الرئيس الفرنسي يعترف بوجود أزمة بين بلاده والمغرب و يهدد بتقييد منح التأشيرات للمغاربة بمن فيهم الشخصيات العليا ؟؟

0
195

فتحت قضية التأشيرات باب الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا، التي بدأت تفوح رائحتها بقوة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى الجزائر، لكن هذا الخلاف ليس وحده الذي استحوذ على الرأي العام في منطقة المغرب العربي، بل لاقت الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين تونس والمغرب الاهتمام نفسه، إذ وصلت الأزمة إلى حد استدعاء البلدين الشقيقين لسفرائهما من الرباط وتونس العاصمة.

لأول مرة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يكشف عن بوجود أزمة بين بلاده والمغرب حيث قال في لقاء مع قناة “فرانس 2″ أن فرنسا تعيش حالياً توتراً وأزمة مع بلدان مثل المغرب وتونس والجزائر”، وعلل أسباب الأزمة بعدم قبول استقبال المهاجرين السريين المتواجدين على الأراضي الفرنسية. 

وأشار الرئيس الفرنسي الى أن بلاده ” قامت بتشديد اللهجة مع البلدان المغاربية التي ترفض استقبال مواطنيها المتواجدين على أراضيها بطريقة غير قانونية، وأضاف: ” إذا لم تأخذوا هؤلاء الأشخاص الذين يجب أن يغادروا الأراضي الفرنسية سنواصل تقييد منح التأشيرات”.

وقدر الرئيس ماكرون، عدد المهاجرين السريين المرحلين من فرنسا إلى بلدانهم الأصلية خلال عامين الماضيين بـ 3 آلاف مهاجراً مشيرا الى أن السلطات الفرنسية رفعت من وتيرة طرد المهاجرين غير القانونيين في السنوات الأخيرة.

فتحت قضية التأشيرات باب الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا، التي بدأت تفوح رائحتها بقوة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى الجزائر، لكن هذا الخلاف ليس وحده الذي استحوذ على الرأي العام في منطقة المغرب العربي، بل لاقت الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين تونس والمغرب الاهتمام نفسه، إذ وصلت الأزمة إلى حد استدعاء البلدين الشقيقين لسفرائهما من الرباط وتونس العاصمة.

في 31 أغسطس/آب الماضي، أعلنت باريس عن نهاية العقوبة التي فرضتها في سبتمبر/أيلول 2021 على المواطنين التونسيين بتقليص نِسَب التأشيرات التي تُصدرها لهم بنسبة 30%، بعد أن وافقت الحكومة التونسية على استرداد مواطنيها الموقوفين الذين وصلوا إلى الضفة الأخرى بطرق غير نظامية. وأشادت باريس كثيرا بالدينامية التونسية في التجاوب مع الطلبات الفرنسية فيما يخص قضية الهجرة غير النظامية، مما دفعها إلى استثنائها من العقوبة التي شملت الجزائر والمغرب أيضا، اللذين لا تزال أزمتهما مع باريس قائمة في هذا الشأن.

ويبدو أن الوضع لا يزداد إلا سوءا عند المغاربة على وجه الخصوص، حيث أصبحت فرصهم لدخول فرنسا من أجل الدراسة أو العمل أو السياحة ضعيفة جدا بسبب توتُّر العلاقات. ففي تقرير لها حول القضية، نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية الكثير من القصص لمواطنين مغاربة ضاقوا ذرعا بمشكلة التأشيرة، مثل “حميد”، وهو رجل في أواخر الأربعينيات قوبل طلبه للتأشيرة بالرفض، وكان يرغب في زيارة ابنته التي تدرس بفرنسا. وتكرر الأمر نفسه مع “نادية”، موظفة مغربية بإحدى الشركات متعددة الجنسيات بالرباط، ورُفِض طلبها للتأشيرة في مرتين متتاليتين، رغم أن سفرها يدخل في إطار التكوين المهني الذي تُموِّله المؤسسة التي تعمل فيها بالكامل.

وعلى إثر ارتفاع نسبة طلبات التأشيرات المرفوضة، وشيوعها في صفوف الطبقات المتوسطة، بل وأحيانا العليا في المجتمع المغربي؛ اتخذت القضية بُعدا سياسيا، وبدأ المواطنون المغاربة يتوجهون بأسئلتهم إلى النواب المنتخبين في البرلمان المغربي لإيجاد حلول للمعضلة.

