سحب ملف الهيدروجين الأخضر من بنعلي: تصحيح للمسار أم بداية لتغييرات أوسع؟

0
148

في خطوة حاسمة تعكس عدم رضا رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن أداء وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ترأس أخنوش اجتماع لجنة القيادة المكلفة بـ”عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، دون أي حضور أو تمثيل لبنعلي، في إشارة واضحة إلى سحب هذا الملف الحساس من يدها. جاء هذا القرار بعد سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل للوزيرة، والتي أظهرت تناقضًا صارخًا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تسريع وتيرة الاستثمار في الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر.

وكانت ليلى بنعلي قد صرحت، خلال لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني قبل أسابيع، بأن الدولة لن تقدم أي دعم مالي لمشاريع الطاقات الجديدة، بما فيها الهيدروجين الأخضر، محملةً القطاع الخاص وحده مسؤولية تحمل المخاطر المالية والتكنولوجية. هذا التصريح لم يمر دون تداعيات، إذ أثار استياء الفاعلين في المجال، كما استغلته وسائل إعلام جزائرية وصفحات معادية للوحدة الترابية للمملكة لتقديم صورة مشوهة عن الاستراتيجية المغربية في الطاقات المتجددة، ما زاد من الضغط على الحكومة لاتخاذ موقف واضح تجاه الوزيرة.

عندما تنجح الاستراتيجيات.. الجميع يريد أن يكون في الصورة!

في مشهد يعكس ديناميكية السياسة المغربية، يظهر الملك محمد السادس كحَكَمٍ وموجِّهٍ رئيسي في تحديد مسار البلاد، سواء في النجاحات أو التحديات. ففي لحظات الإنجاز، تتصدر الأحزاب السياسية والطبقة الحاكمة الواجهة، مسارعةً إلى تقديم نفسها كأبطال للقصة، مستفيدةً سياسيًا وإعلاميًا من المكاسب المحققة. لكن، عندما تواجه الاستراتيجيات عقبات أو لا تسير كما هو مخطط، يلجأ الجميع إلى الاختباء خلف القصر الملكي، محوِّلين المسؤولية إلى الملك، وكأنه الحلقة الوحيدة في سلسلة القرارات.

هذا المشهد يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة المشاركة السياسية في المغرب، وهل تُعتبر الأحزاب والوزراء شركاء حقيقيين في صناعة القرار، أم أنهم مجرد منفذين لرؤية ملكية واضحة؟ وفي سياق ملف الهيدروجين الأخضر، يبدو أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد قرر كسر هذه الحلقة، بسحب الملف من الوزيرة ليلى بنعلي، في خطوة تعكس رغبته في تحمل المسؤولية الكاملة عن نجاح أو فشل هذا الورش الاستراتيجي.

سحب الملف: قرار إداري أم تصحيح لمسار استراتيجي؟

يثير سحب ملف الهيدروجين الأخضر من يد الوزيرة تساؤلات جوهرية حول خلفيات القرار ودلالاته السياسية والاقتصادية. هل كان القرار مجرد إجراء إداري لضبط الإيقاع الحكومي، أم أنه يعكس أزمة ثقة بين رئيس الحكومة ووزيرته؟ ولماذا لم تتم محاسبة الوزيرة بشكل مباشر على تصريحاتها المتناقضة مع التوجيهات الملكية؟

لا شك أن الملف يحمل أبعادًا تتجاوز الخلاف داخل الحكومة، إذ يرتبط بسمعة المغرب كمركز جذب للاستثمارات الطاقية، خصوصًا في ظل المنافسة الإقليمية مع الجزائر التي تحاول فرض نفسها كمصدر بديل للهيدروجين الأخضر نحو أوروبا. في هذا السياق، يمكن النظر إلى تحركات أخنوش على أنها محاولة لإنقاذ صورة “عرض المغرب” وضمان استمرارية الزخم الاستثماري الذي بدأ يتشكل حول هذا المشروع الطموح.

الاستثمار في الهيدروجين الأخضر: رهان استراتيجي أم صراع مصالح؟

من الواضح أن ملف الهيدروجين الأخضر لم يكن مجرد ورش اقتصادي، بل تحول إلى ساحة مواجهة غير معلنة بين رؤى مختلفة داخل الحكومة. فمن جهة، هناك التوجه الملكي الداعي إلى تسريع المشاريع الطاقية وتعزيز جاذبية المغرب كوجهة استثمارية، ومن جهة أخرى، هناك عراقيل تقنية وبيروقراطية ساهمت في تباطؤ التنفيذ.

لكن، هل يعود فشل بنعلي إلى عدم كفاءتها الإدارية فقط، أم أن هناك تداخلًا لمصالح لوبيات معينة داخل قطاع الطاقة قد ساهم في عرقلتها؟ ولماذا لم يتم تعيين شخصية أخرى أكثر كفاءة بدلًا من سحب الملف بالكامل منها؟ هذه الأسئلة تبقى مفتوحة في انتظار قرارات مستقبلية قد تعيد ترتيب المشهد داخل وزارة الانتقال الطاقي.

ما بعد سحب الملف: هل نشهد تغييرات حكومية أوسع؟

إذا كان سحب ملف الهيدروجين الأخضر من يد ليلى بنعلي يعكس فشلها في تنزيل التوجيهات الملكية، فهل يمكن أن يكون هذا القرار مقدمة لتعديلات حكومية أوسع؟ وهل سيشمل التقييم وزراء آخرين أخفقوا في ملفات استراتيجية؟

بناءً على المعطيات الحالية، يبدو أن حكومة أخنوش تمر بمرحلة تقييم داخلي صارم، خصوصًا مع اقتراب منتصف الولاية الحكومية، حيث يصبح الضغط أكبر لتحقيق إنجازات ملموسة قبل الانتخابات المقبلة. وبالتالي، قد لا يكون ملف الهيدروجين الأخضر سوى بداية لمسلسل تغييرات أوسع قد تشمل وزارات أخرى أثبتت محدودية أدائها.

ختامًا: بين فشل الإدارة ورهان المستقبل

لا يمكن إنكار أن ملف الهيدروجين الأخضر يظل أحد أهم المشاريع الاستراتيجية للمغرب خلال العقد القادم، وهو ما يجعل أي تعثر في تنفيذه محط اهتمام واسع. لكن في المقابل، يبقى السؤال الأهم: هل كان الفشل بسبب الوزيرة وحدها، أم أن هناك عوامل هيكلية أخرى تحتاج إلى إصلاح شامل لضمان نجاح هذا الورش الطاقي الطموح؟

ما هو مؤكد، أن المغرب ماضٍ في تحقيق طموحاته الطاقية، لكن الطريق إلى ذلك لن يكون بدون تحديات، والقدرة على تجاوزها ستكون معيارًا حقيقيًا لمدى نجاعة التدبير الحكومي الحالي.