الحكومة عاجزة عن مواجهة الوضعية المائية… وتعلق فشلها على شماعة الأمطار ؟!

0
321

ليس جرما ولا هو خطيئة ولا عيبا أن نخطئ أو نفشل، فلسنا ملائكة ولا معصومين، بل الخطأ جبلة بشرية فطرها المولى عز وجل، فهو أمر طبيعي يقع فيه كل بني البشر، ولكن العيب كل العيب أن لا يعترف أحدنا بخطئه أو يتهرب من فشله ويعلقه على شماعة ما جاهزة عنده، إما على الآخرين أو على الأمطار أو على الظروف أو على الحظ أو على الزمن أو غير ذلك، في مسعى منه لتبرئة نفسه من الانتقاد أو اللوم، أو ليصرف أنظار الناس عن عيوبه وعلاته وذلك بإسقاطها عليهم أو على أحدهم.

في هذا السياق، جددت حكومة رجل الأعمال ووزير الفلاحة لأكثر من 17 سنة الـتأكيد على أن الوضعية المائية بالمغرب صعبة جدا، إذ للسنة الخامسة على التوالي نعيش شحا في التساقطات المطرية.

وقال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن هذه الأخيرة تولي أهمية كبرى لإشكالية الجفاف، والملك يترأس شخصيا اللجنة التي تتابع هذا الموضوع.

وأوضح في ندوة صحفية تلت المجلس الحكومي، اليوم الخميس، أن الحكومة عمدت إلى تسريع وتيرة البرامج والمشاريع المندمجة في البرنامج الوطني للماء الصالح للشرب، ومياه السقي.

ولفت إلى أنه من ضمن هذه البرامج تسريع وتيرة إنجاز السدود، وبرامج تحلية مياه البحر وإنجاز مجموعة من الأثقاب المائية، وترشيد استعمال المياه على قلتها الموجودة في السدود عبر وضع مضخات عائمة، إلى غيرها من الإجراءات.

وأشار بايتاس أن الحكومة ركزت على مشروع الربط بين الأحواض، والذي مثل تجربة ناجحة جدا في الربط بين نهري سبو وأبي رقراق، والذي أنجز بأيادي مغربية، وفي مدة زمنية قصيرة جدا.

وأضاف “يجب أن نعترف أن الوضعية المائية صعبة جدا، والحكومة تسارع الخطى من أجل تسريع كل البرامج المتعلقة بالمياه، ولكي يتم توفير هذه المادة الحيوية للمواطنين، ثم المياه الصالحة للسقي للإنتاج الفلاحي”.

وأكد بايتاس أن المياه الموجودة حاليا على قلتها والتعبئة التي تقوم بها الحكومة تستوجب أن نتعامل مع هذه المادة الأساسية بكثير من العقلنة، وهذا محور تشتغل عليه الحكومة، مرتبط بالتوعية، والتذكير بأهمية الماء وضرورة التعامل معه بمسؤولية كبيرة.

وشدد على أن الحكومة عبأت كل الإمكانيات المالية والبشرية ولجان اليقظة على الصعيد الوطني لتتبع هذا الموضوع بكل دقة ومسؤولية، والإجراءات التي يتم اتخاذها الآن في بعض الأقاليم تستوجبها الضرورة بالنظر للظرفية المائية الحرجة التي تعاني منها بلادنا.

