شاعرية عبدالباري المالكي المنصهرة في روح الشهيد تجعله حاضراً في قلب المشهد 

0
225

الناقد / جبار السدخان 

قراءة جمالية في قصيدة الشهيد (داوود) للشاعر عبد الباري محمد المالكي. 

للعزف على القيثار طرق ومشارب وظنون…وعندما نجح الفنان التشكيلي الهولندي( رمبرانت فان دين) في ان يكون من اعظم الفنانين في كل العصور واقدرهم على تحليل النفس البشرية والتعبير عن خفاياها وهواجسها وهمومها فكانت لوحته الشهيرة( داوود يعزف على القيثار امام الملك شاؤول) المستوحاة من الكتاب المقدس والتي تغنى بها كثير من الشعراء مثل الالماني( هيرمان كلادريوس) والدنماركي ( صوفوس ميخائيليس) والالمانيين ( شيغان جورجه) و( رينيه ماربالكه) وغيرهم….

وكذلك للعزف داخل اللغة طرق ومشارب وظنون ايضاً ..فكانت قصيدة ( الشهيد داوود) بجزئيها الاول والثاني للشاعر والناقد الادبي والقاص عبد الباري محمد المالكي الذي استلهم قصيدته من قدسية الشهادة فقد استطاع توثيق الحدث بقوة مصاحباً موسيقاه الشعرية وان يجعلنا في صميم نصه الشعري وبدرجة عالية من التفاعل والتشويق ..ولما كانت العاطفة الصادقة هي من خصائص النخبة كما يقول فكتور برومبير فقد كان الاحساس الدفين بتلك اللوعة الخفية التي تنساب مع جمال مفرداته عن لسان ام الشهيد ….( عشرون عاماً – لا اصدق- قد مضين ويا اسىً فلكم ضممتك بين اضلاعي..واخشى من دواليب الزمن).. فقد كان نص المالكي باذخاً في خياله ويقودك الى معرفة الملامح الدلالية والشكلية فيه وينقلك الى الاحساس بالغربة الروحية وبالفراق والاحلام المهدورة في استمرار التواصل…..( والذكرى تبدأ من هنا من قلبك الموءود  والمفجوع في حب الفتى داوود الله يا داوود يا طفلاً اضللهبرمشي ثم تخطفه الليالي السود..) 

لقد وظف الشاعر بنجاح كبير الرمز( الشهيد) وهو محفز اشاري للمتلقي ليملأ المسافة الشعرية دفئاً وجمالاً وينقل متلقيه في فضاءات النص الجامع للموت والشعر بدلالات وجودية وجمالية موظفاً الرؤى المقدسة..( اندب الصديق يوسف ايها الصديق افتيني برؤياي التي ما زلت اخشاها رأيت باني احمل فوق راسي خبزة التنور تاكلها طيور النور يوسف ايها الصديق ما تفسير رؤياي التي مابت اهواها)  ولما كانت الحرب لم تعد صِداماً للارادات التي تجري على الحدود فحسب بل هي الموت الذي ياكل الاخضر واليابس وتستعير تلك الحرب في ارحام الامهات دماً وشظايا وموتاً لتمتد في الازقة والطرقات والبيوت ..من هذا كان انتماء قصيدة المالكي الى درامية التعبير الشعري والذي يشحن نصه بادواته من خلال شخصين احداهما غائب يستحضره الشاعر بقوة وفق تلك الصيغة ومن خلال تقنية حوار مؤثر وببنية عميقة تحكم ذلك النص الذي ينتمي الى ( تلك النصوص الاستفزازية التي تستنطق المتلقي فتضطره الى اقتحام كل ما يسمح به هذا النص من مديات لغوية) ناهيك عن ما يتمتع به الشاعر من ذكاء وبراعة يبعثان التأمل والدهشة..

وظلت شعرية المالكي المتشظية مع اشياء الشهيد وحميمية الأم تجعله حاضراً في قلب المشهد من خلال ابراز مأساة الشهيد الغائب ملتقطاً كل التفاصيل اليومية( وحتى الدقيقة منها) الرابضة في جسد الواقع الفعلي ونقلها الى نصه الشعري الزاخر بالعذوبة والصفاء..

كما استطاع الشاعر المالكي ان يرسم صورة الموت بفعله القوي ورسم وقع الغياب تاركاً الصدى ايذاناً بحضور الدلالات موقظاً في الذاكرة الاسى والالم مشرعاً بسيل من الاسئلة…( كيف انملك الطرية اصبحت؟ و كيف ترتشف اللبن؟ او كيف تضحك لي بثغر باسم؟ وتزيح عني كل الوان الحزن………..فمتى صبياً صرت يا داوود ؟ تلعب في الشوارع لعبة الغميض  وانا اتابع ظلك الحيران يبحث عن صديق……….فهل خان الصبا يا قلب زواره؟ ) 

لم يتكأ الشاعر المالكي على العناصر الدعائية او التعبوية ( كما هو معمول به في ادب الحرب او الشهادة ) بل ابرز الشاعر المقاتل الشهيد من الناحية الفنية والجمالية وهي ميزة كبيرة تحتسب للشاعر مع بقائه اميناً في الحفاظ على القدرة الكبيرةفي ربط خيوطه الدرامية وانتقالاته ونمو وتصاعد ذلك السياق ليجعل المتلقي شاهداً على البطولة والفجيعة…وهي دعوة صادقة لكل الفنانين التشكيلين ان تساهم اناملهم وريشتهم ومخيلتهم في الغور مع احزان داوود بقصيدة المالكي لرسم سبائك اللوحات الجميلة والمعبرة عزفاً ولوناً وظلاً واشارة….

 

 

 

 

 

 

برئاسة العسومي ..المرصد العربي لحقوق الإنسان يرفض التقارير المشبوهة الموجهة ضد الدول العربية