كلما أراد الملياردير عزيز أخنوش تمرير قوانين أو عقد اتفاقيات تجارية أو الجواب على تطلعات الشارع المغربي يعرف مسبقا أنها ستكون مرفوضة من غالبية المغاربة سارع إلى إخراج ورقة معاداة حزب العدالة والتنمية الجاهزة مفتعلا مشاكل تافهة بهدف إلهائهم.
في الوقت الذي يُبدي فيه حزب العدالة والتنمية (معارضة) رغبة كبيرة واضحة في تهدئة الأجواء مع حكومة رجال الأعمال في المغرب بل وفي مساندته والوقوف إلى جانبه ولو بشكل غير مباشر في خصومته مع الشارع المغربي، تظهر حكومة الملياردير عداء مسرحيا لحكومة الإسلاميين السابقة.
قال رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش اليوم الإثنين أمام النواب البرلمانيين إن قطاع التعليم عرف الكثير منه التراكمات السلبية، وتخبط في وضعية مقلقة منذ سنوات، مما انعكس سلبا على تأثير المدرسة العمومية في المؤشرات الوطنية والدولية.
واعتبر في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب، والتي خصصت لموضوع التعليم، أن حكومته عندما تحملت المسؤولية وقفت على واقع مقلق، لذلك فرضت مباشرة إصلاح عميق وشمولي للقطاع.
وأشار أنه من بين هذه المؤشرات المقلقة مغادرة أزيد من 300 ألف تلميذ وتلميذة لمقاعد الدراسة سنويا، وهو ما يشكل أحد أكبر المعيقات التي تعرقل تطور المنظومة التعليمية، إلى جانب أن 70 في المائة من التلاميذ لا يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمالهم للمستوى التعليمي الابتدائي، و 10 في المائة فقط في التعليم الإعدادي.
وأضاف أن 23 في المائة فقط من التلاميذ يستطيعون دراسة نص مكون من 80 كلمة باللغة العربية بسلاسة، و30 في المائة فقط يتمكنون من قراءة نص باللغة الفرنسية مكون من 15 كلمة بسلاسة، و 13 في المائة فقط من التلاميذ يستطيعون إجراء عملية قسمة بسيطة، و 70 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعة دون الحصول على دبلوم.
وتابع ” هذا إرث متراكم من سنوات طويلة والحكومة كانت لها إرادة قوية في تجاوز تراكمات الماضي، عبرت عنها في البرنامج الحكومي الذي يضع التعليم، في صلب أولوياته باعتباره يشكل آلية لتنمية الرأس مال البشري، ورافعة لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية”.
ولفت إلى أن حكومته قامت بتسوية العديد من الملفات العالقة منذ سنوات، والتي تشكل مدخلا لإرساء نموذج للمدرسة العمومية ذات الجودة، والتي تضمن الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي.
وسجل أن الحكومة طوت صفحة أثارت الكثير من الجدل في تاريخ بلادنا، من خلال إقرار نظام أساسي موحد، لكافة نساء ورجال التعليم، يستجيب لمطالب الشغيلة التعليمية ويقطع بشكل نهائي مع ما كان يعرف بملف التعاقد.
ردود أفعال أحزاب المعارضة المغربية على تصريحات “أخنوش”..رصد موقع “المغرب الآن” الإخباري ردود أفعال أحزاب المعارضة المغربية: وبحسب الأمين العام لحزب الحركة الشعبية ، محمد أوزين “ما يقع اليوم هو ضد المنطوق الملكي” وتابع قائلاً:
من ناحية أخرى، زعيم اليسار المغربية النائبة نبيلة منيبة قائلة: أستسمح بعد حراك تعليمي غير مسبوق دام ثلاثة أشهر حول المنظومة التعليمية التي تعرف اختلالات كبيرة على مستوى الكم والكيف ، ورغم الميزانيات الضخمة التي تم اتلاف جزء كبير منها بدون محاسبة، وحيث الأرقام التي تقدمتم بها تعبر عن حجم الدمار .وتابعت قائلةً:
يقدّم قطاع التعليم العمومي في المغرب صورة دقيقة ومصغّرة لواقع الحال في البلاد، فالدراسة توقَّفت في المدارس الحكومية أكثر من ثلاثة أشهر، بسبب إضراب هيئة التدريس، بعد رفضها النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية الذي اعتمدته الحكومة على وجه الاستعجال، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد انفراد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي بترجمة مخرجات حوار، استمرّ زهاء عام، مع النقابات، إلى مواد قانونية باسم “النظام الأساسي”، كان بمثابة شرارة فجّرت طنجرة قطاع يغلي على نار هادئة، حاولت الحكومات المتعاقبة، منذ ربع قرن، ضبط حرارته قدر المستطاع.
