هل تذيب دعوة الملك محمد السادس جليد الخلافات بين المغرب والجزائر؟

0
88

الملك محمد السادس في ذكرى اعتلائه عرش أسلافه الميامين متحدثا عن الحدود: لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا السابق ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله والتاريخ ومواطنينا.

ودعا الملك المفدى محمد السادس في خطابه الجزائر إلى  الارتقاء بالعلاقات الى مستوى “التوأمة المتكاملة” عبر حوار من غير شروط، متحدثا عن مسؤولية سياسية واخلاقية يتحملها قادة البلدين اذا استمر اغلاق الحدود. 

وسبق ان وجه الملك محمد السادس دعوات الى جارة المغرب الشرقية الى طي صفحة الخلافات واطلاق حوار.

لكن نبرة العاهل المغربي بدت لافتة هذه المرة وصريحة حين قال “نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد. وإنما نحن إخوة فرّق بيننا جسم دخیل، لا مكان له بيننا”.

وأضاف الملك محمد السادس في خطاب بمناسبة الذكرى الـ22 لجلوسه على العرش “أدعو الى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا”.

وقال ايضا ان المغرب والجزائر “أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان”.

وبشأن إغلاق الحدود بين البلدين، قال العاهل المغربي “قناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين. لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية”.

واوضح قائلا “عبرت عن ذلك صراحة منذ 2008 وأكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات. خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا”.

وأغلقت الحدود بين البلدين في 1994 بقرار من الجزائر بعد ان فرض المغرب تأشيرة دخول على مواطني الجزائر، في اعقاب تورط جزائريين بمهاجمة فندق في مدينة مراكش.

ولم تصدر الجزائر لغاية الساعة أي رد رسمي على دعوة العاهل المغربي، بينما يرى المحلل السياسي الجزائري، عثمان بلقاسمي، بأن ذلك راجع لأن بلاده “تنتظر خطوات ميدانية من المغرب وليس خطابات فقط”.

وتبرر الجزائر عدم فتحها الحدود مع المغرب، بتخوفها من الجريمة العابرة للحدود، وتجارة المخدرات، والتهريب، وفق بلقاسمي، الذي أكد في السياق متحدثا لموقع “الحرة” بأنها “تخوفات مؤسسة”.

وقال جلالة الملك المفدى في خطابه “نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سويا، دون شروط من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار”. ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول.

واضاف “نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره. والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر لأنهما كالجسد الواحد. ذلك أن المغرب والجزائر، يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات ، والاتجار في البشر.

وقال ايضا “أنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.

كما دعا الملك محمد السادس الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الى “العمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك”، حين كان المغرب والجزائر لا يزالان تحت الاستعمار. 

بلقاسمي علق على ذلك بالقول: “هذا خطاب ملكي، من الطبيعي أن يحمل معاني الأخوة والسلام، لكن الواقع غير ذلك”.

ويحمل المحلل المسؤولية في إبقاء الوضع على حاله منذ سنين إلى “المخزن المغربي” على حد وصفه، والذي “يصر على فرض رؤيته للمسائل العالقة” وخص بالذكر موقفه من قضية الأقاليم الجنوبية للمملكة الذي تدعمه الجزائر لأجل تقرير مصيره بنفسه، على حد وصفه.

بلقاسمي قال كذلك إن الجزائريين “لم ينسوا بأن الجار المغربي فرض عليهم التأشيرة خلال أشرس أزمة أمنية عاشوها”، كما “تناست السلطات هناك بأن قرار إغلاق الحدود جاء ردا على ذلك وليس تعديا على العلاقات كما تصوره وسائل إعلام مغربية”، وفق تعبيره. 

و”كل هذه العوامل لن تساعد على استجابة فورية من قبل الجزائر الرسمية،” حسب بلقاسمي.

وفرض المغرب التأشيرة على الجزائريين خلال مرحلة الإرهاب، التي عرفتها الجزائر، في تسعينيات القرن الماضي، وردت الأخيرة بالمثل وأغلقت الحدود سنة 1994، ورغم رفع المغرب لقرار فرض التأشيرة،  إلا أن الجانب الجزائري لم يفتح الحدود، واكتفى هو الآخر برفع فرض التأشيرة فقط.

