وزير العدل وهبي يحيل “مشروع القانون قبول شهادة المرأة في “اللفيف العدلي” بعد 5 سنوات من مزاولة المرأة مهنة “العدول”

0
524

على الرغم من مُزاولة النساء المغربيات مهنة “العدول” المأذون الشرعي، ما زالت شهاداتهنَّ غير مقبولة في وثيقة اللفيف العدلي، لإثبات النسب أو قضايا الإرث وحقوق الملكية، ولو كُنَّ وزيرات.

فبعد مرور خمس سنوات على موافقة صاحفب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله ، على ممارسة المرأة لمهنة “عدل”، التي تسمح بتحرير وتوثيق الالتزامات وعقود الزواج والطلاق والنسب، تتجه وزارة العدل لإصدار قانون ينظم مهنة العدول ويسمح لأول مرة بقبول شهادة المرأة في “اللفيف العدلي”.

وجاء قرار الملك محمد السادس بشأن السماح للمرأة المغربية بممارسة مهمة “خطة العدالة”، اعتمادا على معطيين أساسيين، وفق ما أكد عبداللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، يتمثل المعطى الأول في الأخذ برأي المجلس العلمي الأعلى الذي نعلم أن من بين مهامه الإفتاء إلى جانب الملك كأمير للمؤمنين، وقد قررت هذه المؤسسة بإعمال اجتهادات معينة لقراءة النصوص الدينية أن لا شيء يمنع شرعا من ممارسة المرأة لهذا المهنة. أما المعطى الثاني الذي تم استحضاره فهو ما وصلت إليه المرأة المغربية من كفاءة وتثقيف علمي رصين.

وبحسب ما صرح به رئيس نادي قضاة المغرب في تصريح صحفي سابق، فإن الهدف من الخطوة يكمن في أنها تتناغم مع ما وصلت إليه المرأة المغربية من مساواة يفرضها دستور سنة 2011 والتزامات المغرب الدولية الحقوقية المتعددة إلى درجة أن المرأة مارست مهنا تحمّلها مسؤوليات أكبر من شغلها لخطة عدل.

وتأتي هذه الخطوة بعد موافقة المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية رسمية)، على قبول شهادة المرأة في “اللفيف العدلي”، وبناء على أن وزارة العدل أخذت بآراء فقهية من خارج المذهب المالكي حتى يتسنى لها قبول شهادة المرأة في سائر العقود.

وتضمن مشروع القانون الجديد الذي أحالته وزارة العدل على الأمانة العامة للحكومة، إجراءات جديدة لتنظيم مهنة العدول كما اشترط “ألا يقل عدد شهود اللفيف عن إثني عشر شاهدا ذكورا أو إناثا أو هما معا وأن يكونوا بالغين سن الرشد عند أداء الشهادة وأن يكونوا على علم بما يشهدون به”، وفق المصدر نفسه.

يقصد بشهادة “اللفيف”، التفاف مجموعة من الناس للإدلاء بشهادة حول واقعة تعذر على القاضي إصدار الحكم بشأنها دون إثبات، ويتم اللجوء إليها في قضايا الزواج والطلاق والنسب والإرث وغيرها من الوقائع التي لا يملك أصحابها وسائل إثبات خاصة.

وحول سياق هذه الشهادة، كتب العلمي الحراق، وهو باحث في مجال الأحوال الشخصية والتوثيق في مقال نشره موقع “العمق” المغربي، “ذهب فقهاؤنا إلى العمل بشهادة غير العدول في أحوال معينة وبشروط خاصة، وبضوابط محددة، وأجروا العمل بها منذ زمن بعيد، ونصوا على الأخذ بها والحكم بموجبها؛ واستمر العمل بها إلى اليوم، وقد اصطلح علماء المذهب المغاربة والأندلسيين على تسميتها بشهادة اللفيف”.

وأجمعت كتابات أخرى حول الموضوع نفسه، أن الفقهاء اشترطوا أن يكون جنس الشهود من الذكور ومنعوا تلقي الشهادة من النساء، “وضع الفقهاء شروطا للأخذ بشهادة اللفيف منها أن يكون أفراد الشهادة من الرجال. وقد رأى بعض الفقهاء بالاقتصار على إثنى عشر رجلا في عدد اللفيف وأفتوا في أن اللفيف من النساء ولو بلغ عددهن المائة لا يقضى به”، وفق مقال لمحفوظ أبي يعلا، نشره موقع العلوم القانونية.

في المقابل، أوضح الحراق، أن فقهاء المالكية لم يشترطوا تلقي الشهادة من الذكور وحدهم، مبرزا “فيما يتعلق بشهادة المرأة غير العدل في شهادة اللفيف؛ فيمكن القول بأن جل علماء المذهب المالكي -المغاربة خاصة- لم يصرحوا باشتراط الذكورة في شهود اللفيف، لكن ظاهر كلامهم يفيد أنها لا تجوز إلا من الرجال، وهو ما جرى به العمل إلى الآن”.

