بيد الله : التضحية في اقسى تجلياتها من اجل مغربية الصحراء

0
125
  • مقدمة لابد منها :

يعتبر فن البوح في ثقافة اهل الصحراء عن قضية الصحراء نفسها ،فيما يعرف بأدب المذكرات ،من الفنون القليلة النادرة ، رغم اهمية هذا الادب الفني الملحة ،  في اضاءة عدد كبير من مناطق العتمة في تاريخ قضية الصحراء المغربية ،بالإضافة الى جانبه النفسي التنفيسي من حيث هو بوح مؤلم عن فترات صعبة قاسية على الوعي الفردي والجماعي لساكنة الصحراء وتسليط للضوء على احداث ووقائع شكلت اللبنات الاولى لتشكل قضية الصحراء المغربية  ، ومرد ندرة نماذج هذه الكتابات يمكن ان يفهم انطلاقا من تواضع اهل الصحراء و تعففهم عن الكلام عن انفسهم مخافة الرياء او اتقاء شبهات التكبر و التبجيل ، لكن كتاب “الصحراء.. الرواية الأخرى”، خرق  العادة و انخرط في الاستثناء  . فما احوج الباحثين والدارسين المهتمين بمعرفة بعض ماجرى في قضية الصحراء، الى امثال هذه الدراسات و الى الاطلاع ،عن كنه وحقيقة صراع مفتعل حول مغربية صحرائنا، من افواه رجال عايشوا الاحداث و عاينوا المؤامرات التي حيكت من اجل تشتيت وحدتنا الترابية و كانوا شهودا حقيقيين عن تضحيات كبيرة بذلها المغاربة شعبا و ملوكا من اجل الذود عن وحدة ترابنا . 

  • الكتاب – الاستجواب – وثيقة تاريخية  لمعرفة ما جرى وكيف جرى بخصوص قضية الصحراء المغربية :

يعتبر الكتاب – الاستجواب ، الذي اعده الصحفي المتألق و الاعلامي المتميز محمد احداد حول ” الصحراء .. الرواية الاخرى” والذي يتضمن شذرات من مذكرات الدكتور محمد الشيخ  بيد الله ، من الكتب ذات الاهمية الكبيرة في التأريخ لقضية الصحراء المغربية منذ البدايات الاولى لهذا النزاع المفتعل الى تطوراته الراهنة المتسمة،  بما اسماه الدكتور بيد الله بعصر الفتوحات الديبلوماسية المغربية في افريقيا تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس . الكتاب هام بموضوعه و مميز بكاتبه ومؤلفه ،  و ضروري لكل باحث عن الحقيقة لان المستجوب في الكتاب شاهد عصر ومشارك فعلي في صنع عدد من الاحداث التاريخية ، وقد قام بتقديم الكتاب الدكتور حسن طارق ، الديبلوماسي الشاب  و السفير المغربي الحالي بتونس الشقيقة واحد السياسيين الذين تخرجوا من المدرسة الاتحادية الاصيلة .. الكتاب شذرات من مذكرات حول قضية الصحراء، لكنه كتاب يحمل في طياته عناوين لمحاور بحثية شتى لم يتطرق اليها الكتاب بالتفصيل و تحتاج كمواضيع الى من ينبش عنها و يطلع عنان البحث فيها  ، لانها مواضيع ضرورية لفهم مرحلة تاريخية مفصلية من تاريخ المغرب المعاصر ، هذه المواضيع التي تحتاج الى بحث وتنقيب تاريخيين ، سمى المؤلف بعضها بالغام : لغم تأسيس نواة الطلبة  الصحراويين بالرباط ، لغم جيش التحرير  و عملية المكنسة ، ولغم حرب الصحراء ، ولغم العائلات المتشظية بفعل هذا النزاع ومنها عائلة الدكتور محمد الشيخ بيد الله . ولهذه الالغام-المحاور البحثية- اضيف لغم الاستهانة بنضالات الشباب الصحراوي في الرباط و الجنوب المغربي ، و قمع النضالات الطلابية في بدايتها أي في السبعينات  و دور ذلك كله  في خلق جبهة البوليساريو ،و لغم الماسي التي تعرضت لها عائلات صحراوية بالجنوب المغربي ذاق ويلات السجون و غياهب المعتقلات ، بسبب اخطاء ادارية وسوء تقدير سياسي من بعض الساهرين على الامن انذاك ، اذ تم استهداف عائلات باكملها و اخذت بجريرة فرد من افرادها ،.. الجرأة العلمية البحثية تقتضي اذا ،فتح كل الملفات و اعطاء الحقائق كاملة للاجيال المقبلةفي كل ما يخص قضية الصحراء المغربية ، فالحقيقة التاريخية عند معرفتها و الاقتناع بها تتحول الى وعي جماعي لدى الناس و تتحول الى ذاكرة موشومة بلغة “عبد الكبير الخطيبي” من الصعب ان تمحوها كل الاليات الاعلامية و الايديولوجية التي تبتغي نشر وعي مزيف “بلغة محمود امين العالم ” و غير صحيح عن قضية مقدسة لدى المغاربة هي قضية الصحراء المغربية .