في المقابل، شكك المحلل المغربي، سمير بنيس، في أن “تلقى رسالة الملك محمد السادس أذانا صاغية لدى النظام الجزائري”، وقال إن “النظام بالجزائر مبني على عقيدة أن البلاد لن تكون في حالة جيدة إلا إذا تم إضعاف المغرب”.

لكن المغرب، وفق بنيس، “يؤمن بالمقابل بأن العوامل المشتركة بين الشعبين تفرض على سلطات البلدين الاتحاد من أجل رفع التحديات الأمنية والاقتصادية والإقليمية”.

وبالحديث عن رؤيته للرد الجزائري المرتقب، قال بنيس إنه “يستبعد ردا إيجابيا”، لكنه قال إن الرسالة المغربية التي عبر عنها خطاب الملك “من شأنها أن تحرج الجزائر أمام العالم”.

وفي الوقت الذي يرى فيه بنيس أن الرسائل التي بعث بها العاهل المغربي “من شأنها أن تحرج النظام الجزائري”، اعتبر المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل معراف، أن “حكام قصر المرادية متوجسون من مبادرات الملك محمد السادس”، إذ يعتبرونها “غير جادة وتدخل في خانة المناورات السياسية”.

وقرأ مراقبون رسالة العاهل المغربي على أنها إشارة قوية من الرباط لإذابة الجليد مع الجزائر، ودراسة فكرة فتح الحدود المغلقة بين البلدين بجدية. 

وتعد قضية الصحراء المغربية أبرز الملفات الشائكة أمام تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، ففي الوقت الذي تؤكد المملكة أنها لن تفرط في وحدتها الترابية، تعترف الجزائر رسميا بجبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال جنوب المغرب. 

ويقول الصحفي والحلل السياسي، جمال السوسي، إن سياسة المملكة الخارجية دأبت على دعوة الجزائر إلى التقارب وفتح الحدود، فأكدت الرباط في أكثر من مناسبة ضرورة إعادة المياه إلى مجاريها.

وأوضح السوسي ، أن هذه الدعوات كانت تصدر من المملكة المغربية، حين كان الوضع السياسي في الجزائر مستقرا، “أما اليوم، وقد بات الوضع في حراك، أمام مستقبل سياسي غير واضح المعالم، فمن من المستبعد أن يكون ثمة تفاعل من النظام الجزائري”.

وحين سئل حول احتمال حصول انفراج في العلاقات بين البلدين على الرغم من عدم إيجاد تسوية لملف الصحراء المغربية، أجاب الصحفي والمحلل بأن هذا الأمر ممكن من حيث المبدأ، لأن المملكة المغربية صارت تتبع خطاً جديداً في الدبلوماسية.

وأوضح أن هذا النهج الدبلوماسي الجديد للمملكة يقوم على عدم ترك الفراغ وتقوية العلاقات مع بعض الدول التي تختلف معها حول كثير من القضايا مثل نيجيريا، كما أن المغرب عاد إلى الاتحاد الإفريقي على الرغم من عدم سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو كدولة عضو. 

ويضيف  أن البلدين يحرصان على إبقاء القنوات الدبلوماسية قائمة بينهما حتى في لحظات التوتر، وهذا أمر إيجابي بحسب قوله، وأوضح أنه ليس من الضروري أن يحل البلدان كافة النقاط العالقة قبل أن يحسنا العلاقة بينهما.

ويؤكد أن المغرب والجزائر يضيعان فرصا اقتصادية مهمة، بسبب الجمود الحالي، كما أن سوء العلاقة بين البلدين من أبرز الأسباب في حالة “الشلل” التي أصابت الاتحاد المغاربي وحالت دون مضيه قدما بعد الإعلان عن تشكيله في مراكش سنة 1989.

ولا يقتصر الضرر على الجانب الاقتصادي، لأن البلدين يحتاجان إلى تعزيز تعاونهما الأمني، لا سيما في ظل مخاطر الإرهاب القائمة بمنطقة الساحل والصحراء الكبرى واستمرار معضلة الهجرة في المنطقة، وسط مخاوف غربية متزايدة.

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا