مسؤول رسمي: المغرب في درجات متدنية فيما يخص محاربة الفساد وانعدام إرادة سياسية حقيقية لمحاربته

0
180

على الرغم من الإجراءات والسياسات التي انتهجتها الدولة لمحاربة الفساد طوال 20 سنة، لم يتمكن المغرب من تحسين وضعيته في مجال محاربة الفساد، وبقي في درجات متدنية لا من حيث التنقيط ولا من حيث مختلف المؤشرات، إذ تراجعت المملكة في ترتيبها خلال العقدين الأخيرين، أما من حيث التنقيط، فلم نتمكن إلا من ربح نقطتين طوال كل هذه الفترة، بحسب محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ” هيئة رسمية “.

أكد مسئول أن البلاد تعيش مستوى عاليا من الفساد، وليست هناك إرادة سياسية حقيقية لمحاربته، مشيرة الى أن العديد من المنظمات المنوط بها محاربة الآفة أو الوقوف عليها، مثل مجلس المنافسة أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أفرغت من محتواها.

واعتبر الراشدي خلال مداخلة له في ندوة نظمتها مؤسسة الحبيب التطواني بمدينة سلا، أن إجراءات وسياسات الدولة واجهتها عدة المشاكل في التنزيل الذي لا يكون شموليا، أو بسبب غياب الالتقائية والنفس الطويل، هو شرط ضروري لإحداث تغيير مستدام وتجفيف بؤر الفساد وجعل الإصلاح واقعا، مشيرا إلى أن الفساد ينخر البلاد في أهم ما لديها أي في قيمها الأساسية وإمكانياتها وتجنيدها في الاتجاه الصحيح.

وشدد المسؤول المغربي، على أن الفساد يعتبر أول عائق للتنمية، ويعمق الفوارق ويقوي الامتيازات غير المشروعة كما يكبل القدرات، ما يمنعها من أن تكون محررة للمساهمة في تنمية البلاد، ويمس هيبة القانون بصفة عامة.

وخلص إلى أن ردع ومكافحة الفساد بالمغرب، يمر عبر مقاربة تشريعية وقانونية قابلة للتفعيل. 

بعد إقرار المغرب بفشل نموذجه التنموي، اعتمد نموذجاً جديداً في شهر مايو (أيار) 2021، وهو ما اعتبره مختصون فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار رئيس “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد.

وأكد أن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف لحقوقهم، والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.

وأوضح الراشدي أن النموذج التنموي الجديد يتبوأ موقع الصدارة في هذه المؤشرات القوية، وأنه يستدعي من مختلف المؤسسات والفاعلين تنزيل مقتضياته وتصريفها من خلال إصلاحات جوهرية ووضع وتنفيذ سياسات عمومية جريئة.

وشهد المغرب تراجعاً في مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، إذ حل عام 2020 في المرتبة 86، بعدما حل في المرتبة 80 عام 2019.

وأشارت المنظمة إلى أنه “خلال جائحة كوفيد-19، فرضت البلاد (المغرب) حالة الطوارئ التي أدت إلى تقييد الحركة وإغلاق الحدود الوطنية”، مضيفة “اتخذت الحكومة تدابير استثنائية استجابة لحالة الطوارئ الصحية، لا سيما فيما يتعلق بالمشتريات العامة، فقد افتقرت هذه الإجراءات إلى الرقابة وسمحت بإعفاءات خاصة لم تخضع الحكومة للمساءلة عنها، تمتد هذه المبادرات إلى مجالات خارج نطاق الرعاية الصحية وتشكل مخاطر كبيرة من حيث سوء إدارة الأموال والفساد”.

من جانبه أكد الصدقي، عضو جمعية “ترانسبرنسي المغرب” وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي يتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.

وأشار إلى أن “ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون قد حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة”.

وأوضح الصديق أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، وبسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. مضيفاً أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، لا سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.

فقد خلَّف سحب الحكومة المغربية مشروع تعديل القانون الجنائي، الذي كان يجرم الثراء غير المشروع، جدلاً واسعاً حول نيات الحكومة في مجال مكافحة الفساد، ويقول سمير بوزيد، نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، “لقد تابعنا بقلق كبير سحب مشروع القانون الجنائي 10.16، ذلك المشروع الذي جاء استجابة للمطالب والتوصيات الوجيهة للحركة الحقوقية الوطنية والدولية، إذ أصدرت العديد من التقارير التي حثت على تحديث وتطوير المنظومة الجنائية”، معتبراً أن تحديث المنظومة القانونية يتطلب نهج سياسة جنائية جديدة، وأن تطوير الطرق القضائية البديلة يتطلب المحافظة على التراكم الذي حققه المغرب على مستوى الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية.

من جانبه، أكد الصدقي أن “تجريم الإثراء غير المشروع أضحى ضرورة ملحة، إذ لم يعد من المقبول في بلد يتفشى فيه الفساد وتبذير المال العام بشكل مزمن ونسقي، أن يظل الاغتناء غير المشروع للموظفين وباقي المؤتمنين على تدبير الشأن العام من دون ردع جنائي”، مشدداً على ضرورة اقتران جميع العقوبات الجنائية بمصادرة الممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، وذلك بهدف تأكيد الإرادة على توطيد النزاهة في تدبير الشأن العام وسيادة القانون.

ويوضح عضو “ترانسبارنسي المغرب” أن سحب الحكومة المغربية مشروع القانون الجنائي من مجلس النواب، قد يثير عدة مخاوف باعتبار أن اختلاس المال العام، وعدم تفعيل مبدأ المساءلة والإفلات من العقاب، هو ما يؤدي إلى فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها على الضبط والتنظيم واستفحال آفة الفساد، ويرسم معالم مغرب يُعاني رشوة نسقية ومعمَّمة.

فعلى الرغم من اعتماد المغرب آليات متجددة لمكافحة الفساد فإن حجم تلك الظاهرة آخذ في التوسع، مما يطرح تساؤلات حول السياسة الناجعة الواجب اتخاذها لمكافحة الظاهرة.

ويشير نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب سمير بوزيد إلى أن “مهمة محاربة الفساد تتطلب الإحاطة الشمولية بهذه الظاهرة للتعرف عن مدى انتشارها ومجالاتها وأسبابها وآثارها، بهدف التمكن من ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، وتحيين وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وتدعيم فعالية ونجاعة مؤسسات المراقبة والمساءلة، والنهوض بالحكامة الجيدة وتعزيز الوقاية من الفساد”.

فيما اعتبر علي الصدقي أن الخطابات المنمقة عن مكافحة الفساد والبرامج والاستراتيجيات غير المفعلة، وهيئات لا تتمتع بالاستقلالية، لا يمكن إلا أن ترهن مستقبل المغرب ليستمر في الوجود في منطقة الرشوة النسقية، وهو ما يسهم، بحسبه، في فقدان الثقة في المؤسسات، وابتذال الفساد لدرجة يصبح فيه جزءاً من تدبير الشأن العام.

وكان رئيس الحكومة المغربية قد تعهد في البرنامج الحكومي أن السلطة التنفيذية “ستعمل جاهدة على تعزيز الصورة المشرفة للمملكة، بخاصة لدى المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية الساهرة على احترام الحريات وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية والشفافية ومحاربة الفساد، وتحسين ترتيب المملكة في مختلف مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية”.