  • شذرات من مسار محمد الشيخ بيد الله :

تحت خيمة في البادية الصحراوية بين السمارة و طانطان  ولد الدكتور محمد الشيخ بيد الله  في فاتح يونيو 1949 م  من اسرة علمية اصيلة عرفت بالعلم و العلماء و القضاة .. حيث ان اباه محمد محمود  كان فقيها وعالما  يقصده طالبو العلم من كل حدب وصوب ، واخواله كانوا في اغلبهم قضاة شرعيين في شنقيط “موريتانيا حاليا” ،وبعد المسيرة الخضراء ” تفرقت العائلة ، واصبح الامر شبيها بسرب من الحمام  يتشظى عندما يهاجم ببندقية صيد فيتطاير الى جهات مختلفة. انتقل محمد –اخي الكبير- الى نواذيبو بموريتانيا واستقر بها ، وعاش هناك لحظات مأساوية بعد هجوم الجزائريين .اخوتي الصغار ذهبوا مع البوليساريو  الى مخيمات تندوف .اما انا واختي من امي والاخرون فبقينا في السمارة مع والدي رحمة الله عليه. والدتي مريم بنت محمد حرمة  ولد الحاج البشير ، وكانت العائلة تسكن في جزء من دار عمي حبوها ، الذي كان العم و الاخ و الحاضن” من تندوف التي درس فيها في بداية الستينات بدا وعيه الوطني يتفتق رويدا رويدا خصوصا وهي مرحلة التكالب الاستعماري الفرنسي الاسباني على المغرب و تنافسهما المحموم من اجل استنزاف خيرات المغرب و اجتزاء اراضيه  ، كما ان الوعي السياسي ترسخ اكثر لدى بيد الله نظرا لقربه و ارتباطه الشديد  بعمه حبوها الذي كان له دور كبير في حرب الصحراء والمتميز  بعلاقاته الوطيدة مع الملك الحسن الثاني رحمه الله  ، كما كان لاخبار جيش التحرير  ولموقعة ايكوفيون –المكنسة- اصداؤها الكبيرة و تأثيراتها الرئيسية في  تشكل الوعي السياسي الجنيني لدى محمد الشيخ بيد الله ،  كما ان شخصية بيد الله تم صقلها و تصلبها انطلاقا من  مساره الدراسي الطويل والشاق جدا والذي تنقل من خلاله في عدة مدن في ظروف صعبة جمعت بين الفاقة و الاحتياج والغربة عن الاهل و العشيرة  ، فمن الدارالبيضاء سنة 1958 بمدرسة محمد الخامس  بعد عملية ايكوفيون ، بعد ان ارسل جيش التحرير بعض ابناء المقاومين الى الدارالبيضاء ، بعد سنتين  ونتيجة للصراع الذي نشب بين اعضاء جيش التحرير وبعض المقاومين الصحراويين  ، رجع الى  اكلميم ، وهناك درس سن كاملة قبل ان ينتقل الى تندوف  ومنها الى  بويزكارن حيث بدأ دراسته الثانوية ثم الى  اكادير  فالرباط. يقول الدكتور محمد الشيخ بيد الله عن دراسته ببويزكارن  ما يلي :”عدت الى بويزكارن في السنة الاولى من التعليم الثانوي  بصحبة المرحوم الوالي رشيد الدويهي ، وكان من المفترض ان احصل  على منحة دراسية اما من وزارة التعليم او من وزارة شؤون الصحراء وموريتانيا، التي كانت توزع المنح على الطلبة الصحراويين  والموريتانيين بسخاء كبير .للاسف لم اتوصل بالمنحة ولا اعرف الاسباب التي كانت وراء ذلك ، فتم طردنا من “كوليج محمد الشيخ” لعجزنا عن اداء واجبات السكن والمأكل . وكان للأستاذ محمد المهدي الملقب ب “lux” فضل كبير علينا ، حيث اوانا في مدرسة مهجورة سكناها نحن والخفافيش ليلا…قاومت الخوف والجوع  والعطش في هذه  المدرسة المهجورة  ، ولولا فضل ورعاية استاذي احمد بلوش ، استاذ الرياضيات ، اطال الله في عمره ، لكان مساري الدراسي مختلفا … كان معي في الفصل نفسه صديق عزيز اعتبره اخا ، وهو الاستاذ ماء العينين ماء العينين ، الكاتب العام للكوركاس ، وعلماء اجلاء في الهندسة النووية اذكر منهم  الاساتذة بوحلاسة سداتي ، عبد القادر شواق ، زيوت واخرين.لابد ان اسجل هنا بفخر المجهودات الجبارة وروح المسؤولية العالية التي تحلى بها مديرنا في بويزكارن محمد المهدي واستاذي احمد بلوش والسالمي .فقد كانوا وراء كوكبة من الطلبة الاذكياء الذين اصبحوا فيما بعد اساتذة جامعيين ومهندسين  واطباء و صيادلة و موثقين .” بعد بويزكارن التحق بيد الله بثانوية يوسف بن تاشفين في اكادير ثم الى ليسي مولاي يوسف بالرباط ، حيث حصل على البكالوريا سنة 1968 . 

