الغلوسي يُطلق ناقوس الخطر: قوانين تُقيد الرقابة وتُهدد روح الدستور

0
271

بالنظر إلى التفاعل المجتمعي المتزايد مع قضايا الفساد ونهب المال العام، يُمكن قراءة التدوينة الأخيرة للمحامي والفاعل الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، كجزء من دينامية مدنية متنامية تُطالب بإعادة ترتيب أولويات الدولة في ورش تخليق الحياة العامة، ليس فقط من خلال الأقوال، بل عبر إصلاحات بنيوية عميقة تمس التشريع، والممارسات، والمؤسسات.

في تغريدته عقب لقاء جمع وفداً من الجمعية بمؤسسة وسيط المملكة بالرباط يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، بحضور رئيسها الأستاذ حسن طارق، أشار الغلوسي إلى جملة من القضايا الجوهرية التي تعكس الانشغالات المتصاعدة حول جدوى السياسات العمومية في مكافحة الفساد، والاختلالات البنيوية التي تعيق تفعيل أدوات الرقابة والشفافية.

بين النصوص والممارسات: هل نحن أمام ارتداد عن روح الدستور؟

الغريب – كما يؤكد الغلوسي – هو التناقض الصارخ بين ما ينص عليه الدستور المغربي، خاصة في مادته السادسة التي تقر بمبدأ المساواة أمام القانون، وبين الواقع العملي، حيث يتم استهداف الجمعيات الحقوقية – بما فيها جمعيتهم – بحرمانها من وصل الإيداع القانوني، في مخالفة صريحة لقانون الجمعيات. فهل نحن أمام تضييق ممنهج يطال المجتمع المدني، رغم ما يُرفع من شعارات الشراكة والتشاركية؟

القوانين المثيرة للجدل: المواد 3 و7 تحت المجهر

المثير في هذا السياق، هو التحذير الصريح من مشروع قانون المسطرة الجنائية، خاصة المادتين 3 و7، واللتين اعتبر الغلوسي أنهما تسعيان إلى «تجريد المجتمع من سلطته الرقابية». هل نحن أمام محاولة “قوننة” الصمت؟ وهل تشكل هذه التعديلات مؤشراً على إرادة سياسية لتقليص هامش المشاركة المجتمعية في مراقبة المال العام؟

الخطورة، كما يشير المتحدث، لا تكمن فقط في تقويض حق الأفراد والجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد، بل في تقليص استقلالية النيابة العامة، مما يُضعف من قدرتها على مباشرة الملفات ذات الصلة بمكافحة الفساد، تحت ضغط شبكات النفوذ والمصالح.

بين الدعم السياسي والانغلاق المؤسساتي: ما دور الأحزاب؟

دعوة الغلوسي لعقد لقاءات مع مختلف الفاعلين، من مؤسسات رسمية وأحزاب سياسية، تحمل بُعداً ديمقراطياً مهماً، لكنها أيضاً تطرح سؤالاً مؤرقاً: هل تملك الأحزاب السياسية – أغلبية ومعارضة – الجرأة الكافية للانخراط الجاد في معركة تخليق الحياة العامة؟ أم أنها تفضل الانزواء خلف مناورات تكتيكية تُخفي هشاشتها البنيوية وخضوعها لمعادلات التوازن السلطوي؟

من المحلي إلى الدولي: أين موقع المغرب في المؤشرات العالمية؟

تقارير دولية، كصادرة عن “ترانسبارنسي إنترناشيونال”، تُصنف المغرب في مراتب غير مشرفة من حيث مؤشرات محاربة الفساد. فهل تملك الدولة الشجاعة لمواجهة هذا التحدي بآليات أكثر نجاعة، بدل الاكتفاء بالشعارات؟ وهل تعي أن بناء الثقة في المؤسسات، وتمكين العدالة من الاستقلال الحقيقي، شرط لأي نموذج تنموي ناجح ومستدام؟

في الختام: هل نحتاج إلى استراتيجية جديدة؟

ما يدعو إليه الغلوسي ليس مجرد صرخة معزولة، بل يمثل امتداداً لحراك مجتمعي واسع يرى أن معركة محاربة الفساد لا يمكن أن تُخاض بأدوات بالية، أو ضمن مقاربات انتقائية. إنها معركة تهم الدولة والمجتمع، ولا تحتمل المزايدة أو التسويف. لكن يبقى السؤال الأهم: من يملك اليوم الإرادة السياسية الحقيقية لفتح هذا الورش الشائك حتى النهاية؟