جبل طارق يعود إلى أوروبا… لا إلى إسبانيا..فماذا عن سبتة ومليلية؟

0
147

في مقال صحفي يُعدّ من أبرز القراءات حول ملف جبل طارق، يحلل الصحفي المغربي والخبير في الشأن الإسباني لحبيب شباط اتفاقًا تاريخيًا أُبرم مؤخرًا بين المملكة المتحدة وإسبانيا وجبل طارق والاتحاد الأوروبي، يعيد للحصن الصخري وضعه السابق داخل الاتحاد الأوروبي رغم خروج بريطانيا. لكن ما وراء هذه الخطوة التي تبدو تقنية وبسيطة تكمن دلالات سياسية ودبلوماسية عميقة تمتد إلى أبعد من الحدود الجغرافية للمستعمرة البريطانية.

هل ما نقرأه مجرد اتفاق محلي لتسهيل حركة العمال والبضائع؟ أم أنه لحظة مفصلية في إعادة رسم خرائط النفوذ الأوروبي على ضفاف المتوسط؟ هل يدعونا هذا الاتفاق، نحن المغاربة، إلى النظر بعمق إلى ما يجري ليس فقط في جبل طارق، بل أيضًا في مدينتي سبتة ومليلية، حيث تُعاد ترتيبات مماثلة على خلفية سياسية واستراتيجية جديدة؟

تسهيل حدودي… أم بداية لعودة غير معلنة؟

يسمح الاتفاق الأخير بإلغاء عمليات التفتيش عند المعبر الحدودي بين جبل طارق ومقاطعة لا لينيا الإسبانية، ما ينهي فعليًا “السياج الحدودي” الذي كان يمثل حاجزًا عازلاً لسنوات طويلة. هذه الخطوة التي ستسهل حياة أكثر من 15 ألف عامل إسباني يعبرون الحدود يوميًا، تُعد مكسبًا إنسانيًا واقتصاديًا لا يمكن إنكاره.

لكن، هل يمكن اعتبار هذه الخطوة مجرد تسهيل إداري؟ أم أنها بداية لإعادة دمج جبل طارق في النسيج الأوروبي من بوابة عملية، تخفف من وطأة “البريكست” على هذه الجيوب الجغرافية؟ هل سنشهد تحولا تدريجيًا لجبل طارق نحو نموذج “العضوية الرمزية” التي تحمي مصالحها ضمن أوروبا، مع بقاء العلم البريطاني يرفرف فوق صخورها؟

من جانب آخر، هل نحن في المغرب نتابع هذه التطورات بعيون مفتوحة على معبر سبتة ومليلية؟ هل توجد رؤية استراتيجية واضحة لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع من ضفتي المتوسط بما يتناسب مع مصالحنا الوطنية، أم أننا لا نزال نلعب ضمن ثنائية الإغلاق والتصعيد؟

السيادة بين الرمزية والواقعية

يشكل انتقال مهام التفتيش إلى ميناء ومطار جبل طارق نقطة محورية في الاتفاق، حيث ستشارك الشرطة الإسبانية في دور يمثل الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على حدود شنغن. هذه الخطوة، التي يراها البعض تهديدًا للسيادة البريطانية، يمكن قراءتها كإعادة تعريف لطريقة ممارسة السيادة في عالم متداخل ومترابط.

هل بات مفهوم السيادة الوطنية في أوروبا اليوم قابلاً للتقاسم؟ وهل يستخدم الاتحاد الأوروبي أدوات دبلوماسية جديدة لكسب النفوذ والسيطرة دون تصعيد أو مواجهات عسكرية قديمة؟ وكيف يمكن للمغرب أن يستفيد من هذه التجارب في ملف سبتة ومليلية، بما يحفظ كرامته وسيادته ويعزز شراكاته الاقتصادية؟

خلافات حقيقية تحت ستار التعاون

بالرغم من التقدم، لا تزال الخلافات قائمة بشأن إدارة مطار جبل طارق، وقضايا مكافحة غسيل الأموال، وحقوق العمال عبر الحدود. وهذه الملفات تؤكد أن التسوية الكاملة تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهود السياسية.

هل يمكن لهذا الاتفاق أن يكون نموذجًا لإدارة الخلافات بالذكاء والتفاوض المستمر بدل التصعيد؟ وهل يمكن للمغرب أن يتبنّى هذا النهج pragmatique في ملف سبتة ومليلية بدل التمسك بالمواقف الجامدة التي تحاصر فرص الحلول الدائمة؟

جبل طارق كمرآة للمستقبل

خلف الاتفاق تقف حكومة حزب العمال البريطانية التي تسعى إلى “عودة” غير رسمية إلى أوروبا، عبر نماذج شراكة مرنة تتجاوز الانفصال الكامل. فهل نشهد ولادة استراتيجية بريطانية جديدة تتعامل مع أوروبا بمنطق “الحضور غير العضوي”؟

وهنا تكمن رسالة ضمنية لنا نحن المغاربة، بأن معارك السيادة في زمننا لم تعد تُربح فقط بالخطابات والشعارات، بل بالتفاوض الذكي على الحوافز الاقتصادية، والقدرة على التكيف مع أنماط السيادة الجديدة التي تدمج المصالح وتتجاوز الصراعات التقليدية.

أسئلة للمستقبل

  • هل نستطيع نحن كدولة استيعاب دروس جبل طارق والبدء في التفكير في نماذج تعاون إقليمية جديدة حول سبتة ومليلية، تراعي المصالح الاقتصادية والسياسية لكل الأطراف؟

  • هل تتوفر لدينا الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية لمواجهة تحديات الحدود التي باتت أكثر تعقيدًا في عصر العولمة؟

  • كيف نعيد بناء موقفنا من أوروبا من موقع قوة تفاوضي يسمح لنا بالانفتاح دون التنازل عن السيادة؟

في النهاية، جبل طارق ليس فقط حصنًا صخريًا في جنوب أوروبا، بل هو اليوم مختبر سياسي ودبلوماسي يختبر حدود السيادة، ويعيد رسم خرائط النفوذ في البحر الأبيض المتوسط. ولكي نفهم المستقبل، علينا أن نقرأ بتمعن ما وراء الحدود، ونتعلم كيف نحول التحديات إلى فرص استراتيجية.