شجرة الأركان عنوان التفرد البيئي والحضاري والثقافي المغربي على الصعيد الدولي

0
212

*انغير بوبكر 

يستعد العالم للاحتفال باليوم العالمي لشجرة أركان يوم 10 ماي 2021 ، وهذه المناسبة التاريخية العظيمة التي ستفتخر بها الأجيال المقبلة كل سنة  ايما افتخار واعتزاز بهذه الشجرة النادرة الصبورة،التي طالما رافقت تاريخ المغرب العريق بكل تموجاته وكانت دائما عنوان للتفرد المغربي . فشجرة الأركان “َArganier Spinonsa »  «   شجرة نادرة تصبر للحرارة العالية ومقاومة للجفاف وتعطي الشجرة الواحدة المثمرة  سنويا  ما بين 10 الى 30 كيلوغرام  من الثمار ، وتوجد في مناطق قليلة في العالم ، رغم محاولات عدد من الدول كالكويت وإسرائيل والمكسيك  استنباتها إلا  أن المحاولات لم تنجح لحد الآن ، تشكل غابات الأركان اليوم بالمغرب حوالي 8 في المائة من غابات المغرب أي حوالي 800000 هكتار وهذا ما يبين التدهور الكبير والتدمير الممنهج الذي تعرضت له الشجرة في مراحل تاريخية سابقة في المغرب ، حيث أن العديد من المؤرخين القدامى  و الرحالة( البكري والادريسي و الزهري وابن خلدون وابن البيطار وليون الإفريقي ومارمول كربخال …) تحدثوا في مؤلفاتهم  عن وجود مساحات كبيرة وكبيرة جدا من شجر الأركان بالمغرب وعن عادات غذائية وثقافة عريقة مرتبطة بعلاقة الساكنة المغربية مع زيت الاركان  ، في هذا الاطار التاريخي   أشار  الجغرافي  الأندلسي البكري  -ابن امير امارة ولبة الاشبيلية المتوفى سنة 1094 بقرطبة- ،  في سفره الثاني كتاب المسالك والممالك ،”وقد طبع منه جزء سمي  “كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب”، بالجزائر سنة 1857م الى وجود شجر الأركان بشكل  كثيف بالمغرب  الأقصى، اذ قال  بأن في سوس زيت يسمى بزيت الهرجان  وشجره يشبه شجرة الكمثرى  كما يفصل  البكري في استعمالاته وطريقة جنيه و يلمح بشكل لافت  الى الادوار  الطبية والاستشفائية التي لعبها زيت  الاركان في التداوي التقليدي لعدد من الأمراض  يقول البكري :  

. “l’arbre qui la fournit ressemble au poirier ,si ce n’est qu’i s’élève seulement à la hauteur du bras et qu’il n’a pas de tronc : les rameaux sorte immédiatement de la racine et sont garnis d’épines .les fruits ressemblent  à des prunes noires .on les met en tas et l’on les laisse jusqu’à ce qu’ils se décomposent, puis on les place dans une poêle de terre que l’on met sur le feu .alors on peut en extraire de l’huile , dont le gout  ressemble à celui du blé grillé .c’est un aliment sain et agréable qui réchauffe les reins et facilite l’écoulement des urines. »

