السلطات الأمنية في المغرب تُطلق حملة لمكافحة ظاهرة التسول المخلة بالنظام العام

0
126

يعاني المغرب من استفحال ظاهرة التسول حيث كشفت دراسة أجريت سنة 2007 وجود حوالي نصف مليون متسول كثير منهم أطفال أبرياء يستغلون للتعاطف معهم والحصول على الصدقات والأموال.

وتشير تحقيقات رسمية وغير رسمية بالمغرب إلى وجود شبكات منظمة من المتسولين ذات تراتبية واضحة تقوم بتوزيع المتسولين على أماكن معينة، أو كرائها لهم مقابل أجر محدد سلفا، أو اختطاف الأطفال قصد استغلالهم في التسول.

كما أن مراكز الشرطة تلقت شكاوى عدة من سائقي سيارات تعرضوا للابتزاز والسطو ليلا ونهارا في نقاط عبور أو توقف معينة على يد متسولين محترفين.

السلطات الأمنية تنبهت لاستفحال هذه الظاهرة مؤخرا، حيث باشرت ولاية الأمن تدابير جريئة لاسيما ظاهرة التسول الاحترافي، انطلاقا من خطة يومية للحد تفاقمها، وعبر تعبئة جميع الوحدات الأمنية بالشارع العام، مع اعتماد مقاربة أكثر مراعاة للنقاط الحساسة والسياحية، والتركيز على تحقيق مردودية نوعية والحرص على البعد الأمني بشكل خاص.

ووفق هذه المقاربة، القائمة على عمل أمني يومي مشترك ومنتظم، والتي تنتهجه المناطق الأمنية وكذا الفرقة السياحية وباقي التخصصات، فقد تجسدت بشكل فعلي في التقليل من حدة الظاهرة وكذا في الأرقام الدالة حيث تم ضبط في ثلاث شهور الأولى من السنة الجارية 1488 حالة تسول.

أما بخصوص جهود الفرقة السياحية وفق نفس الخطة ، فيشمل دورها استباق ومحاصرة هذه الظاهرة إلى جانب ظواهر أخرى لما لها من تأثيرات فعلية ومحتملة على القطاع السياحي ، حيث أحرزت ذات الفرقة على مردودية هامة، تمثلت في ضبط 749 حالة انتحال صفة مرشد سياحي، و222 شخصا متلبسا بحيازة المخدرات ، و12 شخصا من أجل الضرب والجرح، و41 مبحوثا عنهم وطنيا ومحليا في قضايا جنحية مختلفة، ناهيك عن مساعدة 1345 شخصا من أجل التشرد، و764 من أجل الخلل العقلي، تمت إحالتهم على مراكز الإيواء والمؤسسات الاستشفائية المختصة بتنسيق تام مع المصالح المعنية.

وتسمتر نفس العمليات الأمنية ووفق نفس الخطة، مع اعتماد مبادرات ميدانية وقائية، سواء فيما يتعلق بتسول القاصرين أو حالات التشرد أو الخلل العقلي، والذي تنتهج إزاءهم مصالح الأمن خطة استباقية وقائية، مع تدابير المساعدة على الإيواء بالمؤسسات المؤهلة أو التسليم لأولياء الأمر، حسب الفئات، بتنسيق تام مع النيابة العامة مع السلطات المختصة.

التسول بين الحاجة والامتهان.. هل تتحول طنجة إلى مدينة المتسولين؟ ومن  المسؤول عن ذلك؟ - لاديبيش 24

ويشهد المغرب ثلاثة أنواع من المتسولين: البعض يتسول من أجل لقمة العيش، مثل كبار السن والنساء اللائي لا موارد لهن ولا عائلات. لكن البعض الآخر متسول محترف، ليس لديهم إعاقة جسدية أو ذهنية، نشاطهم الوحيد هو التسول، لأنهم يريدون كسب المال بسهولة. أما الفئة الثالثة فتتمثل في ضحايا شبكات التسول، وهم غالبًا أطفال صغار جدًا وذوو احتياجات خاصة.

