لا تمرّ أيام دون أن تُنقل إلينا صور صادمة من شوارع مدننا: سيوف تتأرجح في وضح النهار، مخدرات تُروّج على الأرصفة، وشباب غاضب يجرّه اليأس إلى مربعات الجريمة. الواقع لم يعد يحتمل التجميل. والمقاربة الأمنية، رغم أهميتها، لم تعد كافية.
من هنا، جاءت رسالة الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، إلى البرلمان، كصرخة سياسية تدعو إلى ما هو أبعد من الدوريات الأمنية. لقد سمّى الأشياء بأسمائها: الجريمة نتيجة مباشرة للفقر والتهميش، وغياب الأمل لدى الشباب.
إن رسالة الأمين العام لحزب الحركة الشعبية لم تقتصر على التحليل السطحي للوضع الأمني، بل قامت بتسليط الضوء على واقع مرير يجمع بين غياب البدائل الاقتصادية والاجتماعية و ارتفاع تكلفة الحياة اليومية. إن ما يبدو للوهلة الأولى مشهدًا أمنيًا، هو في الواقع جزء من أزمة بنيوية أعمق، بدأت تتفاقم مع غلاء الأسعار، وارتفاع أسعار المحروقات، التي لها تأثير مباشر على حياة المواطنين.
قد تكون هذه الرسالة، على الرغم من أهميتها، قد غفلت عن إشارة مباشرة إلى العامل الأساسي الذي يعزّز هذا التدهور: ارتفاع أسعار المحروقات. لماذا لا يُناقش المسؤولون عن سياسة المحروقات في المغرب؟ أليست بعض الأسماء السياسية الكبرى في البلاد هي نفسها المتورطة في مناقشة تسعير المحروقات؟ إن غلاء الأسعار هو العامل الأساسي الذي يغذي الفقر، مما يخلق بيئة خصبة للجريمة، خاصة في الأحياء الهامشية التي يعاني سكانها من نقص الفرص الاقتصادية والتعليمية.
الأمن بين الدولة والمجتمع
الرسالة التي وجّهها الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، لا تقتصر على تقديم الحلول الأمنية فقط، بل على دعوة واضحة لوضع استراتيجية متكاملة توازن بين الأمن والتنمية. فمن خلال تطوير برامج توعية وتعليم للشباب، وتوفير فرص اقتصادية حقيقية في الأحياء الفقيرة، يمكن تقليص الفجوة التي تجعل من الجريمة الخيار الوحيد لشبابنا.
الأمين العام دعا الحكومة أيضًا إلى تعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني، وهو أمر بالغ الأهمية لبناء ثقة حقيقية مع المواطنين، الذين لا يرون في الشرطة سوى جهاز قمعي لا يساهم في حل مشكلاتهم الأساسية. في النهاية، يجب أن نتساءل: هل يعقل أن تبقى الأحياء الشعبية في المغرب مختطفة من قبل الجريمة، بينما يظل المسؤولون يتنقلون بين الفعاليات والبرامج دون أن يقدموا حلولًا جذرية؟
هل نُحاسب الفقر أم الجريمة؟
إن الجريمة في المغرب ليست ظاهرة عارضة أو مفاجئة. هي نتيجة تراكمات طويلة من الفقر، والحرمان الاجتماعي، والتهميش الاقتصادي. هذا الوضع الذي أفرزته سياسات اقتصادية غير قادرة على توفير أساسيات الحياة للمواطنين، بينما تُستمر سياسات الدعم التي تُثقل كاهل الدولة، في حين أن الطبقات المهيمنة تواصل الهيمنة على الموارد الحيوية.
إذن، هل الجريمة في المغرب هي نتيجة حتمية للفساد الاقتصادي؟ كيف لنا أن نتوقع انخفاض الجريمة إذا كانت الأسباب الحقيقية وراءها ما زالت بعيدة عن النقاش الجدي؟
رسالة المعارضة كانت واضحة… ولكن هل من مجيب؟ في ظل غياب استراتيجيات تنموية حقيقية، تبقى المقاربة الأمنية وحدها غير كافية.
نحن بحاجة إلى حلول حقيقية، وليس فقط تصريحات سياسية. نحن بحاجة إلى محاسبة المسؤولين عن سياسات غلاء الأسعار والتهميش الاجتماعي، وفي النهاية، هل ستكون هناك إرادة حقيقية من الحكومة لمواجهة الجريمة من جذورها، أم أن المعركة ستظل تدور حول العلاج السطحي للأعراض فقط؟
نحو مقاربة مجتمعية شاملة
الرسالة اختتمت بدعوة الحكومة لتعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني، باعتبار أن الوقاية من الجريمة تبدأ من الحي والأسرة والمدرسة. كما عبّر الحزب عن استعداده للانخراط في كل مبادرة تصب في حماية المواطنين وتعزيز الأمن.
لكن تبقى الكرة في ملعب الحكومة:
هل ستستجيب بندية لهذا النداء السياسي الذي يتجاوز الحسابات الحزبية؟
أم أن الحلول الجذرية ستبقى مؤجلة إلى إشعار انتخابي آخر؟