 في نفس المنوال ذكر  الجغرافي الأندلسي صاحب كتاب الجغرافية  أبو عبد الله الزهري  (المتوفى في أواسط القرن 12م حيث لم يعرف تحديدا تاريخ وفاته ولكن يرجح حسب محقق كتابه  أن يكون توفي قبل سنة 1161 م)  يقول  أبو عبد الله الزهري عن شجرة الأركان : ” ومن عجائب هذا الصقع زيت ارجان وهو اسم بلغة المصامدة ،يقع على شجر لا بالصغير ولا بالكبير ، يلد حبا على قدر المشمش في صفته ولونه ، وهو في ثماره كأنه النجوم في ظلام الليل غير انه  لا لحم له ولا طيب ، وانما هي جلود رقاق على انوية  غلاظ ،فإذا طابت سقطت في الأرض فتجمع وتأكلها البهائم فترمي أنويتها في معالفها .فتجمع تلك الانوية وتكسر وهي صلبة الكسر، فيخرج منها لوز على قدر انوية  المشمس . في طشش ذلك اللوز في المقلى على النار  ويطحن ويعصر  ويقطر منه زيت صاف  رقيق الأجزاء ،فيأكلون ويسرقون منه .ويجلب إلى اغمات  بمراكش  ولا يوجد هذا الزيت  في معمور  الأرض إلا فيها”.  اما العالم الجغرافي  أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبدالله  بن إدريس الحمودي  الحسني المعروف بالشريف الادريسي المولود بسبتة عام 1100 م  والمتوفى على الأرجح بقرطبة عام 1166 م  فقد قدم توصيفا دقيقا لشجرة الأركان وطريقة تصنيعها وتحويلها لتصبح زيت قابلة للاكل وللاستعمالات المنزلية الأخرى في التجميل والاستضاءة .. يقول الادريسي  في كتابه الغني والثري نزهة المشتاق في اختراق الافاق :”وبهذا الجبل –يقصد جبل درن- شجر كبير يسمى  بالبربرية  ارقان وهي تشبه شجر الاجاص اغصانا و فروعا واوراقا ولها ثمر شبيه بثمر العيون في اول نباته قشرته العليا  رقيقة خضراء فاذا تناهت اصفرت ،لكنها في نهاية الفوصة والحموضة  وداخله نوى شبيه بالزيتونة المحدودة الراس ، صلب  ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة ،فاذا كان في اخر شهر شتنبر جمع ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد ان تأكل قشرته العليا  ثم تلقيه عن بعد فيجمع ويغسل  ويكسر  ويدق لبه  ويعصر  فيخرج منه  دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر ، الا انه ليس بعذب  الطعم ،فيه ادنى حراقة وهذا الزيت كثير جدا معروف ببلاد  الغرب الأقصى  ولكثرته  يسرجون  به قناديلهم ويقلى به  الدخانيون الاسفنج  في الأسواق  وله اذا مسته النار رائحة كريهة ..ولكنه يعذب طعمه في الاسفنج  ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن  به  على المشط فتحسن شعورهن  بذلك و تطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد.”  . بدوره ذكر المؤرخ  صاحب كتاب وصف افريقيا (كتاب تمت ترجمته الى اكثر من 6 لغات عالمية )،  الحسن بن محمد الوزان الفاسي  المعروف بليون الافريقي  عند زيارته لبلاد حاحا  شجرة الأركان قائلا :”ويوجد هناك –يقصد حاحا- عدد وافر من أشجار شائكة تثمر حبا كبيرا يشبه  الزيتون  الذي يأتينا  من اسبانيا ويسمى  هذا الثمر عندهم  بالهرجان ، وتستخرج منه زيت كريهة الرائحة تستعمل مع ذلك في الطبخ والانارة.” 