  • استنتاجات وخلاصات عن الكتاب : ما الجديد في الكتاب ؟ 

يعتبر كتاب محمد احداد ، وثيقة تاريخية مرجعية في نزاع الصحراء ، حيث انه يحفل بعدد من الحقائق التاريخية التي واكبت قضية الصحراء منذ بدايات تأسيس جبهة البوليساريو الى دهاليز المعارك الوطنية الترافعية في  المؤسسات الدولية و الافريقية ، حيث كان للشيخ بيد الله دور كبير في الدفاع عن الوحدة الترابية بكل اخلاص و نكران ذات . وشارك في لقاءات علنية واخرى سرية حول قضية الصحراء المغربية واستطاع ان يتجرد من كل المسائل الشخصية والعائلية في دفاعه عن قضية الصحراء المغربية ، كما ان الرجل عمل في التحضير لعملية الاستفتاء التي كانت الامم المتحدة عازمة على تنظيمها بالاقاليم الجنوبية و بالمخيمات ، لكن تم افشالها من طرف المخابرات الجزائرية التي اغرقت لوائح المؤهلين للاستفتاء بعناصر لا علاقة تربطها بمناطق النزاع اي علاقة لها  بالارض و لا بالساكنة التي من المفروض ان يشملها الاستفتاء .  الكتاب وان لم يتطرق لجوانب سياسية من الحياة السياسية الحافلة  لبيد الله محمد الشيخ منذ انتماءه الأول للتجمع الوطني للاحرار  مرورا بالحزب الوطني الديموقراطي انتهاءا بالاصالة والمعاصرة   ، كما لم يتطرق للمرحلة الطلابية الحافلة ايضا بالتطورات الفكرية والمذهبية و المليئة بالاحداث السياسية الهامة التي عرفها المغرب و المنطقة عموما والتي له منها نصيب كبير سواء كطالب صحراوي مساهم في الجانب الفكري التنظيري او كمناضل يساري كبقية جيله في تلك المرحلة الذي انتقل بين الماركسية والماوية والترتسكوية .. ، الا ان بعض الاشارات  تدل على الكتاب كان مخصصا لموضوع محدد و هو قضية الصحراء المغربية . ومن الخلاصات و الاستنتاجات السريعة التي خلصت بها عند انتهائي من قراءة الكتاب و هي بالطبع ،  انطباعات شخصية  لا تغني اي باحث او قارئ عن ضرورة قراءته بتمعن ، لانه  سجل مفتوح  يعطي دروسا حقيقية في الوطنية و نكران الذات والتضحية من اجل الوحدة الترابية للمغرب ، وسأحاول ان اجمل هذه الاستنتاجات في تسع  نقاط.

  1. الشيخ بيد الله مرجعية تاريخية هامة في تاريخ الصحراء المغربية ، من حيث فهمه العميق لاحداثه و شخوصه و تفاصيله الدقيقة ، كما ان له معرفة دقيقة بكل قيادات جبهة البوليساريو و توجهاتهم الفكرية والايديولوجية و ارتباطاتهم الخارجية وحتى نفسياتهم  ،لذلك عندما سئل عن الجناح المتطرف في  جبهة البوليساريو اشار الى المخابرات الجزائرية هي هذا الجناح ، بمعنى اخر ان كل قيادات البوليساريو قابلة للتفاوض و للحوار بل للعودة الى الوطن اذا ما تم تحييد الجزائر و مخابراتها من التأثير و الهيمنة المباشرة على قيادة الجبهة .

  2.  صحيح ان في الكتاب فقرة خاصة عن اخطاء البدايات   وان كانت الاخطاء تم حصرها في اسبانيا وظروف الحرب الباردة و التقاطبات الايديولوجية والسياسية الناتجة عن هذه الحرب  وكذا السياق السياسي المغربي الموسوم بالتوتر و اللاستقرار بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين بالمغرب  بداية السبعينات، لكن  الكتاب تحاشى ذكر تفاصيل بعض الاحداث السياسية والاخطاء الكبرى التي تم ارتكابها  من طرف السلطات السياسية المغربية في الحقبة البصروية وقبلها ، اثناء النضالات الطلابية الصحراوية و القمع الذي جوبهت به هذه النضالات في الرباط و في طانطان و الابواب الموصدة التي كانت تواجه به بعض الاصوات الشبابية التي لم يكن سقف مطالبها سوى مطالب اجتماعية بسيطة ، لكن القوى الاقليمية المناوئة للمغرب استغلت فتور التعاطي مع الشباب الصحراوي و قرصنت مطالبهم وحولتها الى مطالب سياسية انفصالية ، ولعل مثال الولي السيد نموذج للشاب الذي كان وطنيا ذو سقف اصلاحي الى حين احتضانه من طرف نظام القذافي .