وهكذا صار التسول مهنة، لا تحتاج إلى شهادة أو خبرة أو معدات، فقط القليل من الأدعية وادعاء الأمراض وإظهار الإعاقات والكثير من «قلة الحياء» ثم الوقوف أمام أبواب المساجد أو المرور بالمقاهي وأمام أبواب المخابز والمحلات التجارية الكبرى وحتى الصيدليات وخلافها من ضروب اليومي المجتمعي في المغرب.

لكن المثير أن لكل مقام فئته التي تعرف كيف تستل الدراهم من جيوب المواطنين، فالواقف أمام المخبزة ليس هو الواقف أمام محل تجاري أو مسجد وهكذا، التخصص هو أساس هذه «المهنة» ولا يمكن «التطفل» أبدا فهو «فن» يجيده «خبراء» مد اليد والذي يجب أن يتساوق بداية بالهندام وخلافه من أساسيات المتسول المحترف.

أرقام صادمة

أمام هول وتزايد الظاهرة، لم تكن الأرقام سوى مخيفة وصادمة أيضا، وعبّر المغاربة عن دهشتهم لكنهم في الواقع يعرفون أنها تحيل على التناسل بهدف التحايل ولا تحيل على واقع الفقر الذي يعانيه هؤلاء الذين زادوا من حجم الكتلة في الإحصائيات.

وتشير دراسة إلى أن 43 في المئة من المتسولين متزوجون، و26 في المئة منهم أرامل، أما فئة العزاب فتشكل 20 في المئة، و11 في المئة مطلقات ومطلقون.

وزارة الأسرة والتضامن ورئاسة النيابة العامة كشفا منذ ثلاث سنوات عن معطيات، وجاء فيها أن هناك 195 ألف متسول بالمغرب، منهم 10 آلاف شخص تمت متابعتهم بجنحة التسول.

ظاهرة التسول في المغرب .. حرفة البؤساء أم فرصة ذهبية للاغتناء؟

الأرقام المذكورة رافقتها وما زالت دعوات لوقف استغلال الأطفال مثلا في التسول من طرف نساء وحتى رجال، لأن هناك من يؤجّر فلذة كبده باليوم، ويظل في الشارع تلفح رأسه شمس الظهيرة وتنزل على جسده الصغير الأمطار ويلفه البرد من كل جانب.

المجتمع المغربي يعي جيدا أن هؤلاء عليهم أن يكفوا عن ما يشبه ابتزازهم بعاهات مصطنعة أو أمراض كاذبة أو فقر مزعوم، يعرفون أن نصف المتسولين هم فئة أرادت رغبة وليس اضطرارا أن تفترش الرصيف وأن تمد يدها للعابرين.

طبعا، لا أحد ينفي أن هناك من يتوسل عن حاجة، لكنهم الفئة المستضعفة في هذا الميدان، لأنهم أقلية ويضيعون وسط موجة «الظاهرة الاحترافية» إن جاز التعبير.

التسول الرقمي

بعد أن أصبح الافتراضي عالما موازيا للواقع، لم يسلم بدوره من ظواهر مجتمعية يعج بها اليومي، والحديث هنا عن التسول الذي صار له محترفوه في الشبكة العنكبوتية.

تحصيل المال يدفع مغاربة إلى "احتراف التسول" على عتبة الأنترنت‪‬

لكن المتسول الرقمي تحميه عوالم الافتراض من إراقة ماء وجهه أثناء طلب الصدقة أو التبرع أو خلافه من ضروب الاحتيال الهادف أساسا إلى جمع المال ولو بالكذب.

