الاتصالات المغربية مع روسيا و أوكرانيا.. هل تنجح في إنهاء الحرب في أوكرانيا؟

0
135

أجرى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، اليوم الثلاثاء 22 مارس الجاري، اتصالا هاتفيا مع دميترو كوليبا، وزير الشؤون الخارجية بأوكرانيا.

وكان بوريطة قد أجرى، في وقت سابق من اليوم، اتصالا هاتفيا مع سيرغي لافروف، وزير الشؤون الخارجية بروسيا الاتحادية.

المملكة المغربية الشريفة سعت قبيل الغزو الروسي إلى نزع فتيل الأزمة بين الدولتين اللتين تراهما صديقتين، وتربطها بهما علاقات ثنائية متينة، إلا أن سعيها باء بالفشل بسبب إلحاح بوتين على المضي قدما نحو تحقيق أهدافه. وها هي اليوم تبذل كل ما بوسعها من جهد لإنهاء الحرب، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة واحتمال وصولها إلى مستويات غير مسبوقة، علما أن المغرب يعتمد على الواردات في النفط والغاز الطبيعي بشكل شبه كامل، وأن ارتفاع أسعار الطاقة يعني ضربة قاسية لخططه الاقتصادية.

ولم تكشف وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عن مضامين المكالمتين الهاتفيتين مع الجانبين الروسي والأوكراني، غير أنه يتوقع أن يكون المغرب قد دخل على خط تقريب وجهات النظر فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية التي تدخل أسبوعها الرابع، وخلفت العديد من القتلى واللاجئين ودمار في العديد من المنشآت المدنية في أوكرانيا.

واختار المغرب أن يعتزل التصويت على القرار يُدين الغزو الروسي لأوكرانيا، ويدعو موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور من هناك، ولم يحضر ممثل المملكة المغربية الجلسة المذكورة، في تصرف شابه عديد من الأسئلة، ومثَّل مادة للتحليلات السياسية والاستراتيجية. فيما أكدت خارجية المملكة أن قرارها يتّسق مع موقفها المعارض للمساس بالوحدة الترابية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كسياستها التي تناهض استخدام القوة في حل الخلافات الدولية.

وبحسب ما جاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، إنَّ عدم مشاركة المغرب لا يمكن أن يكون موضوع أيّ تأويل بخصوص موقفه المبدئي المتعلق بالوضع بين فيدرالية روسيا وأوكرانيا.

وقد جدَّد تأكيد ذلك بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج بتاريخ 26 شباط/فبراير 2022، والتي عبرت عن قلقها وأسفها من تطوّر التصعيد العسكري، وشددت على احترام سيادة الدول، داعيةً الدول الأعضاء إلى تسوية نزاعاتهم بالطرق السلمية. 

يتبيَّن من خلال بلاغ الخارجية المغربية أنَّ الموقف المغربي اتسم بالحياد وعدم الانحياز إلى طرف على حساب آخر، وهو ما يطرح سؤالاً عن خلفيات القرار المغربي. اتّسمت العلاقات المغربية الروسية بالعلاقة التي تمتدّ جذورها إلى أيام القيصرة الإمبراطورة كاترينا الثانية، حين عرض عليها السلطان العلوي محمد الثالث بن عبد الله إقامة علاقاتٍ تجاريةٍ بين البلدين، وتوّجت بعد ذلك بافتتاح أول قنصليةٍ روسيةٍ في مدينة طنجة المغربية في العام 1897، وظلَّت هذه العلاقة ممتدة عبر العصور من الاتحاد السوفياتي السابق إلى جمهورية روسيا الاتحادية.

عرفت السّياسة الخارجية المغربية في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً من خلال استراتيجيةٍ جديدةٍ، تمثلت بتنويع شركاء المغرب الاقتصاديين، من بينهم روسيا والصين، ولم يعد الأمر مقتصراً على حلفائه التقليديين، كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ قام صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله  بأول زيارة إلى روسيا في العام 2002، أعقبتها زيارة الرئيس بوتين إلى المغرب في العام 2007، ثم تلتها زيارة ثانية للعاهل المغربي في العام 2016، كرد فعل على قرار إدارة أوباما توسيع مهمات “المينورسو” في الصحراء المغربية، إذ تمَّ التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية معمّقة، تشمل المجالات السياسية والأمنية والطاقية والثقافية وغيرها.

وقد نمت المبادلات التجارية بشكلٍ لافتٍ للنظر في السنوات العشر الأخيرة، إذ تعتبر موسكو المغرب الشريك الثالث لها بعد مصر والجزائر. وقد زكاها الممثل التجاري الروسي في المغرب أرتيوم تسينامدزغفراشفيلي، في تصريح لوكالة “سبوتنيك”، حين قال إنَّ الصادرات الروسية إلى المغرب ارتفعت بشكل غير مسبوقٍ بحوالى 20%، وهو مؤشر جيّد، بحسب التصريح نفسه. 

ويعتبر المغرب بالنسبة إلى موسكو أول بلد مصدر للمنتجات الفلاحية، كالطماطم والحوامض وصناعات النسيج، نحو السوق الروسية على الصعيدين العربي والأفريقي، في حين يستورد – بحسب بيانات مكتب الصرف المغربي – منها العديد من المنتجات، التي تشمل الفحم وفحم الكوك والوقود الصلب المماثل، تليه الأمونيا، وزيت الغاز، وزيت الوقود، والبنزين البترولي، والكبريت الخام وغير المكرر، والألمنيوم غير الملفوف، ونفايات الألمنيوم والمساحيق، والأسمدة الطبيعية والكيميائية، وغاز البترول والهيدروكربونات الأخرى، فضلاً عن البلاستيك والمواد المشتقة منه والمخلفات الأخرى من الصناعات الغذائية.

وعلى هذا الأساس، إنّ عدم مشاركة المغرب في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعود إلى عدة أسباب، أهمها:

– المصالح الاقتصادية التي تربط بين البلدين، واعتبار موسكو خياراً ثانياً للمغرب في حال وقوع أيّ خلافات مع الاتحاد الأوروبي في ما يخصّ المنتجات المغربية. 

– أنَّ الانجرار وراء مواقف مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك أو الامتناع عن التصويت قد يفضي إلى استعداء أحدهما، وخصوصاً أنه يتطلع إلى تسوية نهائية لمصلحته في قضية استكمال وحدته الترابية. 

– أن الحرب في بدايتها، ولم يَنْجَلِ بعد غبار رحاها إلى الآن. وإذا نجحت موسكو فيها، وهو الأكثر رجحاناً، فهذا سيفضي إلى بروز تحولات عميقة في المشهد الدولي الذي تقوده الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، وأي سوء تقدير من المغرب في مثل هذه المواقف، قد يضره مستقبلاً. 

– أن المغرب لم ينسَ الموقف الروسي في مجلس الأمن الدولي، حين امتنعت روسيا عن التصويت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 على مضامين القرار الأممي المتعلق ببعثة المينورسو في الصحراء المغربية، وهو ما اعتبر بعض المراقبين أنه يصب في مصلحة المغرب.

وعن موضوع امتناع المغرب عن المشاركة في عملية التصويت، يقول طارق أتلاتي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، “إنَّ المغرب الذي يعرب عن أسفه إزاء التصعيد في هذا النزاع، يسجّل موقفاً له صلة بمصالحه ومبادئه”، مشيراً إلى أن عدم مشاركته في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يمكن تأويله في أي حال من الأحوال بوصفه “عدم انحياز استراتيجياً”.

وأضاف: “الشروط المسبقة مرتبطة بالقضية الوطنية، إذ إن موقف المغرب تحدده اعتباراتٌ مرتبطةٌ بمحيطه”، وتابع: “من المهم التأكيد أنَّ لدينا قضية وطنية تحدّد مواقفنا، علماً أننا أمام أعضاء دائمين في مجلس الأمن”، في حين أوضح الصحافي المغربي، أحمد مدياني، في تصريح لصحيفة “tel quel” أنّ “روسيا كانت السوق البديل للمغرب في ضغطه على الاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاقيات الصيد البحري والفلاحة”، مشيراً إلى أنَّ “روسيا موَرِّدٌ أساسيٌّ للمغرب في عدد من المعادن وبعض المنتجات الفلاحية”.

ختاماً، نستنتج أنَّ الموقف المغربي أملته ظروف تتعلّق أساساً بمصالحه القومية ووضعه الإقليمي، وكذلك المصالح الاقتصادية التي تجمعه بروسيا، لأنَّ الأخيرة شكّلت صمام الأمان والخيار الثاني بالنسبة إليه اقتصادياً، كلَّما حاول الغرب استعمال قضية الصحراء كورقة ضغط لابتزازه والحصول منه على المزيد من الامتيازات في ما يتعلّق بقطاعات الصيد البحري والفلاحة والمناجم، وهذا هو سبب عدم المشاركة المغربية في التصويت في الأمم المتحدة.