  3. الكتاب يوضح بجلاء الاخلاق العالية التي يتمتع بها الدكتور بيد الله حيث ان حينما يذكر الشخصيات التي عاشرها في كل فترة من فترات حياته السياسية و الترافعية عن قضية الصحراء  بدءا من المرحلة الطلابية الى اليوم، فهو يحترمهم و يثني عليهم و لا يتلفظ ابدا بأية جملة او عبارة تعبر عن حقد او ضغينة رغم اختلاف المواقع و الرؤية و تنقض وجهات النظر احيانا، كما انه ينتقي الفاظه بعناية عندما يتحدث عن الجزائر التي يسميها بالجارة الشرقية و هندما يسرد احداثا تتعلق برفاقه القدامى الذين التحقوا بالرواية الاخرى لقضية الصحراء  . وهذا تعبير عن سمو اخلاقه و تمثله الكبير لفضيلة الاختلاف و تقديره للجميع ، فيذكر الذين اختلفوا معه في الضفة الاخرى بكل احترام و هذه من خصال رجالات الدولة العظام الذين لا يخلطون بين المواقف الفكرية والسياسية والاعتبارات الشخصية .

  4. الكتاب يحمل مسؤولية مباشرة للنظام الجزائري في افتعال هذا النزاع المفتعل بخصوص قضية الصحراء المغربية ، حيث ان الرجل بخبرته واطلاعه استطاع ان يعطينا زبدة رؤيته لحل النزاع الذي لن يمر الا عبر الجزائر ، التي عاكست في البداية وعرقلت اي تفاوض مغربي اسباني ثم تهديد بومدين شخصيا للامين العام للامم المتحدة بانه سيشعل النار في المنطقة  كلها اذا عادت الصحراء الى المغرب وهذا الراي الجزائري موثق حسب الكتاب في الوثائق السرية التي افرجت  عنها الامم المتحدة ، كما ” شهد بذلك  اندري لوفان ، وهو الناطق  الرسمي باسم  فالدهايم ، والذي قام بزيارات  مكوكية بين الرباط والجزائر  وقد وثقت في كتاب HASSAN2 présente : la marche verte الصادر سنة 1990  عن دار plon ”  ، اذا كل من يعتقد بان الجزائر تريد حلا سياسيا او ديبلوماسيا للقضية فهو واهم و مخطئ بل و غافل.