وقد نقل موقع “جون أفريك” عن “نجوى كوسكوس”، البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة (أغلبية) استغرابها من التمييز الذي يعانيه مواطنو المغرب في حين تستقبل المملكة العديد من الفرنسيين بذراعين مفتوحتين. هذا وطالبت “الجامعة المغربية لحقوق المستهلك” السفيرة الفرنسية بإعادة رسوم التأشيرات إلى الأشخاص الذين رُفِضت طلباتهم، وتُقدَّر بنحو 90 يورو للتأشيرة الواحدة. وصحيح أن التأشيرات باتت قضية رأي عام في المغرب، لكنها ليست سوى نقطة واحدة في بحر أزمة صامتة تضرب علاقات الرباط وباريس، وعنوانها الأبرز موازين القوى الجديدة في منطقة المغرب العربي.

لم يتردَّد المغرب في التصعيد ضد إسبانيا بعد أن أدخلت الأخيرة “إبراهيم غالي” في إبريل/نيسان 2021 للعلاج، حيث وصلت العلاقة بين الرباط ومدريد إلى طريق مسدود بعد أن ردَّت الأولى على استقبال أمين جبهة البوليساريو بإغلاق حركة النقل البحري للمسافرين بين المغرب وإسبانيا، مما أضرَّ بالجنوب الإسباني اقتصاديا. وقد تراجعت إسبانيا بعد مدة عن موقفها، وظهر جليا تغير لهجتها فيما يخص قضية الصحراء، كما أُطيح بـ”لايا غونثاليث” وزيرة الخارجية بعد تعديل وزاري، وهي المسؤولة بدرجة كبيرة عن التوتر بين الرباط ومدريد. ثم انتهت الأزمة بزيارة “بيدرو سانشيز” رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب في إبريل/نيسان الماضي، حيث وقَّع بيانا مشتركا فُهِم منه دعم إسبانيا لموقف المغرب بخصوص الصحراء. وقد تكرَّر الأمر نفسه مع ألمانيا التي زارت وزيرة خارجيتها “أنالينا بيربوك” المغرب مؤخرا ووقعت على بيان يشيد بمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، وجاء ذلك بعد أزمة سابقة بين برلين والرباط دفعت بالمملكة إلى تعليق التواصل مع السفارة الألمانية في مارس/آذار 2021.

بحسم واضح، يُصنِّف المغرب منذ بداية الأزمة حلفاءه وأعداءه انطلاقا من قضية الصحراء قبل غيرها، وزاد هذا التصنيف وضوحا بعد أن حصل على اعتراف أميركي بمغربية الصحراء في ديسمبر/كانون الأول 2020. وشكَّلت هذه الخطوة الأميركية مصدر إزعاج للفرنسيين، فرغم رد باريس الدبلوماسي الذي بدا مشجعا، ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي وكذلك لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، لم تطمئن فرنسا للتقارب الحاصل بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، إذ إنها تخشى تقلُّص دورها لصالح الأميركيين أو الإسرائيليين في منطقة شمال أفريقيا، لا سيما أن كليهما يمتلك ترسانة تكنولوجية وعسكرية قد تُغني دول المنطقة عن الصناعة العسكرية الفرنسية.

على صعيد الدبلوماسية، لا تنظر فرنسا بارتياح إلى التحركات الأميركية في المنطقة منذ عقود، فهي قوة دولية ينافس حضورها حضور باريس في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، ترى باريس أن من الصعب ترسيخ نفوذها وفق تصوُّرها في المغرب، إذ إن الملك محمد السادس لم يتوانَ في توضيح رفضه للوصاية الأبوية التي حاول بعض الرؤساء الفرنسيين التعامل مع المغرب من خلالها. ينطبق هذا الأمر على الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، فمنذ جلوسه على كرسي الحكم سنة 2017، لم يأبه “ماكرون” بتعقيدات هذه العلاقة، وانطلق في تعامله مع الرباط من مبدأ “الفوقية الفرنسية” الذي يحكم نظرة باريس إلى مستعمراتها السابقة، ما ساهم دون شك في تسميم العلاقات بين الإليزيه والقصر الملكي.

وبحسب مراقبين، لا تُعَدُّ أزمة التأشيرات بين المغرب وفرنسا سوى أحد التداعيات الجلية لأزمة صامتة بين البلدين لها أسباب اقتصادية أيضا بعد أن تراجعت المبادلات التجارية الثنائية، وحلَّت إسبانيا قبل فرنسا في سُلَّم الأولويات الاقتصادية المغربية. وبالإضافة إلى هذا، صار المغرب منافسا قويا للشركات الفرنسية في أفريقيا، لا سيما مع تراجع نفوذ باريس في غرب القارة، وسعي الرباط لإيجاد عُمق قاري لها يدعمها في الملفات المهمة، وعلى رأسها ملف الصحراء. ولا ننسى هنا توجه المغرب نحو العرض الصيني لتنفيذ صفقة القطار فائق السرعة بين الدار البيضاء وأكادير بدلا من العرض الفرنسي.

