بين الاختراق المزعوم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وخطر هشاشة الأمن الرقمي: هل تحمي المؤسسات السيادية حقًا سيادتها؟

0
223

بينما تواصل الدولة المغربية تسويق صورة مؤسساتها كحصون منيعة تحكمها الشفافية والمسؤولية، أتى خبر الاختراق المزعوم لموقع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ليعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية في زمن الرقمنة: أمن المؤسسات السيادية أمام التهديدات الرقمية، وتوازن العلاقة بين الشفافية والسيادة.

من الخبر إلى التحليل: ماذا نعرف حتى الآن؟

الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط أمر بفتح تحقيق قضائي بشأن ما راج على مواقع التواصل الاجتماعي حول اختراق مزعوم لموقع المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وتم تداول وثيقتين إداريتين منسوبتين للمجلس، مما أثار شكوكا حول صحة المحتوى الرقمي الرسمي ومدى حماية قنوات التواصل المؤسسي.

لماذا المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحديداً؟

في بلد مثل المغرب، حيث تُطرح أسئلة مستمرة حول استقلالية القضاء، فإن أي اختراق أو تسريب مرتبط بهذه المؤسسة يتجاوز الطابع التقني ليأخذ أبعادًا سياسية ومؤسساتية.

هل نحن أمام محاولة للمساس بصورة القضاء المستقل؟هل يندرج الأمر ضمن صراع خفي داخل أجهزة الدولة أو بين الفاعلين الرقميين والمؤسسات الرسمية؟ أم أن ما حدث ليس سوى استغلال لفجوة رقمية تحوّلت بسرعة إلى قضية رأي عام؟

السياق الوطني: المؤسسات تحت مجهر الثقة الرقمية

تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2023، أشار إلى أن نسبة ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية بالمغرب لا تتجاوز 36%. ومع توالي حوادث التسريبات و”الاختراقات” المزعومة، تتراجع الثقة أكثر. فما الذي يضمن اليوم أن الوثائق الرقمية الصادرة عن مجلس دستوري مثل هذا غير قابلة للتزوير أو الانتحال؟

من جهة أخرى، يشير تقرير حديث لمركز “أكسيوس سايبر” الأمريكي إلى أن الدول النامية، ومن بينها المغرب، أصبحت أهدافاً مفضلة للهجمات السيبرانية السياسية، ما يفتح الباب أمام فرضية أن ما حدث قد لا يكون فعلاً داخلياً فقط، بل ربما جزء من حرب سيبرانية ناعمة ضد استقرار المؤسسات.

البعد الدولي: أين المغرب من حماية أمنه الرقمي السيادي؟

في تقرير 2023 الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (UIT) حول جاهزية الأمن السيبراني، جاء المغرب في المرتبة 85 عالمياً، خلف دول إفريقية مثل كينيا وغانا.

هذا الترتيب يطرح تساؤلاً: هل تستثمر الدولة بما يكفي في تأمين مواقعها السيادية؟ أين تتقاطع هذه الوقائع مع إحداث الوكالة المغربية للأمن السيبراني المعلنة مؤخرًا؟ وهل تمتلك الجهات القضائية والتشريعية آليات للتحقيق في طبيعة هذه الهجمات وأبعادها؟

هل الاختراق حقيقي أم مجرد “تشويش رقمي”؟ وماذا عن الخط التحريري للمواقع الناشرة؟

بعيداً عن الوقائع التقنية، يفتح هذا الحادث النقاش أيضاً حول أخلاقيات النشر الرقمي.

هل تحققت هذه المواقع من صدقية الوثائق قبل نشرها؟ هل قدّمتها كرأي أو كمعلومة مؤكدة؟ وهل نحن اليوم أمام إعلام رقمي موازي بات يسبق التحقيقات الرسمية، أم أمام فوضى معلوماتية تهدد تماسك الدولة؟

رأي خبير:

قال الدكتور هشام المريني، خبير الأمن السيبراني ومدير مركز الدراسات الرقمية في الرباط، لـ«الصحيفة»: «التهديدات الرقمية التي تواجه المؤسسات السيادية في المغرب ليست مجرد هجمات تقنية عادية، بل هي جزء من حرب إلكترونية متطورة تستهدف إضعاف مؤسسات الدولة وزعزعة ثقة المواطن. بناء منظومة أمن سيبراني قوية يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتدريب متخصص للكوادر، بالإضافة إلى تطوير آليات تعاون بين الأجهزة الأمنية، القضائية، والإعلامية لضمان رصد الهجمات والتصدي لها بشكل فوري وفعال. بدون ذلك، ستظل المؤسسات عرضة لمخاطر مستمرة قد تؤثر على استقرار الدولة بشكل مباشر.»

تجارب دولية: دروس من دول رائدة في الأمن السيبراني

تُعد دول مثل إستراليا وكوريا الجنوبية وألمانيا من الدول الرائدة في مجال حماية مؤسساتها السيادية من الهجمات الرقمية، حيث تعتمد على استراتيجيات شاملة تشمل تحديث مستمر للبنية التحتية الرقمية، وإنشاء فرق استجابة سريعة للطوارئ السيبرانية، إضافة إلى توعية المواطنين والموظفين بأهمية الأمن الرقمي.

في ألمانيا مثلاً، أُنشئت وحدة وطنية مختصة بمراقبة وتأمين الأنظمة القضائية، مع قوانين صارمة تحمي البيانات وتحظر تسريب المعلومات من داخل المؤسسات.

أما في المغرب، فتأسيس الوكالة المغربية للأمن السيبراني خطوة إيجابية، لكنها بحاجة إلى دعم تقني ومالي أكبر، وكذلك تطوير إطار تشريعي متكامل، يعزز من قدرة الأجهزة المختصة على مواجهة الهجمات الإلكترونية والتصدي لمحاولات التشويش الرقمي.

إن الاستفادة من تجارب هذه الدول ليس ترفاً بل ضرورة حتمية لضمان حماية المؤسسات السيادية في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية.

ما الذي على السلطات فعله؟

  • تحديث شامل للبنية الرقمية للمؤسسات الدستورية.

  • تفعيل قانون محاربة الجرائم المعلوماتية على نحو متوازن يحترم حرية التعبير ولا يقيّد الحق في المعلومة.

  • إشراك الصحافيين والمنصات الرقمية في ميثاق أخلاقي مشترك يوازن بين السبق الصحافي والأمن الوطني.

خلاصة
إن كان الاختراق المزعوم صحيحًا، فذلك ناقوس خطر يجب أن يدق في أعلى مستويات الدولة. وإن كان مجرد إشاعة أو تسريب داخلي تم توظيفه بشكل ممنهج، فإن ذلك يكشف هشاشة مؤسساتية في ضبط المعلومة وحمايتها.

وفي الحالتين، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، باعتباره أحد ركائز التوازن الدستوري، يجب أن يُحمى ليس فقط من التهديدات الرقمية، بل من كل محاولات زعزعة الثقة فيه، سواء من داخل النظام أو خارجه.