يتضح من ما سبق ذكره ان شجرة الأركان كان لها دور أساسي في المنظومة المعيشية لسكان المغرب الاولين .لكن السؤال هو حاضر ومستقبل هذه الشجرة التي لها بعد تنموي وحضاري وهوياتي لا غبار عليه . للأسف الشديد تعرضت غابات الأركان لاجتثاث و تصفية ممنهجة في مراحل تاريخية في المغرب ، خصوصا وان مدنا كثيرة تم فيها اجتثاث غابات الأركان وتفويت مساحات الغابات لشركات البناء وغيرها  وأصبحت المقاربة الاسمنتية هي السائدة على حساب منظومة ايكولوجية تتدهور يوم بعد يوم . لحسن الحظ تحرك المجتمع المدني المغربي منذ بداية التسعينات للاهتمام بشجرة الأركان و قام بعمل جبار من اجل الترافع لاعادة الاعتبار لهذه الشجرة وبادر بانشاء جمعيات وتعاونيات تناضل وتعمل من اجل حماية ما تبقى من شجرة الأركان ، وقد كان هذا الوعي البيئي المغربي بطبيعة الحال متأثرا بنمو الاهتمام الدولي بالبيئة وبتواتر تنظيم مؤتمرات دولية تحذر من الاستغلال الغير معقلن للموارد الطبيعية وهو ما يهدد الكون ، ومؤشرات ذلك كثيرة من احتباس حراري وارتفاع نسب الكربون في الجو والتقلبات المناخية الخطيرة ، كما ان المجتمع المدني المغربي تأثر كذلك  بالتيارات والتنظيمات البيئية الدولية وظهور ما بات يعرف بالأيكولوجية السياسية  وهي تيارات سياسية ومدنية تعتبر ان “الانسان ينسف ، وكل يوم بطريقة جديدة ،شروط بقائه وبقاء كل شركائه الاخرين ، وانه بهذا المعنى هو المرض الأكبر للأرض ، وان الرهان الحقيقي –لوقف هذا النزيف الحاد –هو على المستوى الماكرو ، ان تعيد الدول / الشعوب النظر جذريا في خياراتها  الاقتصادية والانثربولوجية المخربة للتراب والهواء والماء ، وهو على المستوى الميكرو ، ان يمنع أي شيء قد يسئ ، قد يهدد استمرار الحياة  فوق الكوكب .ترى  الايكولوجيا السياسية انه لا بديل لنا بالبقاء غير العمل جماعيا من اجل إعادة توجيه  الدينامية “التنموية” فيما يخدم اهداف رفاه البشرية  وكل المنظومات  الايكولوجية والحيوانية والنباتية الأخرى .” ا 

المجتمع المدني المغربي قام بمبادرات هامة ومحورية في التعريف بالمخاطر التي تستهدف غابات الأركان بالمغرب و توج نضاله باعتراف   اليونيسكو سنة 1994 بالمعارف والتقاليد المرتبطة بشجر الأركان  ممارسات شعبية فضلى يجب تثمينها في إطار الاحتفاظ على ممارسات تندرج ضمن خانة  التراث اللامادي للانسانية  وتلاه اعتراف آخر لليونسكو سنة  1999  بشجر الأركان  كتراث عالمي أساسي لحماية التنوع الايكولوجي الدولي وأصبحت غابات  الأركان محمية طبيعية  دولية  قبل أن يتوج كل هذا المسار التراجعي النضالي بإقرار يوم 10 ماي يوم دولي لشجرة الأركان و إقرار  هذا اليوم هو تكريم لكل اللواتي والذين ضحوا وناضلوا و استبسلوا في سبيل الحفاظ على هذه الشجرة الخالدة ، الاان  هذا الاعتراف الدولي من قبل اليونسكو  لم ترافقه  إجراءات عملية من أجل وقف  تدهور غابات الأركان واستمرار استنزافها من قبل مافيات الفحم ومن قبل الرعي الجائر الذي ينخر سنويا غابات الأركان  .

 لوقف هذا التدهور والسعي لجمع المشتغلين بمجال الأركان خاصة ذوي الحقوق ، تم تأسيس الفدرالية  الوطنية لذوي الحقوق مستغلي مجال الأركان  بمدينة الصويرة يوم 26 مارس 2011 وقد جمعت الجمعية الوطنية تمثيلية الأقاليم التي يتواجد فيها الأركان   بالمغرب ، ساهمت الجمعية منذ تأسيسها في بلورة برنامج عمل تتعلق أولا بتقييم الحالة الراهنة  لقطاع الأركان  و البحث عن طرق قانونية وعملية لتحسين جودة المنتجات  وتشجيع برامج البحث والتنمية من خلال  تشجيع الابتكار  وتشجيع وتعميم التعريف بالمنتوجات الفلاحية ومنتجات الصناعات الغذائية المشتقة منها .. كما تأسس فيما بعد  التنظيم  الوطني  البيمهني الذي  يجمع عدد من المتدخلين  في قطاع الأركان(ذوي الحقوق-الشركات –التعاونيات …) ، كما تم تنظيم مؤتمر دولي للأركان الذي ينعقد بشكل دوري وتلتئم فيه كل الفعاليات الدولية والوطنية المشتغلة في مجال الأركان من خبراء ومهنيين ومؤسسات عمومية..  