ورغم أن التوتر بين الرباط وفرنسا يتخذ ملامح اقتصادية بدرجة كبيرة، فلا يمكننا في الوقت نفسه إغفال جوانبه السياسية والدبلوماسية. فقد اتجه الرئيس الفرنسي “ماكرون” إلى زيارة الجزائر في 25 أغسطس/آب الماضي بعد أن ساد التوتر العلاقة بين البلدين. وحملت زيارة ماكرون أكثر من دلالة، أولا، اختياره الجزائر أول وجهة مغاربية له بعد انتخابه لولاية ثانية، بعد أن كانت الرباط القبلة الأولى للجالسين على عرش الإليزيه دوما، مما يشي بتغيُّر الأهداف السياسية والاقتصادية لفرنسا في المنطقة. وقد أَمْلت الضرورة البراغماتية على الطائرة الرئاسية الفرنسية أن تحُط الرحال في الجزائر العاصمة لأسباب عديدة، منها أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية-الأوكرانية ومحاولة التنسيق مع الحضور الجزائري بمنطقة الساحل التي تشهد انكماشا فرنسيا عقب الانسحاب من مالي.

بيد أن التقارب الفرنسي الجزائري، وإن كان مُشجِّعا للطرفين، فإنه لن يكون سهلا أبدا بسبب التحديات الكبيرة التي يواجهها، حيث إن الدعم الجزائري في مجال الطاقة سيظل محدودا للغاية بالمقارنة مع ما يحتاج إليه السوق الأوروبي، علاوة على عدم تحمُّس الجزائريين للنفوذ الفرنسي، إذ تنظر البلاد إلى المستعمر السابق بحذر شديد، كما أن باريس تظل بحاجة إلى الرباط بسبب الدور المهم الذي تلعبه المملكة في محاربة الهجرة السرية والتنظيمات “الجهادية” التي تؤرِّق أوروبا.

ما يُقال على فرنسا ينسحب بالطبع على تونس التي تجد نفسها أقرب إلى الجزائر منذ تولي “قيس سعيّد” الرئاسة. وتعيش تونس على وقع أزمة اقتصادية خانقة، حيث تجاوز دَيْن البلاد 100 مليار دولار، وتدخلت الجزائر أكثر من مرة لمساعدة جارتها اقتصاديا، فضخَّت في فبراير/شباط 2020 مبلغ 150 مليون دولار إلى البنك المركزي التونسي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 منحت الجزائر تونس قرضا بقيمة 300 مليون يورو في وقت عانت فيه الأخيرة لإيجاد الدعم المادي. ووقفت الجزائر أيضا مع تونس أثناء الجائحة في صيف 2021، فتبرَّعت لمستشفيات جارتها الشرقية بآلاف اللترات من الأكسجين بسبب تأخر الدعم الدولي. وفي يوليو/تموز 2022 فتحت الجزائر حدودها مع تونس بعد سنتين من الإغلاق، ما مكَّن 3 ملايين سائح من إنعاش السياحة التونسية المأزومة. ولذا، باتت تونس في موقف يصعب معه الحفاظ على الحياد الذي طالما تمسَّكت به.

في الأخير، وفي حال تجانست وجهات النظر بين الجزائر وتونس وفرنسا على خلفية توتُّر علاقات كُلٍّ منهما مع المغرب، سيجد المغرب أنه بصدد تحالف مقلق وإن لم يكُن بالغ الخطورة من 3 دول مهمة لأسباب جغرافية أو تاريخية منطقية، مما سيضطره إلى استدعاء تحالفات جديدة، أبرزها بالطبع علاقاته الإستراتيجية القوية بدول غرب أفريقيا، وعلاقته الجيدة الآن بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر، علاوة على الولايات المتحدة وربما إسبانيا التي تتقرب إلى الرباط الآن، فضلا عن العلاقة البنَّاءة مع تركيا صاحبة الاهتمام المتزايد بشمال أفريقيا. تتخذ الأطراف المغاربية تحالفاتها إذن بُغية فرض رؤاها والتشبث بمواقفها، ما يعني غياب أي أُفق لرأب الانقسامات في المنطقة المغاربية، على الأقل إلى حين.