في مشهد يختزل تعقيدات الواقع الحقوقي والسياسي في المغرب، عادت قضية المحامي والنقيب ووزير حقوق الإنسان الأسبق محمد زيان لتتصدر واجهة الأحداث، بعدما طالبت النيابة العامة، في جلسة الأربعاء بمحكمة الاستئناف بالرباط، بتشديد العقوبة الصادرة بحقه من خمس سنوات سجنا نافذا. يأتي هذا في وقت يصف فيه مراقبون وهيئات حقوقية محلية ودولية هذه المحاكمة بأنها “ذات خلفية سياسية” وتفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة.
فهل نحن أمام تطبيق صارم للقانون، أم تصفية لحسابات سياسية مغلفة بالقضاء؟
وهل تحولت ملفات محاربة الفساد إلى أدوات تأديب رمزية للمعارضين المنتقدين للسلطة؟
قاعة المحكمة الرابعة… مسرح لصراع مزدوج بين القضاء والذاكرة السياسية
الجلسة التي شهدت حضورًا واسعًا من محامين، وحقوقيين، ومواطنين عاديين، تحوّلت إلى ساحة صراع بين سرديتين: سردية الدولة التي تسعى لتأكيد سيادة القانون في مواجهة من تعتبرهم متورطين في قضايا فساد، وسردية معارضي الحكم الذين يرون في المحاكمة محاولة لإسكات أحد أبرز الأصوات المزعجة في المشهد الحقوقي والسياسي.
لكن لماذا هذا الإصرار من النيابة العامة على تشديد العقوبة في هذه المرحلة؟ وهل يتعلق الأمر بردع قانوني، أم رسالة سياسية موجهة إلى معارضين آخرين داخل أو خارج المؤسسات؟
ثمانية عقود من العمر… وسؤال العدالة أمام الزمن والمرض
زيان، البالغ من العمر 82 سنة، يعاني من أمراض مزمنة، أبرزها التهاب الفقرات اللاصق وأمراض القلب. وقد سبق أن تعرض لأزمة صحية خلال جلسة 18 دجنبر 2024، استدعت نقله من قاعة المحكمة لتلقي الإسعاف. ورغم ذلك، لم يُؤخذ وضعه الصحي بعين الاعتبار، حسب منظمات حقوقية، أبرزها الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين “هِمَمْ”، التي وصفت اعتقاله بأنه “تهديد مباشر لحياته”.
في هذا السياق، تطرح أسئلة شائكة:
-
إلى أي حد يمكن الجمع بين مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وبين اعتبارات إنسانية مرتبطة بالسن والوضع الصحي؟
-
وهل يمكن أن تتحول العدالة في حالات كهذه إلى أداة عقاب لا تميز بين الحق والقسوة؟
خلفية الملف: ما بين الاتهام بالاختلاس والتشكيك في النوايا
الملف الذي يقبع زيان بسببه في السجن يتضمن تهمًا ثقيلة، أبرزها “اختلاس وتبديد أموال عمومية”، وهي تهم نفتها هيئة دفاعه جملة وتفصيلًا، معتبرة أن القضية جزء من مسلسل طويل من التضييق السياسي بسبب مواقفه الحادة تجاه الدولة والأجهزة الأمنية.
وفي حين صدر بحقه حكم سابق بثلاث سنوات سجنا في ملف منفصل، تضاعفت المخاوف الحقوقية بعد الحكم الجديد، والآن بعد ملتمس النيابة بالتشديد، ازداد الترقب والتوتر داخل الأوساط الحقوقية.
وهنا يبرز تساؤل محوري:
-
هل يحظى زيان بمحاكمة عادلة؟
-
وهل يتم فصله كشخص عن تاريخه كمعارض وكوزير سابق؟
متى يُفصل القانون عن السياسة؟ سؤال لا يغادر قاعات القضاء
بعيدًا عن تفاصيل الملف القانوني، تتجه الأنظار إلى السياق الأوسع الذي تجري فيه هذه المحاكمة. فقد شهدت السنوات الأخيرة موجة تقارير دولية تنبّه إلى تراجع الحريات في المغرب، وتضييق الخناق على المعارضة، وسط توسع في استعمال القضاء ضد الصحفيين والحقوقيين.
وهنا نعيد طرح السؤال الأهم:
-
هل ما زال بالإمكان الحديث عن استقلال فعلي للسلطة القضائية؟
-
أم أن التداخل بين السياسي والقضائي بات بنيويًا في تدبير الدولة لعلاقاتها مع الأصوات المعارضة؟