أثار إعلان نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى في المغرب لعام 2024 موجة من الجدلإحصاء 2024: أزمة سكانية أم مرحلة طبيعية؟ حزب العدالة والتنمية يطلق تحذيراته والتشكيك في الأرقام المعلنة. فبينما أشارت السلطات إلى أن عدد سكان البلاد بلغ نحو 36.8 مليون نسمة بزيادة 8% عن إحصاء 2014،
اعتبر العديد من المواطنين والمدونين أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، ما يثير أسئلة جوهرية حول دقة الإحصاءات ومدى تأثيرها على السياسات العامة.
تراجع مستمر: قراءة في الأرقام
وفقًا للبيانات الرسمية، تراجعت معدلات النمو السكاني بشكل ملحوظ، إذ انخفضت من 2.6% بين 1960 و1982 إلى 1.25% بين 2004 و2014، ثم إلى 0.85% بين 2014 و2024.
هذا التراجع يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة: ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الانخفاض؟ وهل يعكس هذا التراجع تغييرات هيكلية في المجتمع المغربي أم أنه نتيجة لسياسات حكومية محددة؟
انعدام الثقة في الأرقام الرسمية
مع تزايد الشكوك حول دقة الأرقام، عبّر العديد من المدونين عن دهشتهم من أن عدد السكان لا يتجاوز 37 مليون نسمة، بينما كانت تقديرات سابقة تتحدث عن 40 مليون نسمة.
هذه الفجوة بين الأرقام والتقديرات تطرح أسئلة حول أسباب هذا التضارب ومدى تأثيره على ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية.
أحد المدونين، محمد ياسين، تساءل: “هل السبب هو قلة الولادات وارتفاع الوفيات؟ الهجرة؟ أم هناك شيء آخر؟”.
وقال “هل السبب قلة الولادات وارتفاع الوفيات؟ الهروب من الوطن؟ غياب دقة في الإحصاء؟ أم هناك شيء آخر”.
.وأشار مصطفى “زبناء شركة اتصالات المغرب وحدهم تجاوزوا 40 مليون مشترك، بينما الإحصاء لم يتجاوز 36 بالرضع والكواهل والعجزة”.
وتابع “الحكومة تشير إلى استفادة أكثر من 40 مليون من برامجها المهم شي حاجة ماشي هي هاديك”، أي المهم هناك شيء غير صحيح في الموضوع.
وتفاعل الصحفي رضوان الرمضاني بسخرية مع النقاش، مرجحا أن يصل عدد ساكنة المغرب إلى 80 مليون بالنظر إلى ازدواجية مواقفهم.
وتساءل في تدوينة أخرى عن الأسباب التي قد تفع الدولة إلى إخفاء العدد للمغاربة.
في المقابل، دعا الصحفي عبد الله ترابي إلى التعامل مع الأرقام بشكل موضوعي، مشيرًا إلى أن المغرب يمر بتحولات مشابهة لتلك التي شهدتها دول متقدمة مثل اليابان وروسيا.
وتابع “هذه الأرقام (نتيجة الاحصاء) هي حصيلة التمدن والاختفاء التدريجي للعالم القروي وتحول البنيات الأسرية من عائلات ممتدة ومتفرعة الى عائلات لا يتجاوز عدد أفرادها الثلاثة أو الأربعة ( نسبة الخصوبة) والفردانية بسلبياتها وايجابياتها، وتحديث الاقتصاد وعلمنة المجتمعات”.
بدوره،كشفت الصحفي يونس مسكين شكوك المدونين في النتائج نفسها “تراجعا خطيرا” في منسوب ثقة المواطنين المغاربة في مؤسسات بلادهم.
وقال موضحا “الدليل، لمن يحتاج إلى مزيد أدلة، هو رد الفعل هذا الذي تابعناه في اليومين الماضيين، بعد الإعلان (بطريقة مريبة) عن عدد السكان القانونيين للمغرب، بناء على نتائج الإحصاء الذي أجري طيلة شهر شتنبر الماضي، والذي ينمّ عن تشكيك كبير وغياب للثقة”.
تحذيرات من حزب العدالة والتنمية
في هذا السياق، حذر حزب العدالة والتنمية من التراجع في معدلات الخصوبة، مؤكدًا أن استمرار هذا المنحى قد يؤدي إلى نتائج سلبية على التوازن الديموغرافي في المملكة. وأشار الحزب إلى أن تراجع معدلات الخصوبة من 7.2 في الستينيات إلى 2.1 في إحصاء 2024 يعكس تغيرات عميقة في البنية الأسرية والمجتمع. هل يمكن أن تكون هذه التغيرات مؤشرًا على ضعف السياسات الداعمة للأسرة، أم أنها انعكاس للتحولات الاقتصادية والاجتماعية؟
تحديات ودعوات للحلول
دعا حزب العدالة والتنمية الحكومة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز مؤسسة الأسرة وتشجيع الزواج والإنجاب لمواجهة التحديات الديموغرافية. وأكد الحزب على ضرورة مواجهة الدعوات التي تستهدف تقليص دور الأسرة التقليدية في المجتمع. السؤال هنا: هل ستستجيب الحكومة لهذه الدعوات، أم ستعتبرها جزءًا من خطاب المعارضة السياسي؟
أثر التمدن وتحولات المجتمع
يرى بعض المحللين أن التحولات في معدلات الخصوبة ترتبط بشكل كبير بالتمدن وتغير نمط الحياة، حيث أصبحت العائلات الصغيرة والفردية أكثر شيوعًا. وأوضح الصحفي يونس مسكين أن ردود الفعل الشعبية تشير إلى تراجع خطير في الثقة بالمؤسسات، مما يعكس تحديًا إضافيًا للحكومة في تحسين شفافيتها وتعزيز مصداقيتها.
تساؤلات حول المستقبل
يبقى السؤال الأهم: كيف ستؤثر هذه التغيرات على مستقبل المغرب؟ هل سيتمكن البلد من مواجهة تحديات النمو السكاني الضعيف؟ وكيف ستنعكس هذه التحولات على السياسات الاجتماعية والاقتصادية؟
في النهاية، تظل قضية تراجع الخصوبة والتحديات السكانية في المغرب موضوعًا يتطلب نقاشًا مستفيضًا وحلولًا جذرية لضمان مستقبل مستقر ومزدهر.