  5. الدكتور محمد الشيخ بيد الله ، يعتبر بان جوهر المشكل بين النظامين المغربي والجزائري الى اليوم   هو خسارة النظام الجزائري في حرب الصحراء 1963 ، فاخترعت الجزائر مشكل الصحراء من اجل الانتقام في المغرب  فسارعت الى انشاء الجمهورية الوهمية يوم 27  فبراير 1976م في بئر الحلو  ، يوما واحدا بعد مصادقة الجماعة الصحراوية برئاسة المرحوم خطري ولد سعيد الجماني ، على وثيقة اتفقت فيها  اسبانيا وموريتانيا   والمغرب على انهاء فترة الاستعمار . بمعنى ان قضية افتعال الجزائر لقضية الصحراء قضية نفسية وجرح نرجسي لم تستطع القيادات الجزائرية التاريخية المنهزمة في الحرب ان تشفى منه . 

  6. الكتاب يتضمن معطى هام يتعلق بعدم ورود اسم حركة البوليساريو بتاتا ضمن  قائمة حركات التحرر الافريقية  التي كان سجلها في دار السلام  عاصمة تنزانيا آنذاك  ، مما يؤكد على ان جماعة البوليساريو لم تكن حركة تحررية معروفة “بنضالها” او حركيتها الديبلوماسية الا  بعد الاحتضان المزدوج الليبي –الجزائري نكاية في المغرب ، خصوصا في السنوات التي احتدم فيها الصدام الديبلوماسي والعسكري بين  المغرب والجزائر في بداية الثمانينات . كما ان حدث المسيرة الخضراء كان حدثا تاريخيا على الصعيد الاقليمي والدولي حسب الشيخ بيد الله ، حيث ان حدث المسيرة الخضراء بعثر اوراق الديبلوماسية الجزائرية ورفع من منسوب عدوانيتها و فضح مؤامراتها و تكالبها مع الاسبان في معاكسة الحقوق المغربية المشروعة في استكمال وحدته الترابية ويبين قرار تنظيم مسيرة سلمية الى الاقاليم الجنوبية انعكاسا جليا لعبقرية الحسن الثاني وفهمه الدقيق لموازين القوى السياسية الذي درسها بعناية فائقة ومنها الوضع الاسباني السياسي انذاك ، وقد زاد منطوق قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 16 اكتوبر 1975 من حنق و يأس النظام الجزائري الذي اصيب بما اسماه الدكتور بيد الله بالجنون  و تدخل عسكريا في امغالا يوم 27 يناير 1976 لكنه هزم شر هزيمة ، اما عن سبب التحاق نيجيريا وجنوب افريقيا بالجزائر فأرجعه الدكتور بيد الله  الى الضغط المالي   الذي مورس عليهما من طرف كل من ليبيا وفينزويلا في اطار التقاطب السياسي المعروف دوليا انذاك والذي كان من مخلفات الحرب  الباردة.

