من وراء اختفاء والي البنك المركزي المغربي عبداللطيف الجواهري؟

0
515

يتساءل عدد من المراقبين السياسيين عن أسباب غياب والي البنك  المركزي المغربي عبداللطيف الجواهري (84 عاما) من الظهور في مناسبات رسمية .. وهذا الغياب يطرح تساؤلا آخر :مَن يدبر الآن شؤون البنك المركزي المغربي ..؟

وهل أوكل الأمر إلى أحد مدراء البنك ليتولى الإدارة بالنيابة عنه  بعد أن تغيب عن الظهور بسبب وعكة صحية طارئة تستدعي لزومه العلاج؟ 

وكشفت مصادر أنه من المتوقع أن يكون تم تعيين والي البنك المركزي خلفا لعبداللطيف الجواهري الذي عين في هذا المنصب منذ 2003.

وفي هذا الصدد ، ومن خلال مصادر إعلامية محلية هناك من اعتبر أن يكون السبب بدافع صحي أو لسوء الفهم بين والي بنك المغرب المركزي، ورئيس الحكومة عزيز أخنوش مما قد يكون قد تم إعفاؤه ، وفي غياب أي بلاغ رسمي في الموضوع يبقى ذلك مجرد تكهنات، واحتمالات سياسية يتم الترويج لها، وهي في الغالب تستهدف الاشاعة ليبقى البلاغ الرسمي هو من سيكشف حقيقة ذلك. 

في أواخر شهر يناير الماضي، تعالت الانتقادات ضد حكومة السيد عزيز أخنوش، على خلفية الارتفاع المهول لأسعار الخضر والفواكه واللحوم والدواجن، فتحركت الحكومة في محاولة لاحتواء المشكلة، وبثت في خطابها التواصلي المتأخر 3 حجج، حاولت بها طمأنة الرأي العام، أولاها، حالة الطقس المنخفضة التي تضعف الإنتاج، والثانية، جشع المضاربين، والثالثة، ارتفاع كلفة الفلاح، بسبب تنامي أسعار البذور والأسمدة والآليات الزراعية، وأكدت أن الأزمة ظرفية، وأن الأسعار ستعود إلى حالتها الطبيعية مع الأسبوع الأول من شهر رمضان بفضل الإجراءات التي ستقوم بها.




خرج والي بنك المغرب، المؤسسة المستقلة المشرفة على السيادة النقدية بالبلاد، ببلاغ جريء، نسف أطروحة الحكومة بالكامل، فقرر رفع سعر الفائدة إلى 3% من أجل كبح التضخم وارتفاع الأسعار، وقدم توقعاً صادماً لمعدل النمو يقضي على أحلام الحكومة، إذ توقع أن يصل معدل التضخم خلال سنة 2023 إلى 5.5%، أي بما يزيد على توقع الحكومة بثلاث نقاط ونصف (توقعت الحكومة أن يصل معدل التضخم إلى 2% في قانون المالية).

المثير في الموقف أن بنك المغرب نشر البلاغ ثم سحبه، ثم أعاد نشره بعد أيام، ليحدث جدل كبير عن سبب ذلك، وما إذا كانت الحكومة رفعت شكوى إلى الملك من موقف بنك المغرب، الذي يتعارض كلياً مع سياستها المالية، ويقدم خدمة للمعارضة، بالزعم بأن أداء الحكومة يسير في طريق الوهم بالادعاء أن سياستها المالية ستقود إلى خفض التضخم، وأن الطريق لخفض التضخم ينبغي أن يأخذ منحى آخر، شبيهاً بما سلكته بريطانيا ودول أوروبا، بالزيادة في سعر الفائدة، والاتجاه نحو الركود، وليس إلى الإنفاق على الاستثمار ودعم المقاولات.

ثمة معطيات تتحدث عن خلاف جوهري بين الحكومة وبين بنك المغرب، عكسها التناقض بين السياسة المالية للحكومة، وبين السياسة النقدية لبنك المغرب، وأن تحكيماً ملكياً طلب بهذا الخصوص، للحسم في المشكلة. 

أحمد الحليمي: التضخم سيصبح هيكليا بالمغرب والأسعار

المفارقة التي زادت الطين بلة، أنه لم يبرد بعد نار بلاغ بنك المغرب، حتى خرج أحمد الحليمي، الذي يدير مؤسسة أخرى مستقلة مكلفة بالتخطيط (المندوبية السامية للتخطيط)، ليصعق المغاربة، ويقول لهم إن ارتفاع الأسعار ليس شيئاً مؤقتاً، وأنه على العكس من ذلك بنيوي، وأن على المغاربة أن يتوقعوا أن يعيشوا سنتين على الأقل على نفس الوتيرة المرهقة، وأن سبب ذلك يعود لشيئين رئيسيين، أن المغرب يعيش أزمة جفاف بنيوية، وأن المخطط الأخضر الذي كان يقوده رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لما كان وزيراً للفلاحة في الحكومات السابقة، اتجه إلى التسويق والتصدير إلى الخارج، ولم يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية، وتلبية حاجة السوق الداخلي الأساسية، فنتج عن ذلك، أن المنتجين الكبار توجهوا لزراعات كمالية تسويقية موجهة للخارج، في الوقت الذي تحتاج فيه السوق الداخلية للمواد الضرورية.




