في فخّ السرديات الكبرى: يونس المسكيني ونقد الدولة بلا مشروع

0
98

في مقاله المؤرخ بيوم 26 يونيو 2025، لا يكتب يونس المسكيني عن يوم عادي في المغرب، بل ينحت من هذا اليوم “نصًا تأويليًا” يختزل ثلاثية الأزمة المغربية: أزمة الجامعة، أزمة الدستور، وأزمة الهوية. لكن، ما يبدو تأملًا فلسفيًا عميقًا، يُخفي وراءه خطابًا نقديًا جذريًا يتجاوز تشخيص الأعطاب الظاهرة، ليمسّ بشكل ضمني أسس المشروعية المؤسسية نفسها. فهو لا يكتفي بنقد السياسات أو النصوص، بل يُلمّح إلى فشل النموذج برمّته، من دون أن يُقدّم بديلاً واضحًا أو مشروعًا واقعيًا للإصلاح.

فخ الهويات ومأزق الإصلاح

 

1. الدولة في مرمى الشك المنهجي: من خلال وصفه لمشروع قانون التعليم العالي بأنه “شهادة فنية على فشل الدولة”، لا يكتفي المسكيني بانتقاد مشروع بعينه، بل يُلبس الفشل لبنية الدولة ككل. فالدولة، بحسب مقاله، عاجزة عن كتابة فصل جديد من العقد الاجتماعي، ومؤسساتها تكتفي بـ”تدوير الأدوات الصدئة”. هكذا، تتحول الدولة في مقاله إلى كيان استهلاكي غير قادر على الإبداع أو القيادة.

2. الجامعة: من أداة إصلاح إلى واجهة انهيار؟ يطرح المسكيني رؤية قاتمة للجامعة، إذ لا يرى فيها مختبرًا مفتوحًا على المستقبل، بل مؤسسة تختنق في نموذج بيروقراطي عقيم. يرفض خطاب الإصلاح التدريجي، ويُصرّ على أن المشروع الجديد يفتقر لأي “رؤية سيادية”، بل ولا يعترف بالجامعة كفاعل استراتيجي في صناعة المستقبل. هذه الرؤية تنسجم مع أطروحات ما بعد الحداثة التي تُفكك المؤسسة دون تقديم هندسة بديلة.

3. دستور 2011: تأويل يُفضي إلى التيئيس؟ من خلال استحضاره لطرح الأستاذ محمد المدني، يُقدَّم دستور 2011 بوصفه نصًا توفيقيًا يعكس موازين قوى ظرفية، ويقوم على ترضيات متناقضة، ما يجعله – وفق هذا التأويل – عاجزًا عن تقديم أجوبة حاسمة للأسئلة الدستورية الكبرى. غير أن المسكيني، باستعادته لهذا التأويل، لا يتوقف عند حدود النقد، بل ينزلق نحو تصور يُشكك في قدرة الوثيقة نفسها على احتضان أي تعاقد سياسي مستقبلي. وهو ما يُفضي ضمنًا إلى تقويض المشروعية الدستورية كإطار جامع، وفتح الباب على تصورات خارج النسق المؤسساتي، دون تحديد طبيعة هذا “الخارج”.

4. الهوية: بين التمجيد والشيطنة في استحضاره لكتاب حسن أوريد “فخّ الهويات”، يقدّم المسكيني سؤال الهوية كتصدّع لا كرصيد، وكفخّ لا كحامل للتماسك. ورغم أن المقال يدعو إلى عقد اجتماعي جامع، إلا أنه لا يُقدّم ملامحه، ويكتفي بالإشارة إلى أن المغرب محاصر بين “دستور موقت، وهوية متفجرة، وإصلاح بلا بوصلة”. هذا الطرح يعيد إنتاج أطروحة “الدولة الفاشلة” بأسلوب ناعم.

5. غياب المشروع، حضور الأزمة: المشكلة ليست في رصد الأعطاب، بل في غياب أي محاولة لتأسيس مخرج. فالمسكيني ينتقل من موقع التأمل إلى إنتاج خطاب عدمي ناعم، لا يقترح طريقًا للخروج، بل يعيد تدوير مقولات التيئيس: لا الجامعة تصلح، لا الدستور نافذ، لا الهوية آمنة، ولا الدولة تملك إرادة الإصلاح.

خلاصة: مقال يونس المسكيني، وإن كُتب بلغة شاعرية وتأملية، إلا أنه يُمثّل نمطًا من التفكير الذي يُفكك ولا يُركب، يُبَكّت ولا يُصلح، يَشهد على الفشل ولا يقترح أفقًا واقعيًا للتجاوز. إنه صوت من أصوات ما بعد العقد، ما بعد الوطنية، ما بعد المؤسسات، لكنه في النهاية يترك القارئ بلا إجابة… سوى الإقامة في الشك. فهل هو تحليل نقدي، أم تأبيد للفشل عبر تبريره ثقافيًا؟

تنويه ختامي:
هذا التحليل لا يهدف إلى الإساءة أو التشكيك في النيات الشخصية لصاحب المقال، ولا إلى التحامل على اجتهاد فكري مشروع، بل يسعى فقط إلى تفكيك الخطاب وإبراز ما يُبطنه من مواقف ورؤى قد تُمرَّر بلغة تأملية هادئة. نحن نؤمن أن النقاش الفكري النزيه يبدأ من مساءلة الأفكار لا مناصبة الأشخاص، ومن محاورة الطروحات لا شيطنة أصحابها. ولهذا نضع هذا النص في سياق حوار فكري مفتوح حول دور المثقف ومسؤولية النقد وحدود التأويل في لحظة مغربية دقيقة.