جاء رد رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي (معارضة) رشيد حموني: الحكومة لا تتصرف إلا تحت الضغط والغرور منعها من قبول وساطة البرلمان لحل أزمة التعليم
اعتقال محمد كريمين “امبراطور بوزنيقة”..سرقة المال العام وإهداره تسببت في فقدان الشعب المغربي الأمل في المستقبل
بخلاف حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، أو “حكومة الكفاءات” كما تصِف نفسها، التي عمدت إلى تبنّي أسلوب النعامة في تعاطيها مع قطاعٍ حسّاس للغاية، بدءا من تجاهلها الوقفة الاحتجاجية لرجال التعليم ونسائه، يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للمدرّس، التي اعتبِرت حينها رسالة واضحة ومباشرة إلى من يهمّه الأمر. ثم أعقب ذلك نشر الحكومة النظام الأساسي في الجريدة الرسمية، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول؛ أي بعد أربعة أيام فقط على واقعة الاحتجاج الوطني، من دون أدنى اعتبار للمؤاخذات المسجلة عليه من أصحاب المهنة.
بهذه الخطوة، تكون الحكومة قد فتحت الباب على المجهول، في قطاع يضم قرابة 300 ألف شخص، حيث تسبّبت باحتقان غير مسبوق في قطاع التربية الوطنية، منذ تولّي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، وقوّضت واحدةً من ركائز تعزيز بناء الدولة الاجتماعية في المغرب. غليان زادت حدّته بفعل الأساليب المستخدمة منها في معركة تكسير العظام، لثني المضربين عن ممارسة حق دستوري (الفصل 29)، فتعرّضت مظاهرات ومسيرات رجال التعليم ونسائه للقمع والعنف المادي والمعنوي، واتُهِمت التنسيقيات (23) التي تقود المعركة بالتخوين والولاء لجهات معينة، وبلغ الأمر مداه بالإقدام على الاقتطاع من أجور المضربين، بالرغم من النقاش القانوني بشأن مدى مشروعية قيام الدولة بهذا الإجراء؟
” لقجع ” يحسم مصير وليد الركراكي بعد الخروج المبكر من “كان”من “دون الكشف عن مكامن الخلل” أو أسباب “الإخفاق الكبير”
فشِل رهان الحكومة على سياسة التجاهل، في انتظار تحوّل النظام الأساسي الجديد إلى أمر واقعي على هيئة التدريس القبول به، خصوصا بعد بلوغ الأخيرة نقطة اللاعودة إلى الأقسام والمؤسّسات إلا بعد إسقاط نظام لا يتردّدون في وسمه بـ”نظام المآسي”، ما اضطرّها، تحت ضغط جمعيات أمهات التلاميذ وآبائهم وأوليائهم، إلى التحرّك لوضع حدّ للزمن المدرسي المهدور، فاقترحت في شخص رئيسها على النقابات تجميد النظام الأساسي، في اجتهاد قانوني بلا نظير؛ فلا معنى لكلمة تجميد في القانون، مع إقرار زيادة في الأجر حُدّدت في 1500 درهم (150 دولارا)، وكأنها تريد إثبات أن جوهر معركة نساء التعليم ورجاله ليس حول إصلاح المدرسة العمومية، بقدر ما هو سعي نحو مطالب مادّية صرفة.