وتعليقا على الخطوة، قالت العدل والناشطة الحقوقية، عائشة بالحسين، في تصريح صحفي، إن قبول شهادة المرأة في “اللفيف”، خطوة مهمة واستكمال لسلسلة إجراءات وقرارات “أنصفت” المرأة في السنوات الأخيرة.

واعتبرت المتحدثة، أن الخطوة “ستضع حدا لعدد من المشاكل في المجتمع المغربي كشهادة الزور”، مفيدة بأن السماح للنساء بالشهادة دون قيد أو شرط من شأنه أيضا أن يفتح المجال أمام النساء لولوج مهنة العدول في بلادها.

وتساءلت بلحسين، التي تشغل أيضا منصب رئيسة الفرع المحلي للجمعية المغربية للعدول الشباب بأكادير (جنوب)، “بعد السماح للمرأة بولوج هذه المهنة ما المانع من السماح للمرأة بالشهادة؟ خصوصا وأن لا مانع للمرأة للإدلاء بشهادتها سوى العرف”.

وأضافت “الخطوة استجابة لدعوات الحركة الحقوقية وندعمها بشدة رغم أننا سبق وطالبنا بأن يتم تقليص عدد الشهود إلى أقل من 12 شاهدا لأن هذا العدد يشكل صراحة عائقا في كثير من الحالات سواء داخل المغرب أو بالنسبة للجالية المغربية بالخارج”.

وفي السياق نفسه، أشادت الطبيبة والباحثة المغربية أسماء المرابط بالخطوة، وكتبت في تدوينة لها على فيسبوك “وأخيرا تقبل شهادة المرأة  المغربية في سائر العقود والشهادات، كم ضيعنا من القرون في الأخذ بتأويلات تمييزية  لبعض المذاهب  وتركنا الجوهر والأصل من القيم القرآنية”.

بدورها، نوهت حملة “حاشاك” المدافعة عن حقوق المرأة بالمشروع الجديد، وقالت في بيان إنه “أخيرا، أصبح للنساء المغربيات الحق في الكلام أسوة بالرجال”. 

ووافق الملك المفدى محمد السادس حفظه الله على فتح مهنة “العدل” أمام النساء، وسمح للمرأة أن تدخل مجال توثيق عقود الزيجات والطلاق والبيع، لأول مرة.

وكان الملك قد كلف وزير العدل، في وقت سابق، بدراسة المسألة، كما جرت إحالة القضية على المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى هيئة دينية في البلاد.

وأوضح المتحدث باسم القصر الملكي في المغرب، عبد الحق المريني، أن القرار جرى اتخاذه “بناء على أحكام الشرع المتعلقة بالشهادة”، لافتا إلى أن المرأة المغربية “أظهرت كفاءة وقدرة على تولي المناصب”.

وخلال حفل التنصيب في صيف 2018، خاطب وزير العدل الأسبق محمد أوجار الناجحات في هذا الفوج، قائلا: “لقد حظيتن بشرف تكريم الملك محمد السادس للمرأة المغربية، وفزتن بتقديره لما تضطلعن به من أدوار ترجمها من خلال ثقته فيكن وفي كفاءتكن ومقدرتكن على تحمل كل صعب، وتجاوزِ كل عقبة”.

وتابع: “إنها الصورة التي نجحت المرأة المغربية دوما في رسمها، فأُثِر عنها التفاني في العمل، والإخلاص في الأداء، والنزاهة في التدبير، والتألق في التسيير”.

وأضاف المسؤول الحكومي الأسبق، أن “هذا الإنجاز، ليزيد من جذوة الأمل في نفوسنا من أجل أن نرى المرأةَ العدل منخرطة في غمارِ المهنة، قائمة بأعبائها، متحملة لأمانة توثيق العقود وحفظ الحقوق وتحرير الالتزامات”.

من جهته، رفض التيار الإسلامي المُحافظ في المغرب وُلوج المرأة المغربية مهنة المأذونة الشرعية، بدعوى أنه لا تُقبل شهادتها، واعتبر الشيخ الداعية الحسن بن علي الكتاني، وهو أحد دعاة المُثيرين للجدل في المغرب، أن “فتوى المجلس العلمي الأعلى لا علاقة لها بمذهب الإمام مالك ولا المالكية” وفقاً لتدوينته على صفحته على “فيسبوك”.

