حين تُقاضِي الأغلبيةُ المعارضةَ: هل تتحوّل المجالس المنتخبة إلى ساحات للتصفية بدل المراقبة؟

0
136

قضية المهداوي وعمدة الرباط: نزاع سياسي أم انزلاق قانوني؟

في تطوّر لافت يعكس توتراً متصاعداً داخل مجلس جماعة الرباط، استمعت الشرطة القضائية بولاية أمن الرباط، يوم الإثنين، إلى المستشار الجماعي فاروق المهداوي عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، وذلك على خلفية شكايتين تقدّم بهما كلٌّ من مدير المصالح الجماعية بصفته رئيس لجنة امتحانات الكفاءة المهنية، وجماعة الرباط في شخص عمدة المدينة، المنتمية لحزب التجمع الوطني للأحرار.

لكن ما الذي دفع رئيسة المجلس إلى اللجوء إلى القضاء؟ وما الذي قيل داخل جلسة المجلس ليُصنَّف ضمن خانة “التشهير والوشاية الكاذبة”؟ وهل نحن أمام محاسبة قانونية نزيهة أم أمام محاولة لإسكات الصوت المُعارض؟

من داخل المجلس إلى ردهات الأمن: ما الذي جرى؟

القضية تعود إلى مداخلةٍ أدلى بها المهداوي خلال الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة الرباط بتاريخ 12 دجنبر 2024، حيث وجّه اتهامات صريحة بوجود خروقات قانونية ومسطرية وأخلاقية شابت امتحانات الكفاءة المهنية التي تُنظمها الجماعة.

تصريحاته، التي اعتُبرت في أعين الأغلبية تجاوزاً لحدود النقد السياسي، تحوّلت لاحقاً إلى موضوع متابعة قضائية بتهم التشهير والوشاية الكاذبة.

فهل كانت هذه المداخلة من صميم الدور الرقابي للمعارضة؟ أم أنها تجاوزت حدود المسؤولية السياسية ودخلت في خانة الاتهام المجاني؟

الحق في النقد أم “وشاية كاذبة”؟

يُؤكد المهداوي في تصريحات لاحقة أن ما حدث يمثل “انعداماً لأي حس بالتدافع السياسي” من قِبل الأغلبية، معتبراً أن الديمقراطية المحلية تتعرض لـ”هتك العرض” من خلال تكميم أفواه المعارضة بدل فتح تحقيقات شفافة.

ويذهب إلى أبعد من ذلك، مشدداً على أن هذا التوجه يُنذر بخطر كبير على الديمقراطية التمثيلية والممارسة الانتخابية المحلية، خصوصاً عندما تُستخدم المؤسسات للرد على الخطاب السياسي.




لكن إلى أي مدى يمكن تبرير تصريحات المعارضة داخل المجالس المنتخبة كجزء من دورهم الطبيعي في المراقبة والتقييم؟ وهل يمكن تقييد حرية التعبير داخل قاعات المجالس بحدود القانون الجنائي، أم يجب أن تبقى في خانة “الحصانة السياسية”؟

تساؤلات مفتوحة: أين تتوقّف حدود المسؤولية السياسية؟

  • هل يجوز للمجالس المنتخبة أن تحوّل خصوماتها إلى ملفات قضائية؟

  • هل ما قاله المهداوي يدخل في إطار المعركة السياسية الشرعية أم أنه يُعد تشهيرا بالفعل؟

  • ما هي الجهة المؤهلة للحسم في صحة مزاعم وجود خروقات في امتحانات الكفاءة المهنية؟

ربما تكون الإجابة عن هذه الأسئلة أكثر من ضرورية في ظل تنامي ظاهرة تسييس القضاء أو توظيف أدوات المتابعة القانونية للضغط على الفاعلين السياسيين المنتقدين.

في العمق: أزمة ثقة بين المؤسسات؟

ما يثير القلق في هذه القضية ليس فقط مآل المتابعة القضائية، بل ما تكشفه من أزمة ثقة داخل المجالس المنتخبة، حيث أصبحت بعض الأغلبية لا تتردد في اللجوء إلى القضاء للرد على الانتقادات، بدل استخدام آليات الحوار والمحاسبة الداخلية. هل تعكس هذه الظاهرة هشاشة الثقافة الديمقراطية؟ وهل تُخفي نزعة متزايدة نحو الهيمنة السياسية على الفضاء المحلي؟

المفارقة أن الشكايتين القضائيتين لم تُقابَلا، حسب المعطيات المتوفرة، بأي إعلان عن فتح تحقيق داخلي أو مستقل في الاتهامات التي أثارها المهداوي، ما يطرح سؤالاً آخر: إذا كانت التصريحات غير دقيقة أو غير صحيحة، لماذا لا يتم نفيها بدل مواجهتها بالمتابعات القضائية؟

الختام: إلى أين يمضي تدبير الشأن المحلي؟

القضية ليست مجرد نزاع بين مستشار معارض وعمدة من الأغلبية، بل تُجسّد معضلة أكبر حول مستقبل العمل السياسي المحلي في المغرب، وحول مدى قدرة المنتخبين على تقبل النقد وتحويله إلى فرصة للإصلاح بدل جعله ذريعة لتكميم الأصوات.

فهل سنرى مزيداً من التوتر القضائي داخل المجالس، أم أن هذه القضية ستكون فرصة لمراجعة العلاقة بين المعارضة والأغلبية، وتعزيز آليات الحوار والمحاسبة الداخلية؟ وهل سيتم التحقيق فعلاً في الادعاءات موضوع الخلاف، أم ستُغلق الملفات بانتصار قانوني وخسارة سياسية؟

الجواب لن يكون قانونياً فقط… بل سيحسمه أيضاً الرأي العام.