الطرد الجماعي للمغاربة من الجزائر سنة 1975: مأساة إنسانية تُحييها قناة العيون لتُعيد الجرح المنسي إلى الواجهة

0
118

“المسيرة السوداء”.. جرح إنساني في ذاكرة المغاربة لا يندمل وسط صمت دولي مريب

بينما يستمر العالم في الحديث عن حقوق الإنسان وضرورة جبر الأضرار التاريخية، تبقى مأساة المغاربة المطرودين تعسفاً من الجزائر سنة 1975 طيَّ التهميش والنسيان، في مشهد يطرح علامات استفهام كبرى حول انتقائية الذاكرة الحقوقية الدولية وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا العدالة التاريخية.

في ذلك اليوم من أيام عيد الأضحى، وبينما كانت الأمة الإسلامية تحتفي بقيم الرحمة والتضامن، أقدمت السلطات الجزائرية على اعتقال وترحيل عشرات الآلاف من المغاربة المقيمين على أراضيها، في عملية ممنهجة وصفها حقوقيون وناجون بأنها جريمة إنسانية مكتملة الأركان. أكثر من 45 ألف أسرة تم اقتلاعها من منازلها ومصادرة ممتلكاتها، وعُزل الآباء عن الأبناء، والنساء عن أزواجهن، في مشهد لا تزال تفاصيله المؤلمة عالقة في وجدان آلاف الأسر المغربية.

“المسيرة السوداء” في مقابل المسيرة الخضراء: أية علاقة؟

يرى عدد من الباحثين أن هذه العملية كانت رد فعل سياسيًا وانتقاميًا من السلطات الجزائرية على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء في نونبر من نفس السنة، لاسترجاع أقاليمه الجنوبية بطريقة سلمية ومدنية. ما يطرح السؤال: هل كانت الجزائر، وهي التي ادّعت دوماً دعم الشعوب في تقرير مصيرها، تعاقب المغاربة لكونهم اختاروا الوحدة الترابية سبيلاً للكرامة الوطنية؟

وإذا كانت المسيرة الخضراء رمزًا للتحرير واستعادة الأرض، فإن “المسيرة السوداء” أصبحت رمزًا للنكران، والحيف، والانتهاك الجماعي لحقوق أناس لم يقترفوا أي ذنب سوى أنهم يحملون الهوية المغربية.

الذاكرة كأداة للمساءلة

في حلقة مؤثرة من برنامج “مع الناس” على قناة العيون، تم فتح الجرح من جديد. استضاف البرنامج الأستاذ محمد لكبيري، محامي وعضو جمعية ضحايا الطرد، والكاتب جمال العثماني، أحد الناجين من الطرد الجماعي. شهادات الضيوف لم تكن مجرد تذكير بمأساة إنسانية، بل كانت دعوة صريحة لمساءلة التاريخ والسياسة.




البرنامج عرض وثائق تثبت حجم انخراط المغاربة في الثورة الجزائرية ضد الاستعمار، وفي بناء الدولة الجزائرية في سنوات الاستقلال الأولى. كيف يمكن لدولة أن تطرد من أسهموا في تأسيسها؟ كيف يمكن أن يتحول الحليف إلى هدف للانتقام؟ وهل يمكن أن تسكت العدالة الدولية إلى ما لا نهاية عن هذا الملف؟

ملف حقوقي أم نزاع سياسي؟

لا يمكن فصل هذا الملف عن السياق السياسي المتوتر بين الرباط والجزائر. لكن، هل من العدل رهن حقوق آلاف الأسر المغربية بالمزاج السياسي أو بحسابات الحدود؟ ألا تستوجب هذه القضية إخراجها من التجاذبات الثنائية، وتعاملًا حقوقيًا صرفًا؟ ومتى تتحرك الآليات الدولية – من لجان حقوق الإنسان إلى المنظمات الأممية – لتبني هذا الملف الذي لم يعرف الإنصاف منذ قرابة خمسين سنة؟

الإنصاف واجب، لا خيار

العدالة الانتقالية، في جوهرها، تقوم على الاعتراف، والمساءلة، وجبر الضرر. وإذا كانت دول عديدة قد اختارت طي صفحاتها السوداء بتقديم الاعتذارات وتعويض الضحايا، فلماذا تستمر الجزائر في إنكار ما جرى؟ ولماذا يصمت المجتمع الدولي عن هذه الجريمة الجماعية رغم وجود شهادات ووثائق وأدلة دامغة؟

إن مأساة “المسيرة السوداء” ليست فقط معركة ذاكرة، بل هي معركة كرامة. وعلى الدولة المغربية أن تستمر في الترافع الرسمي والمدني عن هذا الملف، داخليًا ودوليًا، لأن طي صفحة الظلم يبدأ أولاً من عدم نسيانه.