سجلت “المجموعة المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق الأجانب والمهاجرين”, استمرار انتهاكات السلطات في العاصمة الرباط بحق الأفارقة في بعض الأحياء,” توقيف ما لا يقل عن 420 مهاجرا من إفريقيا جنوب الصحراء بالرباط، خلال الفترة ما بين يناير 2021 ودجنبر 2022, إضافة الى الترحيل القسري, ومداهمة تجمعاتهم في عز البرد القارس ومصادرة ممتلكاتهم, في خرق سافر لكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وكشفت “غاديم” في تقرير لها، بناء على مهماتها الميدانية والشهادات المختلفة التي تم جمعها، أن هؤلاء المهاجرين تم توقيفهم في الشارع العام بسبعة أحياء على الأقل بالعاصمة وهي اليوسفية، والتقدم، وحي النهضة، والمدينة، والقامرة، وجي5، والسويسي، فيما تم توقيف البعض الآخر داخل منازلهم.
وقالت المجموعة إن التوقيفات تمت دون التحقق المسبق من هوية المهاجرين أو وضعيتهم الإدارية، ولا يتم إبلاغ أي من الموقوفين، سواء بأسباب توقيفهم أو بحقوقهم المنصوص عليها في القانون، كما أن التوقيفات جرت بشكل شبه يومي وجماعي واستهدفت فقط الأشخاص من ذوي البشرة السوداء من غير المواطنين المغاربة.
وتوقف التقرير على بعض الشهادات التي أفادت 12 منها باستخدام العنف من قبل عناصر الشرطة أثناء التوقيف، بينهم 4 أشخاص تعرضوا لإصابات خلال هذه العمليات.
وتشير الشهادات التي تم تجميعها إلى أنه من بين الأشخاص الموقوفين، كان يوجد ما لا يقل عن 8 أطفال و5نساء و10 أشخاص يحملون شهادة مسلمة من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إضافة إلى أن 8 أشخاص من بين الموقوفين، كانوا في وضعية إدارية نظامية.
وأبرز التقرير أن الأشخاص الذين تم اقتيادهم إلى بعض الأماكن المغلقة، يتم حرمانهم من الحرية، أي أنهم يجبرون على البقاء هناك، غالبًا لعدة ساعات، حيث لم يكن بإمكانهم الخروج بحرية من تلك الأماكن قبل الحصول على الإذن أو الأمر للقيام بذلك.
وأكد التقرير أن الموقوفين يتم تنقيلهم او ترحيلهم بشكل قسري داخل التراب المغربي، بهدف إبعادهم عن المناطق الحدودية التي يمكن ان تكون نقط انطلاقهم في الهجرة لاوروبا وتعقيد الوصول إلى هذه المناطق الحدودية.
ولفتت المجموعة إلى أن الشهادات التي تم تجميعها تظهر أن إيقاف الأشخاص غالبًا ما يتم على يد أشخاص يرتدون ملابس مدنية أو أشخاص يتم تحديدهم على أنهم يعملون داخل الملحقات الإدارية، مما يطرح إشكالية، حول من له صلاحية إيقاف واعتقال الأشخاص، وعلى أي أساس قانوني، و كيف يتم قانونا نقل شخص موقوف من ملحقة إدارية إلى مركز للشرطة.
في سياق متصل ، بدأ المهاجرون مؤخراً بمواجهة الكثير من المصاعب إذا ما أرادوا الوصول إلى السواحل الشمالية، فلم تعد تُباع لهم تذاكر الحافلات المتوجهة للمدن الشمالية، وإذا حاولوا ركوب الحافلات، يتم طردهم.
نتيجة لذلك، استقر مئات الأشخاص بالقرب من محطة حافلات “أولاد زيان” في الدار البيضاء، على أمل الوصول إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط بطريقة أو بأخرى.
بالقرب من تلك المحطة، أنشئ مخيم يأوي المهمشين والمتسولين وأطفال الشوارع والنشّالين. قال صلاح الدين لميزي وهو رئيس تحرير موقع “Enass” المتخصص في الهجرة، والمقيم في الدار البيضاء، “إنه مكان سيئ السمعة، حتى المغاربة يتجنبون الذهاب إليه”.