بالموازاة مع ذلك، عملت الوزارة الوصية، ومن منطلق سياسة الترقيع، على إطلاق مبادرة تُظهر حجم الارتجالية في تسيير المسألة التربوية، تتعلق ببرنامج الدعم التربوي لفائدة التلاميذ في المؤسّسات العمومية بمختلف جهات المملكة، خلال أسبوع العطلة البينية، رغبة في طمأنة الأسر المغربية بأن الزمن المدرسي محفوظ. خطوة، وعكس ما أريدَ لها، زادت الطين بلّة، حين بيّنت درجة الاستهتار بتعليم بنات المغاربة وأبنائهم. كما كشفت منسوب التخبّط في دواليب وزارة التربية الوطنية، بإسناد عملية الدعم إلى جمعياتٍ مدنيةٍ بعيدة عن الشأن التربوي، وفق ما أكّد ذلك سؤال شفوي لبرلماني من المعارضة في مجلس النواب، تحدّث عن تولي جمعية لتربية المواشي القيام بهذه المهمة؟!
ما يجري في قطاع التعليم عيّنة عن أحوال المغرب، فأولاد الطبقات الميسورة على وشك إتمام نصف الموسم التعليمي، وفق الجدولة الزمنية المحدّدة مطلع العام الدراسي، بدروسه وأنشطته واختباراته وعطله. بينما أبناء الفقراء هائمون في الشوارع، فدفاترهم وكراريسهم لا تزال تحتفظ ببريقها بسبب قلة الاستعمال. يا تُرى، هل تقبل الدولة بكل هذا الزمن المدرسي المهدور، لو كان أبناء المغاربة وبناتهم جميعا يلجون المدرسة نفسها؟ لا يحتاج السؤال إلى جواب، لكنه يؤكد حقيقة غياب العدالة في استحقاق المواطنين لخدمات القطاعات الاجتماعية بالبلد، كالتعليم والصحة والنقل… رغم إمعان المسؤولين باستمرار في إنكار ذلك. باختصار، يعيش المغاربة في مغربين متوازيين: مغرب النخبة (الأقلية) ومغرب الشعب (الأكثرية).
تعكس تطورات ملفّ التعليم أزمة ثقة كبيرة في المؤسّسات بالمغرب، فالوزارة، وبعيدا عن النقابات، انفردت في المرحلة الأخيرة بهندسة نظام أساسي على المقاس. ورئيس الحكومة الذي طالَب هيئة التدريس بالثقة فيه، داعيا إياها إلى “إعمال النية”، لم تتردّد حكومته في اقتطاع مبالغ مهمة من رواتب المضربين نهاية الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، في خطوة تُناقِض تماما ما يدعو إليه زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان شعاره “تستحِقّون أحسن” في الانتخابات التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة.
فضحت أزمة قطاع التعليم ما يروج من سردياتٍ عن النخب التكنوقراطية التي لا تعرف الفشل، فوزير التربية والتعليم شكيب بنموسى نموذج عن هذه النخبة. فقد تولى وزارة الداخلية في حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي (2006 – 2010)، وأشرف على رئاسة لجنة إعداد النموذج التنموي، وشغل منصب سفير المغرب في فرنسا… فضلا عن مسؤوليات إدارية أخرى تطغى فيها لغة التعليمات والأوامر، بخلاف ما يقتضيه الحال في قطاعاتٍ حسّاسة، كالتعليم والصحة وغيرهما، حيث يتداخل السياسي بالاجتماعي بمتغيرات أخرى تغيب عن بال نخبة رأسمالها عُدة نظرية من دون أي خبرة ميدانية.
انقضى النصف الأول من ولاية حكومة الملياردير عزيز أخنوش التي رفعت شعار “الدولة الاجتماعية”، مع عشرات من الوعود لا تزال معلقة، بما في ذلك الوعد بتعبئة المنظومة التربوية، بكل مكوناتها، قصد تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا، فأين هذه الأماني أمام كل هذا الاستهتار بالزمن المدرسي المهدور، حتى بات شبح سنة بيضاء يطلّ في الأفق، إن لم تراجع الحكومة حساباتها جيدا قبل فوات الأوان؟