“اتفاقية الإعفاء من التأشيرة بين المغرب وكازاخستان: خطوة دبلوماسية أم فرصة اقتصادية ضائعة؟

0
111

في خطوة دبلوماسية جديدة، أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عن دخول اتفاقية الإعفاء من التأشيرة بين المغرب وكازاخستان حيز التنفيذ اعتبارًا من 19 مارس المقبل.

هذه الاتفاقية، التي تم توقيعها في سبتمبر الماضي خلال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحمل في طياتها تساؤلات حول جدوى هذا التوجه الاستراتيجي، وأثره على مصالح المغرب في ظل الحاجة الملحة لتنويع وجهات الهجرة.

ما الذي ستجنيه المملكة المغربية من هذا الاتفاق؟

بالنظر إلى العلاقات الثنائية بين المغرب وكازاخستان، يُعتبر هذا الإعفاء من التأشيرة بمثابة خطوة دبلوماسية تبشر بآفاق جديدة للتعاون بين البلدين في العديد من المجالات.

هل ستفتح هذه الاتفاقية أبوابًا جديدة أمام التجارة، السياحة، أو حتى التبادل الثقافي؟ من الواضح أن كازاخستان، باعتبارها قوة اقتصادية ناشئة في آسيا الوسطى، تمثل سوقًا واعدًا للمنتجات المغربية في قطاعات متعددة، وخاصة في الصناعات الغذائية والنسيج.

كما يمكن أن تساهم الاتفاقية في تعزيز السياحة المتبادلة، حيث يسعى المغرب لجذب مزيد من السياح الأجانب، في حين يمكن للكازاخستانيين زيارة المغرب دون قيود التأشيرة.

ولكن، هل كان من الأجدر السعي وراء اتفاقيات مماثلة مع دول أوروبية؟

في وقتٍ يعاني فيه المغرب من ارتفاع معدلات البطالة بين الكفاءات وحاملي الشهادات العاطلين عن العمل، ألم يكن من الأجدر أن يركز المغرب جهوده على توقيع اتفاقيات مماثلة مع دول أوروبية، حيث يمكن تصدير الكفاءات المغربية في قطاعات متعددة، بدءًا من الشباب المهنيين والحرفيين، وصولًا إلى الخريجين الجامعيين الباحثين عن فرص عمل خارج حدود وطنهم؟ يمكن لهذه الدول الأوروبية أن توفر فرصًا حقيقية للمغاربة في مختلف المجالات، وبالتالي فتح آفاق جديدة لأصحاب الشهادات العاطلين، لا سيما في سياق ضعف سوق العمل المحلي.

إذاً، ماذا سيحقق هذا الإعفاء مع دولة كازاخستان في ظل غياب الفرص الكبرى للتوظيف المباشر، مقارنة بالدول الأوروبية التي تعاني من نقص في المهارات المتخصصة؟ وهل هذه الخطوة تأتي في وقتٍ تزداد فيه الحاجة إلى اتفاقيات مع دول قادرة على استيعاب أكبر عدد من المهنيين والمختصين المغاربة؟

أبعاد استراتيجية للمغرب: البحث عن توازن بين شرق وغرب

ربما يبدو من غير المنطقي في البداية أن يتم توقيع اتفاقية إعفاء من التأشيرة مع دولة في آسيا الوسطى بدلًا من دول الاتحاد الأوروبي أو أمريكا الشمالية. لكن من زاوية استراتيجية، هل يمكن أن تكون هذه الخطوة جزءًا من سياسة تنويع العلاقات الدولية؟ المغرب، الذي يسعى بشكل مستمر إلى تعزيز مكانته الجيوسياسية والاقتصادية، قد يرى في كازاخستان فرصة لتوسيع رقعة تأثيره في المنطقة الآسيوية، التي تعد واحدة من أسرع المناطق نموًا في العالم. وعلى الرغم من أن كازاخستان لا تعدّ من الدول الأوروبية الكبرى، إلا أن المغرب قد يستفيد من العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دولة كبيرة مثلها في المنطقة، والتي قد تكون بوابة للتوسع في أسواق جديدة.

هل المغرب بحاجة لفتح آفاق جديدة في هذه المرحلة؟

إن التوجه نحو كازاخستان قد يكون منطقيًا في إطار تعزيز الشراكات جنوب-جنوب، الذي يشمل دولًا من خارج الدائرة الغربية التقليدية.

ولكن، هل تكتفي هذه السياسة بمكاسب اقتصادية أو سياحية ضئيلة؟ هنا يبرز سؤال أساسي: هل المغرب في حاجة ماسة إلى تعزيز استراتيجياته في قارة أوروبا أولًا؟ لا شك أن هناك ضغطًا داخليًا على الحكومة لتحسين فرص العمل من خلال شراكات استراتيجية مع الدول الأوروبية التي تعتبر أكثر قدرة على استيعاب الخريجين المهنيين.

ربط القضية بالسياق العام: هل هو تهدئة للوضع الداخلي؟

من الملاحظ أن السياسة المغربية تجاه كازاخستان تأتي في وقتٍ حساس، حيث يعيش السوق المغربي أزمة بطالة متزايدة، خاصة بين الشباب الحاصلين على الشهادات العليا. هل هذه الاتفاقية هي مجرد محاولة لتوجيه الأنظار بعيدًا عن التحديات الاقتصادية الداخلية؟ في ظل التصاعد المستمر لمطالبات تحسين وضع الشباب العاطل عن العمل، قد يشعر البعض أن المغرب بحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم هذه الفئة بشكل أكثر فعالية من خلال سياسات هجرة استراتيجية نحو دول ذات اقتصادات متقدمة تستطيع استيعاب الكفاءات بشكل أفضل.

الخاتمة: بين الفوائد والتحديات

لا شك أن اتفاقية الإعفاء من التأشيرة مع كازاخستان تفتح الباب أمام تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، كما أنها قد تساهم في إثراء التبادل الثقافي والسياحي.

لكن، يبقى السؤال: هل كانت هذه الخطوة كافية بالنظر إلى الاحتياجات الحالية للمغرب؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر في التوازن الدقيق بين مصالح المغرب الاقتصادية والجيوسياسية، وبين أولويات شعبه في مجال التوظيف وتوفير الفرص.