حكومة أخنوش تسحب “قانون الأساتذة المتعاقدين” بشكل رسمي لحفظ ماء وجهها

وفي تجاوب وزير التجهيز والماء، نزار بركة، الأمين العام لحظب الاستقلال (أغلبية) مع النقاش العمومي بالبرلمان، والأسئلة الشفوية  من فرق الأغلبية وحتى المعارضة بمجلس النواب، مساء اليوم الاثنين 22 يناير الجاري؛ بسط  الوزير الاستقلالي جوابا مفصلا موحدا حول موضوع “تسريع الأوراش المبرمجة لتوفير مياه الشرب”، أفاد بأن التساقطات المطرية الأخيرة مكنت من “خفض نسبة العجز المائي” التي سبق التصريح بها، مفيدا بأنها “تراجعت من 70 في المائة إلى 57 في المائة، بالمقارنة مع السنوات العادية، ثم بنسبة 37 في المائة مقارنة مع السنة الماضية”. وقال بهذا الشأن: “هذه الأمطار مَكنت من ارتفاع الواردات المائية المتعلقة بالسدود بـ50 مليون متر مكعب”، ليصبح 646 مليون متر مكعب كواردات إضافية ابتداء من شهر شتنبر إلى يومنا هذا”.

وتابع الوزير مستعينا بمؤشرات مرقمة محينة: “عرفت السنة الهيدرولوجية، منذ فاتح شتنبر 2023 وإلى غاية 19 يناير الجاري، عجزا في التساقطات المطرية قُدر بنحو 70 في المائة”؛ فيما “تراوح تراكُم هذه التساقطات ما بين 0,2 ملم بالداخلة و423 ملم بطنجة؛ مما انعكس سلبا على مستوى مخزون المياه في السدود”، مسجلا أن “نسبة ملء السدود يوم 19 يناير 2024 لم تتجاوز 23,2 في المائة عوض 31,5 في المائة في التاريخ نفسه من السنة الماضية. ولم تتعد الواردات المائية بالسدود 621 مليون متر مكعب، مما يشكل عجزا يقدر بـ84 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات للفترة ذاتها”.

وسعى وزير الماء إلى إبراز “عمل الحكومة الحالية على تسريع وتيرة إنجاز مشاريع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي بلغ بعد تحيينُه 143 مليار درهم، بغية تأمين التزويد بالماء على نطاق واسع خاصة من خلال تنويع مصادر التزود بهذه المادة الحيوية من مياه اعتيادية وغير اعتيادية وترشيد استغلالها وتدبيرها بطريقة مندمجة من خلال إعطاء دفعة قوية لإنجاز المنشآت المائية المهيكلة”، وفق تعبيره.

اعتمد المغرب منذ عقود على السدود ضمن استراتيجيته المائية لضمان تزويد السكان والزراعة بالمياه.

ويوجد في المملكة 149 سدا كبيرا، يساعد على تخزين الماء وسقي مساحات واسعة من الحقول، فضلا عن توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء.

وبحسب وزارة التجهيز والماء، بلغ حجم المياه المخزنة في السدود حتى 3 سبتمبر/أيلول الماضي نحو 4.3 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 26.7 بالمئة معدل امتلاء، مقابل 36 بالمئة خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وبحسب معطيات نفس وزارة التجهيز والماء، حتى 24 دجنبر 2023 ،فإن مجموع الاحتياطي تراجع من 5041,3 مليون متر مكعب خلال اليوم نفسه من السنة الماضية إلى 3777,9 ملايين متر مكعب.

وأفادت الوزارة بأن ثلاثة أحواض فقط تقترب نسبة ملئها من النصف؛ وهي حوض تانسيفت عند 46,70 في المائة، ثم حوض اللوكوس عند 39,13 في المائة، وسبو 36,66 في المائة.

كما تم تسجيل نقص كبير في الأحواض المائية، وفق البيانات الرسمية، إذ إن نسبة ملء حوض أم الربيع لا تتجاوز 4,62 في المائة، فيما حوض سوس ماسة لا يتجاوز 11,22 في المائة، وحوض أبي رقراق 19,55 في المائة، وحوض درعة واد نون 20,46 في المائة، ثم حوض ملوية عند 25,53 في المائة.

رغم الأهمية الكبيرة التي تلعبها هذه السدود، إلا أن توالي سنوات الجفاف جعل الطلب يتزايد على المياه، مما جعل المغرب يغير من استراتيجيته.

إذا بدأت البلاد تقوية وزيارة عدد السدود، والاعتماد على موارد أخرى من مصادر المياه مثل تحلية مياه البحر، وتشييد قنوات مائية لربط مناطق تعرف كميات وافية من المياه بمناطق تعرف شحا في المادة الحيوية.

