❝من “الممنوع” إلى “المرخّص”… هل تتحول “البلدية” إلى خيار اقتصادي بديل؟❞

0
210
صورة: و.م.ع

تحقيق تحليلي في أول شحنة مغربية من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا

في سابقة هي الأولى من نوعها، غادرت أول شحنة من القنب الهندي المغربي، المعروف شعبيًا باسم “البلدية”، مطار محمد الخامس متجهة إلى أستراليا، موقعةً على لحظة مفصلية في تاريخ نبتة طالما ارتبطت بالمنع والملاحقات الأمنية. الشحنة، المُخصّصة لأغراض طبية وصيدلانية، جاءت بتوقيع شركة “كانفليكس”، التي حصلت على الترخيص الرسمي من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي، بالتزامن مع شحنة أخرى تم توجيهها إلى سويسرا.

فهل نحن أمام تحول هادئ نحو اقتصاد بديل؟ أم مجرد محاولة لـ”إضفاء الشرعية” على واقع قديم في عباءة قانونية جديدة؟

من “التهريب” إلى “التصدير”… ماذا تغيّر فعليًا؟

قبل أقل من عقد، كانت زراعة القنب الهندي في شمال المغرب مرادفة للهامش والتهميش، لا تظهر في الخطابات الرسمية إلا بوصفها آفة أمنية واقتصادية. اليوم، تتحوّل نفس النبتة إلى سلعة قابلة للتصدير، بإشراف الدولة وبمعايير الجودة الدولية.

ما الذي تغيّر؟
هل هو تحول في الرؤية السياسية نحو “الممنوعات الاقتصادية”؟
أم محاولة ذكية لاحتواء اقتصاد ظل لعقود خارج السيطرة؟

بين تقنين مشروط وأسواق بلا رحمة

ليست القضية في الكمية المُصدّرة — 419 كلغ نحو بلدين — بل في الرمزية. فخلف الشحنة تُخاض معركة صامتة لضبط التوازن بين متطلبات السوق الدولية (بما فيها سقف الـ1% من مادة THC)، وضغوط التعاونيات المحلية التي تطالب بشروط عادلة وتوزيع منصف للعائدات.

لكن، في ظل وجود عمالقة دوليين في السوق مثل كندا وهولندا وألمانيا، هل يملك المغرب فرصًا حقيقية للمنافسة؟ وهل يكفي الترخيص ليصير البلد فاعلًا إقليميًا في سوق القنب الطبي؟

من 1400 إلى 3500 هكتار… نمو سريع أم تضخم غير محسوب؟

الزيادة المفاجئة في المساحات المزروعة بصنف “البلدية” تثير الإعجاب والتوجس معًا. فهل يعكس هذا التوسع إقلاعًا اقتصاديًا؟ أم أنه ناتج عن توقعات مبالغ فيها بسوق ما زال يتشكل؟
وماذا لو لم تتمكن الشركات من شراء كل المحاصيل؟ هل نعود إلى الحظر، أم نواجه أزمة إنتاج قانوني غير قابل للتصريف؟

من الاستثمار إلى الاحتكار… من المستفيد الحقيقي؟

في مقابل تفاؤل الدولة بتقنين القنب كأداة إنمائية، تزداد المخاوف من احتكار شركات كبرى للمجال، على حساب الفلاحين الذين لطالما دفعوا ثمن “تجريم نبتتهم”. فهل ستُترجم الوعود إلى عقود شفافة؟

وهل هناك آليات رقابة تضمن ألا يتحول مشروع التقنين إلى مشروع تركّز الريع والسلطة بيد قلة قليلة؟

نموذج مغربي قيد التشكل… تقنين طبي لا ترفيه فيه

المغرب لا يسير على نهج ليبرالي مفتوح كما هو الحال في بعض الدول الغربية، بل يتبنّى تقنينًا مقيدًا، موجهًا للاستخدامات الطبية والصيدلانية فقط. لكن هذا النموذج يطرح تحديًا مزدوجًا:

  • كيف نضمن نجاعة اقتصادية حقيقية ضمن هذا الهامش الضيق؟

  • وهل يمكن تطوير صناعات تحويلية (أدوية، زيوت، مستحضرات) بدل الاقتصار على تصدير المادة الخام؟

سؤال أخير… هل نحن أمام بديل اقتصادي فعلي أم فقط شرعنة للهشاشة؟

تصدير القنب المغربي نحو أستراليا ليس حدثًا تقنيًا، بل إعلان نهاية مرحلة وبداية أخرى، أكثر تعقيدًا وتطلبًا. فإما أن نعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجال الهامشي بمفاتيح التنمية والإنصاف، أو نقع في فخ “شرعنة الفقر” عبر قنوات جديدة.

الرهان اليوم: أن يتحول التقنين إلى خيار اقتصادي يخلق الثروة بعدالة، لا مجرد تعديل قانوني يُغلف واقعًا هشًا بلغة رسمية.