  7. الكتاب يبين بجلاء خلفيات اعلان جلالة الملك الحسن الثاني قبول اجراء استفتاء تأكيدي لمغرب الصحراء في خطاب القاه يوم 26 اكتوبر 1984 وكان المغرب هو السباق سنتي 1962 و 1966  بالدعوة الى استفتاء  حين طالب اسبانيا  باستكمال الجلاء عن الاراض المغربية وفق القرار الاممي  2072 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة  الذي يربط ملف سيدي افني بالصحراء المغربية . ،  وكان  الخطاب الملكي للمغفور له الحسن الثاني  مفاجئا للعديد من المتتبعين والسياسين المغاربة داخليا وللعديد من القوى والفعاليات خارجيا، لكن فيما بعد تبين ان الاقتراح المغربي كان ذكيا اذ انه يرمي بالكرة في ملعب الاخرين و ان المملكة المغربية بصدد تقديم مقترحات عملية و ملموسة لحل قضية الصحراء المغربية تحت يافطة ورعاية الامم المتحدة وليس منظمة الوحدة الافريقية ، لكن الذي وقع هو ان البوليساريو و الجزائر من ورائها عرقلا تنظيم الاستفتاء بعد اغراق لوائح المسجلين و التمسك بالاحصاء الاسباني رغم ان جل قيادات الجبهة غير محصية فيه . ربح المغرب اذا رهان قضية الصحراء بهذا المقترح الذكي اي الاستفتاء ، نفس الشيء تم تكراره مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي سنة  2007 التي لم يستطع البوليساريو الى يومنا هذا اقتراح بديل لها خارج اللغة الشعارتية وخارج القوالب الجزائرية الرسمية ، واصبحت بذلك الوثيقة الوحيدة  الموجودة على طاولة اية مفاوضات قادمة.

  8. الكتاب يحمل عدة رسائل لقيادة البوليساريو و لشباب البوليساريو في نفس الوقت ، حيث ان محمدالشيخ بيد الله يعتبر ان قيادة البوليساريو ومن ورائها الجزائر مسؤولتين بشكل مباشر امام التاريخ واما شعوبهما في تأخير الاندماج في فضاء مغاربي جهوي  يحقق التنمية للشعوب و يجعل من شمال افريقيا قطبا اقتصاديا قويا في جنوب المتوسط ، كما ان الدكتور يعول كثيرا على الفتوحات التكنولوجية والثورة الرقمية التي من شانهما ان يفتحا اعين الشباب الصحراوي القابع في مخيمات الذل والهوان ليرى التقدم الكبير الذي حصل في العالم وفي المغرب و حجم البنية التحتية ومستوى المعيشة والخدمات الاجتماعية التي ينعم بها المغاربة . كما انه يرسل رسالة الى قيادة البوليساريو ومن يهمه الامر  مفادها :” لابد ان تنتصر الحكمة وروح المسؤولية  حتى نسترجع مواطنينا القابعين  في مخيمات تندوف ، ونتفرغ نحن واياهم  معا للمشاركة في بناء المغرب الكبير و مجابهة التحديات المشتركة . لابد ان يحدث ذلك يوما بكل تاكيد . وهنا لا مناص من طرح السؤال : هل تستطيع  الجزائر يوما ما استشراف  المستقبل ، والعمل على تدارك الوقت الذي اضعناه  جميعا في السنوات الماضية ، خاصة الجهد  المادي والاقتصادي ؟”

