السوسي يتصدى لمخطط الهدم: حي الملاح اليهودي إرث وطني لا يقبل المساومة

0
164

حي الملاح اليهودي في الرباط: تراث مهدد أم ضحية للتوسع العقاري؟ قضية وطنية تمس هوية المغرب

في قلب العاصمة المغربية الرباط، يقع حي الملاح اليهودي، أحد أقدم الأحياء التاريخية التي تحمل في طياتها ذاكرة قرون من التعايش بين اليهود والمسلمين تحت مظلة التسامح الديني الذي عُرف به المغرب.




لكن هذا الحي، الذي يُعتبر إرثًا ثقافيًا وإنسانيًا نادرًا، أصبح اليوم في قلب عاصفة جدل واسع بسبب مشروع يُزعم أنه يهدف إلى هدم جزء منه لصالح شركة عقارية خليجية. هذا المشروع، الذي يُنظر إليه على أنه تهديد للتراث اليهودي المغربي، أثار ردود فعل قوية من قبل جمعيات المجتمع المدني، خاصة جمعية “بركة الملاح” التي وصفت الحي بأنه “خط أحمر”. فما هي حقيقة هذا المشروع؟ وما هي تداعياته على التراث الثقافي للمغرب؟

إرث يهودي في قلب المغرب: هل يتعرض حي الملاح لخيانة تاريخية؟

حي الملاح، الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت، ليس مجرد حي سكني، بل هو رمز للتعايش بين اليهود والمسلمين في المغرب. هذا الحي، الذي كان يضم في الماضي جالية يهودية كبيرة، يشهد على تاريخ غني من التفاعل الثقافي والديني بين الطائفتين. تحت حماية “أمير المؤمنين”، عاش اليهود المغاربة في أمان وسلام، وساهموا في بناء المجتمع المغربي بكل أبعاده الاقتصادية والثقافية.

اليوم، يُعتبر حي الملاح في الرباط أحد آخر الشواهد المتبقية على هذا التاريخ المشترك. لكن هذا التراث، الذي يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية المغربية، أصبح مهددًا بسبب مشاريع التوسع العقاري التي تُنفذ دون مراعاة لقيمته التاريخية والثقافية.

هل يكون مصير هذا الحي العريق كغيره من الأحياء التاريخية التي أُزيلت باسم “التنمية”؟ وهل الاستثمار العقاري أولى من الحفاظ على ذاكرة الوطن؟

المشروع المثير للجدل: هدم التراث لصالح العقارات

وفقًا لمصادر متعددة، فإن المشروع الذي يُزعم أنه يستهدف حي الملاح في الرباط يتضمن هدم جزء من الحي الذي يطل على نهر أبي رقراق والمحيط الأطلسي، لصالح شركة عقارية خليجية. هذا المشروع، الذي يُقال إنه يهدف إلى بناء مجمعات سكنية وفندقية فاخرة، أثار غضبًا واسعًا بين نشطاء التراث وأفراد المجتمع المدني.

جمعية “بركة الملاح”، التي تُعنى بالحفاظ على التراث اليهودي المغربي، وصفت هذا المشروع بأنه “عار على الإنسانية”. رئيس الجمعية، في تصريحاته، أكد أن حي الملاح هو “إرث أجداد اليهود المغاربة”، وأن هدمه يعني محو جزء من تاريخ المغرب. كما أشار إلى أن هذه القضية ليست قضية اليهود المغاربة وحدهم، بل هي قضية وطنية تمس جميع المغاربة، مسلمين ويهودًا على حد سواء.

ردود الفعل: بين الصمت والغضب

ردود الفعل على هذا المشروع كانت متباينة. من جهة، هناك من دافع عن المشروع بحجة أنه سيساهم في تطوير المنطقة وجذب الاستثمارات. من جهة أخرى، هناك من رأى في المشروع تهديدًا للتراث الثقافي والإنساني للمغرب.

جمعية “بركة الملاح” وجمعية “ميمون” بأمستردام، التي تُعنى أيضًا بالتراث اليهودي المغربي، كانتا من أبرز الأصوات التي عارضت المشروع. في بيان مشترك، أكدتا أن حي الملاح هو “خط أحمر” وأنهما لن تتركا الحي وحيدًا في مواجهة هذا التهديد. كما طالبتا الجهات المعنية بالتدخل لوقف المشروع والحفاظ على التراث الثقافي للمغرب.

الأسئلة المطروحة: بين التطوير والحفاظ على التراث

  1. هل يمكن التوفيق بين التطوير العقاري والحفاظ على التراث الثقافي؟

  2. ما هي الجهات المسؤولة عن حماية التراث الثقافي في المغرب، وهل تقوم بدورها بشكل كافٍ؟

  3. ما هي التداعيات الثقافية والسياسية لهدم جزء من حي الملاح؟

  4. هل يمكن أن يكون هذا المشروع بداية لموجة من الهدم تستهدف التراث الثقافي في المغرب؟

بين الاعتراف الدولي والطمس المحلي: ازدواجية الموقف المغربي؟

المفارقة تكمن في أن المغرب، الذي قدم نفسه للعالم كنموذج في الحفاظ على التراث اليهودي، يشهد اليوم تدمير جزء من هذا التراث في عاصمته! فقد كان المغرب سباقًا في الاعتراف الرسمي بالثقافة اليهودية كمكون أساسي لهويته، وهو ما تُرجم في مشاريع ترميم المعابد والمقابر اليهودية. لكن، كيف نفسر اليوم هذه الازدواجية في التعامل مع حي الملاح؟

هل من تدخل ملكي لإنقاذ الملاح؟

التاريخ يشهد أن المؤسسة الملكية لعبت دورًا حاسمًا في حماية التراث اليهودي المغربي. واليوم، تتوجه الأنظار إلى القصر الملكي، آملة في تدخل ملكي لإيقاف هذه “الكارثة الثقافية”. فهل سيكون لجلالة الملك، بوصفه أمير المؤمنين وحامي الملة والدين، كلمة في هذا الملف؟ أم أن المصالح الاقتصادية ستتغلب على الاعتبارات التاريخية والدينية؟

خاتمة: بين المصالح الاقتصادية والواجب الوطني

ليس هناك شك في أن المغرب يحتاج إلى التنمية والاستثمار، لكن هل يجب أن يكون ذلك على حساب تاريخه وهويته؟ إن هدم حي الملاح، إذا تم، لن يكون مجرد إزالة لمبانٍ قديمة، بل سيكون بمثابة محو لذاكرة جماعية تربط الأجيال اليهودية المغربية بجذورها في المغرب. القضية اليوم ليست قضية أقلية، بل قضية وطنية تتطلب وقفة جادة من جميع المغاربة، قبل أن يجدوا أنفسهم غرباء في وطنهم.