لقجع.. هل نحن أمام “موظف بسيط” صنع المعجزات أم أمام هندسة متقنة لسلطة ناعمة باسم الكرة؟

0
328

بين دخان سجائره الذي يعلو المدرجات أثناء مباريات المنتخب الوطني، وبين دخان الأسئلة الذي يعلو في سماء الفهم السياسي للمشهد الرياضي، يقف اسم فوزي لقجع كأحد أكثر الشخصيات التي تثير الجدل والفضول معًا. رجلٌ قد يُقدَّم إعلاميًا بأنه موظف بسيط ترقّى بنزاهته واجتهاده، لكنه في الواقع يمسك اليوم بخيوط متشابكة تتقاطع فيها الرياضة بالمال، والمشروعية الشعبية بالمشروعية الإدارية، والظهور الإعلامي بالنفوذ غير المعلَن.

فريق نهضة بركان، النادي الذي تأسس في الهامش الجغرافي والرياضي للمغرب، بات اليوم لاعبًا قارِّيًا يحصد الألقاب، ويُقدَّم كنموذج للنجاح الرياضي المؤطر بـ”الاحتراف”. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل انتصار بركان انتصارٌ للرياضة، أم هو انتصارٌ لـ”نموذج لقجع” الذي يجمع بين المال العام وميزانية النادي، بين التعيينات المالية والمجالس الرياضية؟

من “الموظف البسيط” إلى مهندس السلطة الرياضية

بحسب المعطيات المتاحة، فإن فوزي لقجع لم يعد فقط رئيسًا لجامعة كرة القدم، بل بات أيضًا مديرًا للميزانية بوزارة المالية، وعضوًا في الاتحاد الإفريقي، وفاعلاً في فيفا، ونائبًا برلمانيًا،… أي أنه أصبح نموذجًا مركّبًا لرجل يتحرك في الدولة بعدّة وجوه.

لكن أين تنتهي حدوده؟ وأين تبدأ خطوط التوازن؟ وهل ما نشهده هو تحول لقجع إلى رجل سلطة بامتياز؟ أم إعادة إنتاج لمنطق الدولة الذي يوظف الرموز الرياضية كجسر عبور للثقة السياسية؟

حين تتحول الكرة إلى دبلوماسية وشرعية بديلة

لقجع لا يدير الكرة فقط، بل يدير جزءًا من صورة المغرب في الخارج. فما يُعرف اليوم بـ”الدبلوماسية الكروية” – والتي برزت بوضوح منذ ملف مونديال 2026 ثم مونديال 2030 – لم تكن لتتحقق لولا استثمار سياسي مباشر في صورة الكرة، بقيادة لقجع. فهل نحن أمام نموذج إيجابي لاستخدام الرياضة لتعزيز الحضور الدولي؟ أم أننا نفتح الباب لهيمنة سلطة غير منتخبة تحت غطاء الشعبية؟

هل الرياضة في خدمة الوطن؟ أم في خدمة نفوذ فردي؟

القلق الأكبر، والذي لا يزال غائبًا عن كثير من التحليلات، يتعلق بـالخلط الممنهج بين المال العام والمال الرياضي، وبين الهياكل العمومية (وزارة المالية) والهياكل الرياضية (جامعة الكرة).

هذا التداخل يطرح سؤالًا محوريًا: من يراقب من؟ ومن يحاسب من؟ هل من المقبول أن يُنصّب نفس الشخص على رأس المؤسسة المانحة وعلى رأس المؤسسة المستفيدة؟ وأين هي مؤسسات الحكامة؟ وأين صوت مجلس المنافسة ومجلس الحسابات في هذه المعادلة؟

عندما يصبح الانتصار “صك غفران” للصمت

كل من ينتقد لقجع اليوم، يجد نفسه في مواجهة مع آلة دعائية تربط نجاح المنتخب بانضباط المؤسسات، وتربط إنجاز نهضة بركان بكفاءة الرجل، وتُحرج كل معارض تحت شعار: “اصمتوا.. انظروا للنتائج!”.

لكن هل النتائج تعفي من الرقابة؟ وهل الألقاب تعني بالضرورة أن التدبير كان رشيدًا؟ وهل تحوّل لقجع إلى “رجل الضرورة” يعني أننا أمام أزمة في إنتاج الكفاءات البديلة؟

الختام: ما الذي نحتاجه اليوم؟

نحن بحاجة إلى نقاش عام لا يمجّد الأشخاص بل يدرس النماذج. نحتاج إلى إعادة فتح ملف العلاقة بين الرياضة والسلطة، بين المال العام والتدبير الرياضي، بين الوظيفة العمومية والمسؤولية الانتخابية.

فلقجع – شاء من شاء – لم يعد مجرد اسم في جامعة الكرة، بل رمزًا لمرحلة سياسية وثقافية تحتاج إلى تفكيك ونقاش عميق.