البعض يعتبر أن بلاغ بنك المغرب، والخرجة الإعلامية للمسؤول عن المندوبية السامية للتخطيط، مجرد جرس إنذار للحكومة، يدعوها بشكل ضمني إلى تعديل سياستها المالية، ربما عبر قانون مالية تعديلي، بهدف إحداث  القطيعة مع سياسة دعم المقاولات بقصد تحقيق النمو وامتصاص البطالة، وأن الأولوية ينبغي أن تتوجه إلى محاربة التضخم، وضبط السوق الداخلية، وعودة الأسعار إلى طبيعتها، قبل التحرك في دينامية رفع النمو، لكن في الجوهر، مهما كان أداء المؤسستين (بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط) مهنياً مستقلاً، فإن الحكومة تواجه بشكل مباشر الأثر السياسي لهذين الموقفين، والذي  يعني في صريح معانيه، أن سياسة رئيس الحكومة المالية فاشلة، وأن مخططه الأخضر أدخل المغرب إلى المجهول.




الواقع، أن الحكومة قد تلقت ضربتين موجعتين، الأولى، من جهة تقييم مسار أداء رئيس الحكومة، سواء باعتباره وزيراً سابقاً للفلاحة تقلد هذا المنصب في حكومات متعاقبة، وهو المسؤول الأول عن المخطط الأخضر، أو باعتباره رئيساً للحكومة مسؤولاً عن سياستها المالية.

إلا أنه لوحظ في الشهور الأخيرة تغيب والي البنك المركزي من حضور الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية المنظمة تحت الرعاية الملكية، بمشاركة محافظي البنوك المركزية العربية.

من جهة أخرى، يذكر أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووالي البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري نشب بينهم منذ شهور خلاف فيما يخص قرار هذا الأخير رفع سعر الفائدة الرئيسي بـ3 في المائة المتخذ في 22 مارس/ آذار الماضي.

لكن مصادر مطلعة قالت ان الامر لا يحتمل التأويلات ، والغياب لعارض صحي، والرجل استحق التقاعد والراحة.

واضافت المصادر ان من النادر ان يكون هناك موظف في الخدمة العامة وقد تجاوز الرابعة والثمانين من عمره . 

وفي سياق ذي صلة، أكد الكاتب المغربي، علي أو عمو، في مقال له نشر على الصحيفة الالكترونية “رأي اليوم”، أن “المغرب يعيش في هذه الفترة أوضاعا اجتماعية مزرية، حيث بلغ غلاء المعيشة أوجه، جراء ارتفاع أسعار جميع المواد الأساسية، التي يحتاجها المغاربة في حياتهم اليومية”، كل هذا – يضيف – “في غياب أي نية صادقة للحكومة في إصلاح الأوضاع الصعبة التي تمر بها شريحة واسعة من الشعب”.

واعتبر علي أو عمو، ما يسوق له رئيس الحكومة  من ذرائع بخصوص مسببات الوضع المتردي في البلاد، وربطها بعوامل خارجية مجرد ذرائع “واهية” ومجانبة لحقائق الأمور، لأن “المعضلة الكبرى تتجلى في غياب الديمقراطية الحقيقية، التي يجب أن تتركز أساسا على إعادة تشكيل الدولة على أسس ديمقراطية بدل الشكليات”.

وقال في هذا الصدد “المظاهر المعمول بها في البلاد من انتخابات ودستور ومؤسسات دستورية والتي تعتبر من مكونات وعناصر الديمقراطية، هي شكليات فقط، ليظهر البلد بمظهرٍ ديمقراطي أمام المجتمع الدولي”، مردفا “لكي تنشأ ديمقراطية حقيقية في المغرب يجب إعادة النظر في كل عناصرها بل إجراء تغيير جذري في المنظومة السياسية بأكملها”.

كما يرى الكاتب المغربي أن “تشكيل أحزاب ديمقراطية من قبل الشعب المغربي بات أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى، بحيث تنبثق هذه الأحزاب من عمق القاعدة الشعبية، ومن خلالها يتم إنشاء دستور جديد، يكون فيه نوع من المساواة بين السلطات في الاختصاصات والمهام”.