وأضاف قائلا: “يا علماء المجلس العلمي الأعلى لا تُقحموا مالكاً ومذهبه في أمر لا علاقة لهم به”. تابع الكتاني “الشهود في عقد النكاح إما أن يكونوا ذكوراً، فشهادتهم صحيحة بالاتفاق إن توفرت فيهم بقية الشروط، وإما أن يكُنَّ نساءً، فإن عُقد النكاح بشهادة امرأتين فالعقد غير صحيح في مذهب الإمام أحمد، والشافعي، وظاهر مذهب أبي حنيفة”. واعتبر الكتاني أن الزواج الذي تعقده امرأة باطل مستشهداً بحديث نبوي “لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا تعقد النكاح لابنتها.” 

في هذا السياق، يقول يوسف المساتي الباحث المغربي في التراث الإسلامي “هذا الموضوع في الواقع جدُّ مُتشابك، فهو يرتبط بالإرث وبالشهادة، وهما موضوعان مُعقَّدان جداً بالمغرب”. يُضيف “الفكر الذكوري ما زال مُهيمناً بالمغرب، ويظهر ذلك في مسألة التعصيب واللفيف العدلي وغيرهما، ويتم دوماً تهميش المرأة أو الحد من مجالات استفادتها”. ويُتابع الباحث المغربي في التراث الإسلامي “شهادة المرأة في اللفيف العدلي مرتبطة ببنية المجتمع المغربي، والتمثلات السائدة التي تربط شهادة المرأة برجلين ما يجعل من الصعب تقبل شهادتها.”

وتعتبر مهنة “العدول” من أقدم المهن في المغرب، إذ يرتبط ظهورها بدخول الإسلام للبلاد وتأسيس أول دولة إسلامية منذ أكثر من 12 قرناً. ويقوم العدول بكتابة جميع أنواع التصرفات العقارية والمدنية والتجارية والأحوال الشخصية والميراث.

ويضطلع بمهمة توثيق العقود في المغرب، نوعان من الموثقين؛ هما العدول الأقدم وجوداً والأشد ارتباطاً بالشريعة الإسلامية، والموثقون العصريون الذين يرجع ظهورهم إلى الحقبة الاستعمارية، بعد أن تم إحداث مهنة التوثيق في المغرب بمقتضى ظهير شريف 4 مايو/ أيار 1925.

وقال رئيس الهيئة الوطنية لـ”العدول”، محمد ساسيوي، في تصريح صحفي سابق، إنّ “مشروع قانون مالية 2023 حرم العدول والمواطنين من توثيق العقود المتعلقة بالوعد بالبيع والبيع النهائي لاقتناء المساكن المخصصة للسكن الرئيسي”، معتبراً أنّ “توجه الحكومة بإقصاء العدول في مشروع قانون المالية، لا مبرر له لأنّ العدول يمارسون مهنة التوثيق منذ القدم وبقوة القانون على قدم المساواة مع نظرائهم الموثقين”.

وتابع سياسوي: “احتجاجنا هو ضد وزارة المالية التي ضربت الدستور والقوانين المعمول بها وبالأخص قانون الحقوق العينية في مادته الرابعة، ولتحيزها ومحاباتها لجهة دون أخرى. تحرير العقود هو حق مكتسب لا يمكن لهيئة العدول التخلي عنه، وعلى الوزارة تصحيح خطأها لأنه يضر حتى بالمواطن وإرادته وحرية التعاقد، إذ إنّ جلّ المواطنين من الطبقة الوسطى والفقيرة يختارون العدول عند تحرير معاملاتهم لأنهم أقل تكلفة علماً أنّ العقود التي يحررونها تكتسي الصبغة الرسمية ولها القيمة القانونية نفسها”. 

وأوضح سياسوي أنّ عدول المملكة “مستاؤون جداً ومتذمرون جراء توجه وزارة الاقتصاد والمالية”.

وقالت الهيئة الوطنية للعدول، في بيانها، إنها تستشعر “خطورة هذا التوجه على مكانة ومستقبل المهنة والحقوق المشروعة لممتهنيه”، معربة عن نفاد صبرها وأنها “لن تتحمل هذا التمييز اللامشروع”.

وطالبت الهيئة بمراجعة وتعديل المادة الثامنة من مشروع موازنة 2023 فورا، في اتجاه “تحقيق المساواة والعدل بين جناحي التوثيق بالمغرب، ورفع أشكال الحيف والتمييز”، مهددة بخوض “كل أشكال الاحتجاج والنضال الذي يكفله دستور المملكة والمواثيق الدولية دفاعا عن كرامتها والحقوق المشروعة للعدول”، في حال ظلت دعوتها “معلقة”.

في عام 2010، تقدمت نساء مغربيات بطلب لاجتياز مباراة العدول، فقوبل الطلب بالرفض بسبب إشكالات قانونية وفقهية تتعلق بخوض النساء في مسألة الإشهاد، وبعد عشر سنوات من النقاش والاجتهاد أدت 299 امرأة اليمين أمام المحاكم وبدأن مزاولة المهنة.