  على أرض الواقع   بذلت مجهودات  معتبرة وهامة في السنوات الأخيرة  من طرف التعاونيات والجمعيات العاملة في قطاع الأركان حيث أصبح عدد التعاونيات الفلاحية النسوية-خصوصا- كبيرا كما ونوعا  واستفادت من تكوينات تأطيريه هامة في مجالات  مختلفة كما ساهمت هذه التعاونيات النسوية في تنمية مداخيل الأسر الفقيرة التي تعول على مداخيل  بيع زيت الأركان لاعالة اسرتها  .  كما لا يجب أن نغفل المجهودات الكبيرة والمعتبرة التي قامت بها وزارة الفلاحة المغربية و المندوبية السامية للمياه والغابات  في الاعتناء بهذه الشجرة وإدماجها في ظل سلاسل الإنتاج التي يتم تمويلها . وبالفعل فقد استمر تخليف أشجار الأركان و باتت الشجرة تحظى باهتمام متزايد و اصبح الطلب العالمي على زيت الأركان يتزايد باضطراد خصوصا انه  اصبح يستعمل في الصناعات التجميلية والصناعات الدوائية  واصبح زيت الأركان  مطلوبا لدى كبريات المختبرات الدولية  . إلا أن صعوبات كبيرة ما زالت تعترض شجرة الأركان  أهمها :

-الإشكال القانوني المتعلق بالمنظومة القانونية التي تؤطر شجر الأركان حيث أن الظهائر المعمولة بها في تنظيم الشجرة   تعود للمرحلة الاستعمارية ولم يتم تغييرها لحد الان ، مما يجعل علاقة الساكنة بقطاع المياه و الغابات ببلادنا يشوبها التوجس والريبة  وعدم التعاون .

-ضعف استفادة المرأة القروية من عائدات شجرة الأركان بفعل سيطرة الوسطاء و غلبة مقاربة السوق والربح على منطق تحسين مدخول النساء وتنمية وضعيتهم الفعلية.

-ضعف وتيرة تشجير شجر الأركان بفعل تخوف السكان من جهة من تفويت أراضيهم  ومن جهة أخرى بسبب ضعف التواصل المؤسساتي و عدم الاهتمام بتوفير أراضي للتشجير في وقت تتدهور فيه غابات الاركان يوم بعد يوم.

-الاعتداءات المتكررة من طرف الرعاة الجائرين  و مافيات بيع الفحم من جهة ومن جهة أخرى الحرائق التي تستهدف غابات الأركان سواء بشكل متكرر مقصود او غير مقصود .

في ظل هذه الإكراهات التي يعيشها قطاع الأركان و في خضم المجهودات التي تبذلها الدولة ومؤسساتها والمجتمع المدني الفاعل  من اجل انعاش قطاع الأركان و تنمية مجاله و تحسين ظروف عيش المشتغلين فيه ، لابد من تعبئة وطنية ودولية حقيقية من اجل تنمية هذا القطاع الذي تعول عليه بشكل كبير  نساء قرويات فقيرات ومحتاجات من أجل تحسين وضعيتهم السوسيواقتصادية ،شجرة الأركان والمرأة متلازمان في التهميش والتنمية في مجال الأركان ، إذا نميت احدهما انعكس ذلك وجوبا على الثاني ،   ومدخل تنمية القطاع لن يكون الا  بإبعاده  عن  منطق المضاربات الرأسمالية  و العمل من أجل تنمية حقيقية تستند على تثمين المنتوج و الحفاظ على جودته و تشجير ملايين الهكتارات من شجر الأركان و تشجيع المقاربات التشاركية المندمجة مع ذوي الحقوق و دعم الفلاحين الصغار وتشجيعهم على الاعتناء بشجرة الأركان. 

انغير بوبكر 

*عضو مؤسس للفيدرالية الوطنية لذوي الحقوق مستغلي مجال الأركان

*عضو مؤسس للفيدرالية البيمهنية لقطاع الأركان

*المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان 

*عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة كلميم واد نون