قد تصادف فتاة كما يبدو من صفحتها في فيسبوك، تضع صورة تجريدية أو لوحة أو وجه ممثلة، وتراسلك على الخاص وبعد السلام والتحية والاحترام مباشرة إلى طلب التعبئة، وهي الفئة التي تعتبر أخف ضررا من تلك التي تطلب شراء أدوية أو دفع فاتورة كهرباء أو إجراء عملية جراحية أو ببساطة فعل الخير والاحسان من أجل أسرة تعيش في العراء. والواقع أنه لا وجود لأسرة ما، فقط هناك وجود لنية النصب والاحتيال على رواد تلك المواقع من أجل مبلغ محترم سيضيع حتما في ملذات عابرة، سيصرف كما جاء بسرعة وبسهولة.

المتسول الرقمي يعرف من يقصد، فهو يدرس جيدا «بروفايل» الضحية قبل أن يفاتحه بالموضوع ومن ثم يشرع في اختلاق كذبة كبرى على مقاس الوجع الإنساني.

صنف آخر يراودك في البريد الإلكتروني ويستهل رسالته بتقديم نفسه، ويشرح أنه خجل قبل أن يفاتحك في الموضوع، لكنه مضطر لأنه «تقطع به الحبل» أي وجد نفسه في ورطة مالية.

لكن هناك دائما الرسائل المباشرة، يذهب صاحبها أو صاحبتها مباشرة إلى الهدف، وهي طلب المال من أجل قضاء غرض من أغراض الدنيا فيها الكثير من الأجر والثواب في الآخرة.

الحديث عن احتراف التسول ليس مجرد ملاحظات عابرة يسجلها المواطن وهو يتجول أو يشرب قهوته أو يتبضع، بل أكدتها دراسات بحثية ميدانية.

ومنها نذكر الدراسة التي أنجزتها الرابطة المغربية لحماية الطفولة منذ سنوات، والتي أشارت بما لا يدع مجالا للشك، أن ظاهرة التسوّل في المغرب تحولت إلى حرفة.

ووفق الدراسة، فإن فئة الأطفال هي الأكثرُ احترافا لهذه المهنة، خاصة من هم أقل من 12 سنة.

الدراسة أجرتها الرابطة بتعاون مع مديرية التعاون الوطني وبدعم تقني من وزارة الصحة المغربية، في عدد من المدن المغربية ومنها نذكر العاصمة الرباط، وجارتها مدينة سلا، والضواحي مثل الصخيرات وتمارة.

وأبرزت الدراسة أن نسبة الذكور المتسولين أكثر من الإناث، حيث يشكلون ما نسبته 56 في المئة، أما الإناث فنسبتهم لا تتجاوز 44 في المئة تقريباً، أما فيما يتعلق بما يجنونه فيتراوح ما بين 50-100 درهم تقريباً.

وتناولت ظاهرة تسول الاطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة من خلال ثلاث فئات من الأشخاص. شملت الفئة الأولى أطفالا تقل أعمارهم عن سبع سنوات ويتسولون مع مرافقين لهم (نحو 273 طفلا). وضمت الفئة الثانية أطفالا ما بين ثماني سنوات و12 سنة يتسولون دون مرافقين (نحو 230 طفلا) وأما الفئة الثالثة فكانت من غير المتسولين لمعرفة آرائهم حول الظاهرة (289 شخصا).

وبالنسبة لهذه الدراسة، فإن الأسباب الرئيسة التي تدفع هؤلاء إلى التسول تتمثل في المشاكل الاجتماعية المترتبة على الطلاق أو تخلي الوالدين والإهمال أو غياب أو وفاة الوالدين وسوء المعاملة والتحرش الجنسي بالإضافة إلى عوامل ثقافية تتمثل في التعود على التسول أو الانتماء إلى عائلة تحترف التسول.

الأكيد أنه لا داعي للتحامل على المتسولين، فمنهم فئة دفعها الفقر إلى ذلك، وهي التي تستوجب عطف الناس، لكن الحابل اختلط بالنابل وضاع من يستحق في وسط زحمة المحتالين على مهنة ذات دخل سهل وغير متعب.