جاء إعلان تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم داعش الساحل ليكشف عن مخطط خطير كان يهدف إلى زرع موطئ قدم للتنظيم داخل المغرب. فبحسب مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، حبوب الشرقاوي، كانت هذه الخلية تُعد “مشروعًا استراتيجيًا” لتمديد نفوذ التنظيم في المنطقة، تحت إشراف مباشر من كوادر “لجنة العمليات الخارجية” في داعش الساحل، الذين كانوا يتبعون للمدعو أبو الوليد الصحراوي قبل مقتله.
لكن لماذا اختار داعش الساحل المغرب كمحطة توسعية؟ وهل كان التنظيم الإرهابي يسعى إلى إعادة إنتاج سيناريوهات الفوضى التي شهدتها بعض دول الساحل؟
الخلية الإرهابية: مشروع استراتيجي لداعش بالساحل
كشف الشرقاوي أن الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها كانت تمثل مشروعًا استراتيجيًا لتنظيم داعش في منطقة الساحل، يهدف إلى إنشاء فرع للتنظيم في المغرب.
وأوضح أن أعضاء الخلية كانوا على اتصال وثيق بكوادر من لجنة العمليات الخارجية التابعة لداعش في الساحل، والتي كانت تحت قيادة أبو الوليد الصحراوي، الذي لقي حتفه في عام 2021.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الخلية كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل المغرب، مدعومة بتوجيهات مباشرة من قيادات داعش في الساحل. وقد تم ضبط شريط مصور يحرض على تنفيذ هذه العمليات، مما يدل على أن الخلية كانت على وشك الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ.
الأسلحة والذخائر: تهديد متعدد الأوجه
من بين الأدلة التي تم الكشف عنها، كانت هناك شحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر التي تم ضبطها في منطقة نائية بإقليم الرشيدية جنوب المغرب. وأشار عبد الرحمن اليوسفي علوي، رئيس القسم التقني وتدبير المخاطر بمديرية الشرطة القدسية، إلى أن التحقيقات التقنية الأولية كشفت عن تنوع كبير في أنواع الأسلحة التي تم ضبطها، بما في ذلك أسلحة حربية وأخرى أمنية وعسكرية، بالإضافة إلى مواد كيميائية مشبوهة.
هذا التنوع في الأسلحة والمواد الكيميائية يثير تساؤلات حول مدى تعقيد الخطة الإرهابية التي كانت تهدف إليها الخلية. فهل كانت هذه الأسلحة مخصصة لعمليات إرهابية داخل المغرب فقط، أم أنها كانت جزءًا من مخطط أكبر يشمل دولًا أخرى في المنطقة؟
أحد الجوانب المثيرة للقلق في هذه القضية هو الارتباط الوثيق بين أعضاء الخلية الإرهابية ومخيمات تندوف في الجزائر، والتي تُعتبر بيئة خصبة لاستقطاب العناصر الإرهابية. فقد أشارت التحقيقات إلى أن عددًا من قادة الفرع الإفريقي لتنظيم داعش في الصحراء كانوا ينحدرون من هذه المخيمات، وكانوا في السابق أعضاء في جبهة البوليساريو.
هذا الارتباط يسلط الضوء على الدور الذي تلعبه مخيمات تندوف في تغذية التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل. فهل يمكن اعتبار هذه المخيمات نقطة انطلاق رئيسية للعناصر الإرهابية التي تنتقل لاحقًا إلى صفوف داعش أو القاعدة؟ وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لقطع هذا التدفق من العناصر الإرهابية؟
التداعيات الأمنية: حماية المغرب والمنطقة
تفكيك هذه الخلية الإرهابية يُعدّ إنجازًا أمنيًا كبيرًا للمغرب، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة من الجماعات الجهادية في منطقة الساحل. فقد تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من تفكيك أكثر من 40 خلية إرهابية مرتبطة بتنظيمات إرهابية في الساحل، مما يدل على فعالية الاستراتيجية الأمنية المغربية في مواجهة الإرهاب.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: ما هي التداعيات الأمنية لهذه العملية على المدى الطويل؟ وهل ستكون كافية لوقف تمدد داعش في المنطقة، أم أن التنظيم سيحاول تعويض هذه الخسارة من خلال إنشاء خلايا جديدة؟
السياق الإقليمي والدولي: تأثير متسع
لا تقتصر أهمية تفكيك هذه الخلية على المغرب فقط، بل تمتد إلى المنطقة بأكملها وحتى إلى أوروبا. فمنطقة الساحل تُعتبر حاليًا بؤرة للأنشطة الإرهابية، وتؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المجاورة، بما في ذلك المغرب. كما أن تدفق العناصر الإرهابية من مخيمات تندوف إلى صفوف داعش يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن التعاون الدولي، خاصة مع الإنتربول، يلعب دورًا محوريًا في تتبع الأسلحة والذخائر التي تم ضبطها، ومحاولة تحديد مصادرها وسوابقها الإجرامية. فهل يمكن أن تؤدي هذه التحقيقات إلى كشف شبكات أكبر لتجارة الأسلحة تدعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة؟
الخاتمة: استباقية المغرب في مواجهة الإرهاب
تفكيك خلية داعش في الساحل يُعدّ مثالًا واضحًا على استباقية الأجهزة الأمنية المغربية في مواجهة التهديدات الإرهابية. ومع ذلك، فإن التحديات الأمنية في المنطقة تبقى كبيرة، خاصة في ظل وجود بيئات خصبة لاستقطاب العناصر الإرهابية مثل مخيمات تندوف.
لذا، فإن مواصلة تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى تعزيز الاستخبارات الأمنية، يبقى أمرًا ضروريًا لضمان أمن المغرب والمنطقة ككل. فهل ستكون هذه العملية نقطة تحول في مواجهة الإرهاب في الساحل، أم أنها مجرد حلقة في سلسلة طويلة من المواجهات الأمنية؟