  9. الكتاب يحمل بارقة الامل في حل مغربي جزائري شبيه بالتجربة الايرلندية التي تأثر بها الدكتور ايما تأثر ، حيث ان الايمان المشترك بين الفرقاء في الجانبين بان فاتورة الصراع و الحرب و التشظي غالية ومكلفة ولا تبني اي مستقبل للاجيال القادمة، وان خيار الالتحاق الشجاع الى المغرب و المشاركة الفاعلة في استكمال اوراش التنمية وارساء مقومات الدولة العصرية التي يضع اسسها جلالة الملك محمد السادس ، هو طريق معبد نحو بناء اتحاد مغاربي كبير ، متكامل اقتصاديا ومتناغم سياسيا ومستقر امنيا . فلا الجزائر استفادت من معاداتها للمغرب ولا جبهة البوليساريو تغير حالها نحو الافضل ، بل قوض النزاع المفتعل كل الامكانات الاقتصادية للمنطقة واطلق العنان لتسابق محموم نحو التسلح واهدار مقومات بناء رخاء و ازهار الشعوب ، لكن الامل دائما قائم و الامل كما يقول المثل الايرلندي هو اخر ما يموت  في المعارك ، و منطلق الامل هو الاقتناع بان  ” المصالحة  اصبحت ضرورية ، والمصالحة وحدها بنية صادقة وبعزيمة الشجعان ، يمكن ان تؤدي بنا الى فتح افاق واعدة امام الاجيال الحالية وامام احفادنا ..”  هي دعوة اذا الى عزيمة الشجعان و  شجاعة الغفران .

  • في سبيل الختم :

نعم هو كتاب عبارة عن شذرات ، عن قضية حارقة مؤرقة ، لكنها شذرات  تحمل في طياتها عناوين و معطيات و رسائل تصلح لنبني عليها احلاما وامالا ،  فما احوجنا لبناء تصور واضح علمي “حقيقي” غن قضية طال امدها و بسببها توقف اتحاد مغاربي طالما كان حلما مشروعا لشعوب شمال افريقيا . لقد وقعت اخطاء و اخطاء في تدبير هذه القضية ، مقصودة او غير مقصودة لايهم، و لكن ما يهمنا اكثر كشعوب مغاربية محرومة من التلاقي و التازر و التكامل،  هو متى ستنتهي فصول قضية  استنزفت ثرواتنا و اهدرت ارواحنا و رملت نسائنا و اخرت احلامنا باقتصاديات مزدهرة و علاقات اجتماعية متينة؟ . متى سيفهم ساسة الجزائر بان خيار المواجهة مع المغرب وافتعال الازمات و تعكير الاجواء و تحويل انظار الجزائريين الى الخارج في كل ازمة داخلية ، وكل هذا وذاك في   افق تعطيل مساره التنموي لن ينفع الجزائر في شيء ولن يزيد المغرب والمغاربة الا تصميما و إصرارا  على  استكمال  تحرير كل قطعة تراب من ترابنا الوطني ؟ 

انغير بوبكر

-دبلوم السلك العالي في المدرسة الوطنية للإدارة في الرباط

-دبلوم المدرسة المواطنة للدراسات المواطنة-ecep

-دبلوم المعهد الدولي لحقوق الانسان بستراسبورغ

-عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان جهة كلميم واد نون

-طالب بماستر دراسات صحراوية وافريقية . 

Ounghirboubaker2012@gmail.com

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا