“صفقة خليجية أم انتهاك لحقوق المواطنين؟ تفاصيل مروعة عن هدم منازل سانية غربية بالرباط… وهل الملاح (حي اليهود) هو المقبل؟”

0
179

في ظل تكتم السلطات وغياب الشفافية، كشف فاروق مهداوي، المستشار بالمجلس الجماعي للرباط، عن تفاصيل خطيرة تتعلق بعمليات الهدم الجارية في حي المحيط، وتحديدًا في منطقة سانية غربية بالرباط.

وفقًا لمهداوي، فإن هذه العمليات ليست مجرد إجراءات تنموية عادية، بل هي جزء من صفقة تخدم مصالح شخصيات خليجية، على حساب حقوق المواطنين واستقرارهم. هذه القضية تطرح تساؤلات كبيرة حول دور السلطات المحلية ومدى احترامها للقانون وحقوق الملكية، فضلًا عن تأثيراتها الاجتماعية والسياسية.

ولكن السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق الآن هو: هل سيصل هذا النهج إلى مناطق أخرى ذات قيمة تاريخية وثقافية، مثل حي الملاح (حي اليهود)؟

خلفية الأزمة: هدم دون إشعار أو تعويض عادل

بدأت عمليات الهدم في نهاية ديسمبر من العام الماضي، دون إشعار مسبق للسكان أو حتى إعلان رسمي عن التصميم الجديد للتهيئة، والذي تمت المصادقة عليه لاحقًا في فبراير 2025. وفقًا لمهداوي، فإن هذه العمليات تتم خارج إطار القانون، حيث لم يتم اتباع المساطر القانونية المعتادة في نزع الملكية أو التفاوض مع الملاك. بدلًا من ذلك، تعتمد السلطات المحلية على أساليب الضغط والإكراه لإجبار السكان على بيع عقاراتهم بأسعار زهيدة، تصل إلى 13,000 درهم للمتر المربع للعقارات المحفظة، و10,000 درهم للعقارات غير المحفظة، في حين أن القيمة السوقية الفعلية تتجاوز 30,000 درهم للمتر.

أساليب الضغط: بين التهديد المباشر والاستغلال العاطفي

لم تكتفِ السلطات المحلية بتقديم عروض مالية غير عادلة، بل لجأت إلى أساليب أخرى لفرض إرادتها على السكان. وفقًا لشهادات جمعها مهداوي، فإن باشا منطقة حسان استخدم أسلوب التهديد المباشر مع بعض الملاك، حيث هدد بتهديم المنازل بالقوة إذا لم يقبلوا بالعروض المقدمة.




في حالات أخرى، تم استغلال الخطاب العاطفي والديني، حيث طُلب من السكان “التضحية” من أجل “جمالية المدينة” و”مصلحة الدولة”، خاصة في ظل الاستعدادات لاستضافة المغرب لعدد من الأحداث الدولية الكبرى في السنوات المقبلة.




تداعيات اجتماعية وصحية: وفيات وتشريد دون بديل

لم تراعِ عمليات الهدم الظروف الاجتماعية والصحية للسكان، خاصة كبار السن والأطفال. وفقًا لمهداوي، تم تنفيذ عمليات الهدم خلال شهر رمضان، دون مراعاة للظروف النفسية والاجتماعية التي يعيشها السكان خلال هذا الشهر الفضيل. كما تم تسجيل حالتي وفاة بسبب الصدمة الناتجة عن عمليات الهدم، بالإضافة إلى حالة الاضطراب الاجتماعي التي يعيشها أغلب سكان الحي.




أما بالنسبة للمستأجرين، فإنهم يواجهون مصيرًا أكثر قسوة، حيث يتم إخلاؤهم من مساكنهم دون أي تعويض، رغم أن بعضهم كانوا يقطنون في هذه المساكن لعقود طويلة. هذه الإجراءات تترك عشرات الأسر في الشارع، دون أي بديل سكني أو حلول ملموسة.

السياق الأوسع: صفقات عقارية لصالح مستثمرين خليجيين

تكشف هذه القضية عن جانب مظلم من التعامل مع الملف العقاري في المغرب، حيث يتم التضحية بحقوق المواطنين في سبيل خدمة مصالح خارجية. وفقًا لمهداوي، فإن عمليات الهدم هذه تهدف إلى إفساح المجال أمام شركات خليجية، خاصة من قطر والإمارات، للاستثمار في مجال العقار والفنادق الفاخرة. وتشير بعض التقارير إلى أن صفقة بيع هذه العقارات تمت خلال زيارة قام بها مسؤولون مغاربة رفيعو المستوى إلى الإمارات، حيث تم بيع العقارات بأسعار تصل إلى 60,000 درهم للمتر الواحد، أي ما يعادل أربعة أضعاف المبلغ الذي تم عرضه على الملاك المحليين.

هل الملاح (حي اليهود) هو المقبل؟

في خضم هذه الأحداث، يطرح سؤال كبير حول مصير المناطق الأخرى ذات القيمة التاريخية والثقافية في الرباط، وعلى رأسها حي الملاح، المعروف أيضًا بحي اليهود. هذا الحي، الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة التاريخية للمدينة، قد يكون الهدف التالي لعمليات الهدم والاستثمار العقاري. فإذا كانت السلطات مستعدة لتجاهل حقوق سكان سانية غربية، فما الذي يضمن أن حي الملاح سيكون في مأمن من مثل هذه الإجراءات؟

حي الملاح ليس مجرد منطقة سكنية، بل هو شاهد على التعايش الثقافي والديني الذي ميز تاريخ المغرب. تهديد هذا الحي بالهدم أو التغيير الجذري سيكون بمثابة ضربة قاسية للتراث الثقافي المغربي، وسيؤدي إلى فقدان جزء مهم من الهوية التاريخية لمدينة الرباط.

تساؤلات قانونية وأخلاقية: أين هي الدولة؟

هذه القضية تطرح تساؤلات كبيرة حول مدى احترام الدولة للقوانين التي سنتها بنفسها. فوفقًا للقانون المغربي، يجب أن تخضع عمليات نزع الملكية لمساطر قانونية واضحة، تشمل إعلان المنفعة العامة وتحديد التعويضات العادلة. لكن ما يحدث في سانية غربية يبدو وكأنه تجاوز لكل هذه الإجراءات، حيث يتم فرض الإرادة بالقوة، دون أي اعتبار لحقوق المواطنين.

كما تطرح هذه القضية تساؤلات أخلاقية حول أولويات الدولة: هل يتم التضحية بحقوق المواطنين في سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية؟ وهل يمكن تبرير هذه التضحيات في ظل غياب أي فوائد ملموسة للسكان المحليين؟

رسالة تظلم: نداء استغاثة إلى الملك

في سياق متصل، وجه سكان حي غربية رسالة تظلم إلى الملك محمد السادس، يشرحون فيها معاناتهم ويطالبون بالتدخل العاجل لوقف عمليات الهدم. في الرسالة، يؤكد السكان أنهم يعيشون في خوف دائم على مستقبلهم، خاصة بعد أن تم تهديم منازلهم دون أي بديل سكني. كما يشيرون إلى أن حيهم يمثل إرثًا معماريًا وتاريخيًا مهمًا، يجب الحفاظ عليه بدلًا من تهديمه.

خاتمة: بين التنمية وحقوق المواطنين

قضية هدم منازل سانية غربية تضعنا أمام مفترق طرق: من ناحية، هناك حاجة ملحة لتنمية المدن وجذب الاستثمارات، خاصة في ظل الاستعدادات لاستضافة أحداث دولية كبرى. ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن أن تكون هذه التنمية على حساب حقوق المواطنين واستقرارهم. القضية تذكرنا بأن التنمية الحقيقية يجب أن تكون شاملة وعادلة، تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، وليس فقط مصالح المستثمرين الأجانب.

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستستمع السلطات إلى نداءات السكان وتعيد النظر في هذه الإجراءات، أم أن صمتنا الجماعي سيسهل عليهم المضي قدمًا في هذه السياسات المثيرة للجدل؟ وهل سنشهد قريبًا عمليات هدم مماثلة في حي الملاح، أم أن هذا الحي سيظل شاهدًا على تاريخ غني يجب الحفاظ عليه؟