضحية يوم العيد، قد يبدو عادياً في سياق ثقافي محلي، لكن رمزيته اكتسبت بعداً مختلفاً بالنظر إلى دعوات رسمية صدرت من أعلى سلطة في البلاد توصي بعدم ذبح الأضاحي هذا العام، تضامناً مع الوضع المتأزم للقطيع الوطني نتيجة الجفاف والظروف المناخية الصعبة.

هنا، لم يعد المشهد مجرد فعل فردي، بل تصرّف يحمل شحنة رمزية تعاكس رسائل الدولة وتعليماتها، وتضرب في عمق مصداقية رجل السلطة باعتباره “نموذجاً يُحتذى”، وليس مواطناً عادياً.

وزارة الداخلية ومقاربة جديدة في المحاسبة؟

تؤكد مصادر مطلعة أن قرار الإعفاء جاء في إطار تفعيل آليات الرقابة الإدارية الداخلية لوزارة الداخلية، وتجسيدًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما ذهب إليه الأستاذ رضوان اعميمي، المتخصص في القانون الإداري، حين اعتبر القرار “رسالة واضحة بأن لا أحد فوق المساءلة”، مشيرًا إلى أن المغرب يعرف دينامية مؤسساتية متصاعدة في مجال تخليق الحياة العامة، تُبرزها أدوار مؤسسات مثل رئاسة النيابة العامة، والهيئة الوطنية للنزاهة، ووسيط المملكة.

لكن، هل هي مقاربة دائمة أم حالة معزولة؟ وهل ستمتد هذه الرقابة الصارمة إلى مجالات أخرى أكثر حساسية، كصفقات التعمير، وتدبير الأراضي السلالية، والمشاريع الجهوية؟

البعد الدستوري والسياق الدولي

منذ دستور 2011، أضحى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأً دستورياً. لكنه لم يكن، في نظر الكثيرين، مفعّلاً بما يكفي في الممارسة. فجاءت وقائع مثل هذه لتختبر مدى استعداد السلطة التنفيذية لمغادرة منطقة “الانتقائية” نحو “الصرامة المؤسساتية”.

التحولات الدولية تضغط أيضاً في هذا الاتجاه. المغرب مقبل على تنظيم تظاهرات دولية كبرى (كأس إفريقيا للأمم 2025، وكأس العالم 2030)، وهي محطات تتطلب انضباطاً مؤسساتياً صارماً، وضمانات لحسن التدبير، ونماذج لحكامة محلية مسؤولة. كما أن مآل قضية الصحراء يفرض استعداداً لترسيخ نموذج متقدم من الجهوية المتقدمة، حيث يكون الوالي والعامل أدوات لتقوية الثقة في الدولة، لا مصادر للجدل أو التنافر الرمزي.

في عمق السؤال: أي نموذج نريد لرجال السلطة؟

القرار الأخير يجب ألا يُقرأ فقط من زاوية “رد الفعل” على سلوك فردي، بل كنافذة لفتح نقاش عميق حول المعايير الأخلاقية والمهنية التي ينبغي أن تحكم عمل رجال السلطة في ظل تطورات العصر.

فالوالي أو العامل لم يعد مجرد منفذ لأوامر مركزية، بل فاعل مؤثر في التنمية الجهوية، ومخاطَب من المستثمرين، ومراقَب من الإعلام والرأي العام. وهذا يتطلب شخصية إدارية تحمل من الكفاءة بقدر ما تحمل من الوعي الرمزي والسياسي بسلوكها وتواصلها العام.

الخلاصة: لحظة اختبار لمصداقية شعار “لا أحد فوق القانون”

ما وقع في مراكش ليس مجرد إعفاء إداري؛ بل محطة اختبار لقدرة الدولة المغربية على تحويل شعارات المحاسبة إلى ممارسات مؤسساتية دائمة، لا تُستثنى منها حتى النخب الإدارية الرفيعة.

فإذا ما طُبّق هذا المنطق بصرامة، وشُرّع له بنصوص واضحة وممارسات شفافة، فقد نكون فعلاً على أعتاب عهد جديد من تدبير السلطة، يقطع مع زمن “الاستثناء” ويدخل عصر “القدوة الإدارية”.

لكن السؤال الذي سيظل مطروحاً: هل ستُستكمل حلقات هذا المسار بمزيد من المكاشفة والتقارير الرسمية الواضحة؟ أم أن الواقعة ستُطوى، كما طويت غيرها، في أرشيف الإدارة؟