كلميم تحت المقصلة: هل نحن أمام محاكمة للفساد أم تصفية لحسابات سياسية؟

0
236

 في مشهد غير مسبوق، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، بتاريخ 4 أبريل 2025، أحكاماً بالسجن والغرامة في حق عدد من المسؤولين والمنتخبين في جماعة كلميم، من بينهم رئيس الجماعة الحالي، بعد إدانتهم بتهم تبديد واختلاس أموال عمومية خلال فترة تسيير سابقة.

وإن كانت الأحكام قد استجابت جزئياً لتطلعات الرأي العام في مساءلة المتورطين في قضايا المال العام، إلا أن توقيت هذه المحاكمة، وسياقها السياسي والاجتماعي، يدفعان إلى طرح أسئلة مشروعة تتعلق بحدود استقلالية القرار القضائي، وطبيعة المنظومة القانونية والرقابية، وإمكانات تعزيز ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة في البلاد.

أحكام ثقيلة… لكنها لا تُغلق الملف

تراوحت الأحكام بين خمس سنوات سجناً نافذاً وغرامات مالية مرتفعة (100 ألف درهم)، إلى عقوبات أخف موقوفة التنفيذ مع تعويضات مدنية بلغت 10 ملايين درهم لفائدة المطالب بالحق المدني.

القضية، في جوهرها، تعود إلى فترة تسيير جماعة كلميم خلال عهد الراحل عبد الوهاب بلفقيه، إلا أن تحريك الملف ومحاكمة مسؤولين حاليين وسابقين، وعلى رأسهم رئيس الجماعة الحالي المنتمي لحزب سياسي مشارك في الحكومة، يفتح الباب أمام قراءة متعددة الأبعاد.

الفساد الإداري… بين القانون والممارسة

بعيداً عن الطابع القضائي المحض، تكشف القضية عن تحديات هيكلية عميقة تواجهها الجماعات الترابية في المغرب، تتجلى في:

ضعف آليات الرقابة الداخلية.

تعقيد مساطر الصفقات العمومية.

هشاشة آليات التتبع والتقييم.

تداخل المصالح الشخصية مع المصلحة العامة في غياب ضوابط فعالة.

وهنا تُطرح تساؤلات جوهرية:

هل تنبع هذه القضايا من خلل في التشريع أم من ضعف في تطبيق القانون؟

وهل تعكس هذه المحاكمة بداية تغيير جذري، أم أنها استثناء فرضه الضغط المدني والإعلامي؟

دور المجتمع المدني: رافعة يقظة… أم صرخة في الظلام؟

الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام كان له دور بارز في تحريك الملف، بعد أن تم حفظه في مرحلة سابقة. الجمعية، عبر مسار قانوني ومؤسساتي، راسلت رئاسة النيابة العامة مطالبة بإعادة فتح الملف، وهو ما تم بالفعل، مما يعكس أهمية المجتمع المدني في دعم الشفافية وتعزيز ثقافة الرقابة المجتمعية.

لكن هذا يثير سؤالاً أكبر:

هل يتوجب دائماً انتظار المبادرات المدنية لتحريك المتابعات؟

وأين هي الأجهزة الرقابية الرسمية، ومآلات تقاريرها وملاحظاتها؟

بين الرؤية السياسية واستقلال القضاء

ينبغي التمييز بين وظيفة القضاء، الذي يُفترض فيه الحياد والاحتكام إلى القانون، وبين ما يُثار أحياناً من قراءات سياسية لمثل هذه الملفات، خصوصاً إذا ارتبطت بشخصيات حزبية أو صراعات محلية.

وهنا وجب التأكيد على ضرورة احترام مبدأ قرينة البراءة، ومتابعة هذه الملفات دون توظيف أو تأويلات تمس بحرمة المؤسسات وسمعة الأشخاص، مع ضرورة تعزيز ثقة المواطن في أن العدالة تُمارَس بنزاهة واستقلالية.

الرسائل غير المعلنة: محاسبة أم إشارة إصلاح؟

سواء كانت هذه الأحكام تحمل بُعداً سياسياً أو قضائياً صرفاً، فإنها تسائل واقع التدبير العمومي في العديد من الجماعات الترابية. كما أنها تسلط الضوء على الحاجة إلى مراجعة شاملة للآليات المؤسساتية التي تنظم العلاقة بين المسؤول المنتخب، والمال العام، ومبدأ المساءلة.

ويبقى السؤال العريض:

هل تشكّل كلميم بداية مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

أم أن الأمر يتعلق بملف محدد لن يفتح الباب لمراجعة شاملة للمنظومة؟

خاتمة: نحو دولة الحق والمؤسسات

قضية كلميم لا تُختزل فقط في أرقام وجزاءات، بل في الرسائل التي تبعثها لمجتمع أنهكته قضايا التسيير غير الرشيد. وهي دعوة واضحة إلى:

تعزيز شفافية الجماعات الترابية.

تفعيل آليات الوقاية من الفساد وليس فقط العقاب بعد وقوعه.

دعم استقلال السلطة القضائية عن أي تأثير أو ضغط.

تثمين دور المجتمع المدني كشريك لا كمنافس في حماية المال العام.

إن ما وقع في كلميم، سواء اعتبرناه محاكمة نموذجية أو لحظة استثنائية، يبقى جرس إنذار يوجب التفكير في إصلاحات عميقة تعيد للمواطن ثقته في مؤسساته، وتُثبت أن لا أحد فوق القانون.