“حذف المرجعية الإسلامية من المسطرة الجنائية: خطوة نحو العلمنة أم تعديل قانوني عابر؟”

0
79

أثار حذف الإشارة إلى “تعاليم الدين الإسلامي” من ديباجة مشروع قانون المسطرة الجنائية المحال على البرلمان جدلًا واسعًا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب. وبينما احتج نواب حزب العدالة والتنمية على هذا التعديل، مؤكّدين أنه كان جزءًا من النص السابق، دافع وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن الخطوة، معتبرًا أن المساطر القانونية ليست من اختصاص الدين، بل هي نتاج تفكير بشري. فهل يمثّل هذا الحذف تحولًا في توجهات التشريع المغربي نحو علمنة القوانين، أم أنه مجرد تعديل قانوني تقني لا يحمل أبعادًا عميقة؟

الإطار القانوني: مكانة المرجعية الإسلامية في التشريع المغربي

الدستور المغربي واضح في تأكيده على هوية الدولة الإسلامية، حيث ينص الفصل الأول على أن “المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة”، ويؤكد الفصل الثالث أن “الإسلام دين الدولة”، مع ضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية لغير المسلمين. بناءً على هذا الإطار الدستوري، يثار التساؤل: كيف ينسجم حذف المرجعية الإسلامية من مشروع قانون المسطرة الجنائية مع هذا التوجه الدستوري؟ وهل يعد ذلك تناقضًا مع المبادئ الدستورية؟

موقف وزير العدل: فصل القانون عن الدين

برر وهبي حذف الإشارة إلى المرجعية الإسلامية بأن “المسطرة الجنائية ليست من مهام الديانة”، مشيرًا إلى أن الدين يفصل بين الحق والباطل، بينما القانون هو منتج بشري يهدف إلى تنظيم المجتمع. كما أكد أن التشريع الديني يظل حاضرًا في قوانين أخرى مثل مدونة الأسرة والقانون الجنائي، لكنه أوضح أن المسطرة الجنائية هي مجرد إجراءات تهدف إلى تحقيق العدالة الإجرائية، وليس القيم الأخلاقية أو العقائدية.

لكن، هل يمكن فصل التشريع تمامًا عن المرجعية الدينية في بلد يقوم نظامه القانوني على مرجعية مزدوجة تجمع بين التشريع الوضعي والمبادئ الإسلامية؟ وهل يعكس هذا الحذف تحولًا في فلسفة التشريع الجنائي المغربي نحو مزيد من العلمنة، أم أنه مجرد مسألة تقنية لا تحمل خلفيات أيديولوجية؟

ردود الفعل: بين الدفاع عن الهوية والحداثة التشريعية

اعتبر النائب عبد الصمد حيكر أن رد الوزير لم يكن مقنعًا، متسائلًا عن مبررات إزالة عبارة كانت جزءًا من النص السابق دون تفسير واضح. وأشار إلى أن هناك “أكثر من سند في الشريعة الإسلامية” يدعم وجود هذه الإشارة في النص القانوني، وهو ما يجعل حذفها مثيرًا للشكوك.

من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه الخطوة قد تكون جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى تحديث المنظومة القانونية المغربية، وإبعادها تدريجيًا عن المرجعيات الدينية المباشرة. فهل يشكل هذا الحذف مجرد تعديل قانوني أم أنه مؤشر على تحول أعمق في التوجهات التشريعية المغربية؟

انعكاسات القرار: هل نحن أمام تغيير جوهري؟

بغض النظر عن نوايا الحكومة، فإن هذا الجدل يكشف عن تباين كبير بين التيارات السياسية حول العلاقة بين التشريع والدين. فبينما يرى المحافظون أن المسطرة الجنائية لا يمكن فصلها عن المرجعية الإسلامية، يرى التيار الحداثي أن تطوير القوانين يتطلب اعتماد مقاربة أكثر براغماتية تتجاوز الاعتبارات الدينية.

لكن السؤال الجوهري يبقى: هل سيفتح هذا القرار الباب أمام مراجعات أخرى للقوانين ذات المرجعية الإسلامية؟ وهل يمكن أن يشكل بدايةً لإعادة النظر في التوازن القائم بين التشريع الديني والقانون الوضعي؟

خاتمة

حذف الإشارة إلى المرجعية الإسلامية من ديباجة المسطرة الجنائية ليس مجرد تعديل شكلي، بل هو جزء من نقاش أعمق حول توجهات التشريع المغربي. فبين من يراه خطوة ضرورية نحو تحديث القوانين وبين من يعتبره إضعافًا للهوية الدينية للدولة، يبقى التساؤل مفتوحًا: هل نحن أمام بداية لمرحلة جديدة من العلمنة القانونية، أم أن هذه الضجة مجرد جدل سياسي سينتهي بمرور الوقت؟