بدأ تكون المخيم في نهاية عام 2015، قبل الإجراءات المغربية الجديدة بوقت طويل. لكنه استمر في النمو إلى أن اختفى في عام 2019 بسبب نشوب حريق. منذ ذلك الحين، أعيد بناء المخيم بشكل عشوائي على شكل مجموعات صغيرة من الخيام. وفي الأشهر الأخيرة، انتقل عدد متزايد من المهاجرين إلى المخيم ليجدوا أنفسهم عالقين بين طريقين سريعين، بالإضافة إلى أنهم ينامون وسط أنابيب المياه العادمة، دون الوصول إلى المراحيض أو أماكن الاستحمام. كما يصبح التعايش أكثر صعوبة مع السكان المحليين، الذين عبروا عن استيائهم من وجود المخيم.
ومن جانب آخر، يتعين على المهاجرين التعامل مع الشرطة التي تفكك خيامهم المؤقتة بانتظام. وخلال هذه العمليات التي غالبا ما تكون عنيفة، يتم إلقاء المراتب والملابس والأطباق والممتلكات الشخصية في صناديق القمامة. لكن المهاجرين يعودون إلى نفس المنطقة بعد فترة وجيزة.
لكن السياسات التي تتبعها السلطات في المغرب لا تتجه نحو هذا الحل. يشير الصحفي صلاح الدين لميزي إلى أن “نهج السلطات أمني أكثر منه نهج إنساني”.
وشهدت سياسة الدولة المغربية في التعامل مع ملف الهجرة نقطة تحول العام الماضي، مباشرة بعد مأساة مليلية في 24 حزيران/يونيو 2022، عندما حاول ما يقرب من 2000 شخص عبور الأسلاك الشائكة التي تفصل الجيب الإسباني عن الأراضي المغربية. ولقي 20 مهاجرا مصرعهم في اشتباكات مع الشرطة وسجن حوالي 30 آخرين بتهمة “عبور الحدود بشكل غير قانوني”.
منذ هذه المأساة التي أثارت الكثير من ردود الأفعال الغاضبة، ضاعفت الرباط جهودها لطرد المهاجرين المتواجدين في شمال البلاد. يقول علي الزبيدي “هناك عدد أقل بكثير من الناس على الساحل في الوقت الحالي”. يوافق صلاح الدين اللميزي “قبل حزيران/يونيو 2022، كان بإمكان المهاجرين البقاء في الغابات، فقد كان يتم التسامح معهم إلى حد ما. أما اليوم، هناك عدد قليل جدا منهم بالقرب من الناظور وتطوان، حتى أولئك الذين تمكنوا من الخروج باتجاه الشمال، لا يستطيعون الوصول إلى الغابات”.
وهكذا، تحاول السلطات احتواء تدفق المهاجرين في وسط المغرب، بين الرباط وأغادير. صلاح الدين اللميزي يعلق “الدار البيضاء هي الحدود الجديدة لأوروبا”.
تجريم الهجرة
جعلت إسبانيا والاتحاد الأوروبي المغرب شريكهما المميز في محاربة الهجرة غير الشرعية. المملكة غارقة في التمويل – 500 مليون يورو تم ضخها من قبل بروكسل العام الماضي – لمنع المهاجرين من الوصول إلى القارة العجوز. صلاح الدين اللمايزي قال “ما نراه في الدار البيضاء وشمال المغرب هو من أعراض سياسة مراقبة الحدود وإضفاء الطابع الخارجي عليها، وكذلك الضغط الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي على الرباط”.
وفي شباط/فبراير، اتخذت السلطات المغربية إجراءات إضافية لـ”تجريم الهجرة”، فبعد اشتباكات مع الشرطة أثناء تفكيك مخيم “أولاد زيان”، حكم على ستة مهاجرين بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها 60 ألف درهم (حوالي 5000 يورو)، بتهمة “إهانة المسؤولين العموميين والاعتداء عليهم وتدمير الممتلكات العامة والهجرة غير الشرعية”، وكانت هذه المرة الأولى التي تصدر أحكام مشابهة على مهاجرين في الدار البيضاء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هل ستمنع هذه السياسات توافد المهاجرين؟ يجيب شاب أفريقي يبلغ من العمر 23 عاماً، في لقاء مع موقع “Enass”، قائلا “عبرت الصحراء الكبرى بأكملها، من النيجر إلى الجزائر، مشيت عشرات الكيلومترات. نجوت من مهربين من جميع الأنواع. لن يمنعني شيء من هدفي”.