“فيلا كاليفورنيا”: عندما تتحول الممتلكات الخاصة إلى شظايا في ملف معقد يخلط النفوذ والمال والسلطة

0
172

في مشهد قضائي مثقل بالرمزية، عاد عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، إلى واجهة الأحداث، ليس بصفته المنتخبة أو كرجل أعمال، بل كمشتبه في ارتباطه بشبكة “إسكوبار الصحراء”، إحدى أخطر قضايا الاتجار الدولي بالمخدرات التي تشغل الرأي العام المغربي منذ أشهر. لكن ما الذي يجعل هذا الملف أكثر من مجرد تتبع قضائي؟ ولماذا تكتسب “فيلا كاليفورنيا” الواقعة بالدار البيضاء أهمية خاصة في تفكيك شبكة المصالح المعقدة بين السياسة والمال والجريمة المنظمة في المغرب؟

من فيلا إلى فضاء شبهة: هل نحن أمام نزاع مدني أم خيط في شبكة أوسع؟

بدايةً، تأتي إفادات بعيوي بشأن امتلاكه السابق لـ”فيلا كاليفورنيا” باعتبارها محطة محورية في هذا الملف. يقول إنه اقتنى العقار عام 2009 وسجله باسم زوجته السابقة، في وقت كانت العلاقة بينهما في بداياتها. لاحقاً، تم بيع الفيلا إلى صهره بلقاسم المير، البرلماني السابق عن حزب الأصالة والمعاصرة، في إطار تسوية مرتبطة بمشروع سياحي مشترك، قبل أن تنتقل إلى ملكية سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي، والمعتقل حالياً في الملف نفسه.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل كانت هذه التحويلات العقارية جزءاً من ترتيبات تجارية طبيعية، أم أنها غطاء لتحويل أصول مرتبطة بأموال مشبوهة؟

التوثيقات المتوفرة تشير إلى اتفاقات كتابية ومحاضر صلح، لكن الطابع المتداخل للعلاقات – عائلية، حزبية، وتجارية – يفتح الباب لتساؤلات أكبر حول كيفية استغلال النفوذ في صفقات تبدو، ظاهرياً، ذات طابع مدني صرف.

بين الإنكار والتقاطع: أين تنتهي الخصومة الأسرية وأين تبدأ المسؤولية الجنائية؟

بعيوي أنكر أمام المحكمة أن يكون قد زوّر وكالة بيع الفيلا أو مارس ضغوطاً على زوجته السابقة، معتبراً أن البيع تم برضا الطرفين، بدليل تحويله مبالغ مالية لاقتناء عقار بفرنسا. لكنه لم ينكر وجود خلافات، لا سيما مع والد الزوجة حول فيلا أخرى في وجدة. وهنا تبرز زاوية مقلقة: إلى أي حد يمكن أن تتحول النزاعات الشخصية والعائلية إلى ثغرات قانونية تُستغل في صراعات مالية أوسع؟

ما يعمّق الشكوك أكثر هو ارتباط أسماء سياسية ورياضية بارزة في هذا الملف، وخصوصاً عند الحديث عن سهرات ومناسبات “مشبوهة” قيل إنها نظمت في الفيلا، وهو ما ينفيه بعيوي بشكل قاطع.

التورط الجماعي أم المسؤولية الفردية؟ سؤال العدالة في دولة المؤسسات

في سياق تتبعه لمظاهر الجريمة المنظمة العابرة للحدود، سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن نبه في تقريره لسنة 2021 إلى “تنامي أنشطة التبييض واستغلال العقارات في عمليات مشبوهة”، داعياً إلى آليات رقابة أكثر حزماً في تتبع مسارات الأموال والعقارات، خصوصاً تلك التي تنتقل بين شخصيات ذات مناصب سياسية أو ارتباطات حزبية.

كما جاء في تقارير دولية، منها تقرير “الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات” لسنة 2023، أن المغرب سجل ارتفاعاً في المؤشرات المرتبطة بتبييض الأموال من خلال العقارات، ما دفع السلطات إلى إدراج تعديلات جديدة على قانون مكافحة غسل الأموال سنة 2021، لتعزيز الرقابة والشفافية في المعاملات العقارية.

من هنا، يصبح من المشروع طرح السؤال التالي: هل يتم التعامل مع هذه القضايا كملفات منعزلة، أم أن هناك إرادة مؤسساتية لتفكيك شبكات متشعبة تتقاطع فيها السياسة والمال والجريمة؟

في الحاجة إلى مساءلة بنيوية لا انتقائية

بعيداً عن الأسماء، تبقى القضية فرصة سانحة أمام الدولة لتأكيد جديتها في محاربة الفساد البنيوي وتبييض الأموال، بعيداً عن الانتقائية أو منطق “القرابين الظرفية”. فأن يكون رئيس جهة سابق، وبرلماني، ورئيس نادٍ رياضي من حجم الوداد، أطرافاً في ملف واحد، لا يجب أن يكون صدفة ولا مناسبة للمزايدة، بل إشارة إلى أن الاختلال ليس فردياً، بل له بنية سياسية ومؤسساتية تحتاج إلى تفكيك عقلاني وشجاع.

في نهاية المطاف، “فيلا كاليفورنيا” ليست مجرد عقار في منطقة راقية، بل مرآة تعكس التداخل الخطير بين المصالح في مغرب يسعى لتطهير إدارته من الريع وتثبيت دولة القانون.