وأطلقت البلاد في 10 مايو/أيار 2022 خطة عمل لمكافحة آثار الجفاف، بالنظر إلى الوضع المناخي والمائي الذي أثر بشكل سلبي على سير موسم الفلاحة وتوفر المراعي.

وأعطى صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله، “تعليماته للحكومة لتفعيل الإجراءات العاجلة لبرنامج مكافحة آثار الجفاف”، وفق بيان للديوان الملكي صدر حينها.

ووفق البيان “تم تخصيص اعتمادات إضافية لرفع إجمالي ميزانية البرنامج الوطني إلى 143 مليار درهم (14.3 مليار دولار)”.

وتمت “برمجة سدود جديدة، ومعاينة تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستتمكن من رفع قدرة التخزين إلى 6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة”.

وفي هذا الصدد، قال عمر الكتاني، الخبير الاقتصادي، إن “مؤشرات أزمة المياه كانت بادية منذ عقود، لذلك اعتمدت البلاد على سياسة السدود”.

وأضاف الكتاني في تصريحات صحفية سابقة، أن البلاد “حصلت سابقا على دعم مالي من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل المضي قدما في سياسة بناء السدود”.

وأوضح أن “هذه السياسة كانت تهدف لتحقيق الأمن الغذائي، إلا أن عددا من النواقص التي اعترتها لم تساهم في تحقيق هذا الهدف”.

وتابع: “ساهمت السدود في تلبية حاجيات البلاد، سواء ماء الشرب أو الماء الموجه للزارعة خلال فترة طويلة.. عمل كبير ينتظر البلاد بالنظر إلى توالي سنوات الجفاف”.

تحلية مياه البحر

وبموازاة سياسة السدود، توجهت البلاد في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية.

ومطلع 2022، شرعت المملكة في استثمار محطة لتحلية المياه بمحافظة “اشتوكة آيت بها” (غرب)، وهي إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر بمنطقة البحر المتوسط وإفريقيا.

وتبلغ سعة هذه المحطة في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب يوميا، منها 150 ألف متر مكعب موجهة للمياه الصالحة للشرب، ويمكن لمليون و600 ألف نسمة الحصول على هذه المياه في جهة أكادير (جنوب).

وعام 1976 أنشأت المملكة أول محطة صغيرة لتحلية مياه البحر في طرفاية (جنوب) بطاقة إنتاجية 70 مترا مكعبا يوميا، اتبعها بمحطات في مدن أخرى بينها بوجدور وأغادير.

كما أعلنت السلطات شروعها في تشييد أكبر محطة لتحلية مياه البحر في القارة الإفريقية، بمدينة الدار البيضاء (غرب).

وتفيد معطيات رسمية بأن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بمعدل 840 ألف متر مكعب يوميا، بكلفة إجمالية 10 مليارات درهم (مليار دولار).

ودعا الكتاني إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع السدود، واعتماد بدائل أخرى بالنظر إلى مخاطر أزمة المياه حاليا ومستقبلا، خاصة أن بعض المناطق الفلاحية البارزة في البلاد تعرف شحا كبيرا على مستوى الماء، مثل مدينة أكادير.

ندرة

وتشير المعطيات الرسمية إلى تراجع مقلق في حصة الفرد السنوية من المياه في البلاد، بينما تسعى المملكة إلى تحقيق “الأمن المائي” بمشاريع تحلية المياه.

وتراجعت حصة الفرد من الماء إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل الكمية عن 500 متر مكعب بحلول 2030، بحسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (حكومي).

وبحسب الكتاني فإن الحكومة “مطالبة بتسريع برامج المياه، مع ضرورة توفر قوة التنفيذ، لأن الإرادة غير كافية في غياب تنزيل البرامج على أرض الواقع”.

وتقول السلطات إن معدل هطل الأمطار هذا الموسم هو الأدنى منذ 41 عاما.