غزة والمجاعة في مرآة طلال أبوغزاله: عندما ينهار الخطاب الغربي وتسقط منظومة الأخلاق الدولية

0
126

في مقالٍ عاصف اللهجة، يرسم المفكر والاقتصادي الأردني طلال أبوغزاله صورة دامغة لانهيار المعايير الأخلاقية والقانونية التي تتغنى بها الدول الغربية، أمام مشهد المجاعة والدمار في غزة. بعيدًا عن لغة الدبلوماسية الباردة، يصرخ أبوغزاله من قلب الحدث الأخلاقي: “غزة اليوم تغرق في كارثة إنسانية تفوق التصور”، متهمًا القوى الكبرى بالتواطؤ العلني والصامت في آنٍ واحد مع ما وصفه بالمجزرة المستمرة.

المقال، الذي لا يخلو من المرارة والسخرية السوداء، يضع العالم أمام مرآة قاسية، يتساءل من خلالها: هل لا تزال هناك جدوى من الحديث عن “حقوق الإنسان” و”الكرامة” و”سيادة القانون” بينما يُدفن الأطفال تحت الأنقاض بأسلحة تحمل أختام الديمقراطيات العريقة؟ وهل يمكن لمن يموّل القاتل أن يدّعي الحياد؟

في قراءتنا لهذا المقال، نلمس نبرة اتهام واضحة للغرب، ليس فقط بالصمت، بل بالمشاركة المباشرة عبر الدعم العسكري والسياسي والمالي. يستخدم الكاتب تعبيرات لاذعة مثل: “دعم علني ومخزٍ لكيان لا يكلّ عن القتل”، في إشارة إلى ما يعتبره انحيازًا فاضحًا للاحتلال الإسرائيلي، يقابله خذلان تام لغزة وسكانها المحاصرين بالجوع والقصف.

وفي قلب هذه الصرخة، يثير أبوغزاله تساؤلات وجودية:

  • هل أصبح التعبير عن التعاطف مع غزة جريمة؟

  • هل تواطؤ المؤسسات الدولية جزء من صفقة صمت عالمي؟

  • ما الذي تبقى من المجتمع الدولي إن كانت المساعدات تُستخدم كسلاح لتجويع الناس؟

ولعل أخطر ما يتطرق إليه أبوغزاله هو ربطه بين أدوات التمويل الغربي ومنظمات المجتمع المدني، حيث يرى أن الممولين باتوا يفرضون قيودًا سياسية على التمويل، تصل إلى حد معاقبة من يتعاطف مع مقاومة الاحتلال أو يرفض إدانتها.

ثم يذهب أبعد من ذلك، حين يصف ما يحدث بأنه فضيحة أخلاقية مكتملة المعالم، و”لحظة سقوط جماعي لنظام يدعي حماية الحقوق بينما يسمح للقاتل أن يواصل فعله بكل وقاحة”، وهي لغة لا تقف عند حدود النقد، بل تُحمِّل العالم مسؤولية العار الجماعي.

في ما يلي، نص المقال الكامل لطلال أبوغزاله كما ورد:

غزة تواجه المجاعة والخذلان

الخطاب الغربي عن حقوق الإنسان ينهار عند أول حاجز عسكري لجيش الاحتلال في القطاع، وما ترفعه العواصم الغربية من شعارات رنانة ومبادئ مصقولة يصطدم بجدار الدم والرماد والحصار والدعم العلني والمخزي لكيان لا يكلّ عن القتل.

وبينما تتحدث الدول الكبرى عن الكرامة والعدالة وسيادة القانون، فهي تمضي في إرسال السلاح شحن تلو الأخرى إلى الكيان الصهيوني غير آبهين بالتقارير الميدانية التي ترصد بدقة سقوط الأطفال واختناقهم تحت أنقاض البيوت التي تمطرها طائرات الاحتلال بأسلحة محظورة.

غزة الجريحة تحولت إلى مدينة أشباح، الموت فيها مشهد يومي، والبنية التحتية تهدمت بالكامل، والمشافي خرجت عن الخدمة، والمدارس صارت خرائب، وأنابيب المياه انفجرت، والكهرباء غابت. وكل هذا يجري أمام عيون العالم الذي لا يكتفي بالصمت، بل يمد القتلة بالمبررات وبالدعم السياسي والمالي، متسائلًا بوقاحة عن أسباب الغضب الفلسطيني.

واشنطن استخدمت الفيتو عدة مرات لإسقاط قرارات تطالب فقط بوقف النار؛ فهل هذا دفاع عن النفس أم مشاركة موصوفة في المجزرة؟ وهل هناك في الأخلاق والسياسة ما يبرر هذا الانحياز الفاضح لمحتل يمعن في الفتك تحت غطاء الشرعية؟

في المقابل، تتعرض منظمات المجتمع المدني لضغوط خانقة من الممولين الغربيين الذين يفرضون عليها أن تصمت عن الكيان الصهيوني، بل وأن تدين أي مقاومة للاحتلال. ومن لا يلتزم بذلك يجد تمويله مجمداً ونشاطه مهدداً. وبينما يتم قمع الأصوات الغربية المتضامنة مع غزة تحت ذريعة معاداة السامية، أصبح التعبير عن الرفض جريمة، والإعجاب بمنشور إنساني سبباً للطرد أو الملاحقة.

غزة اليوم تغرق في كارثة إنسانية تفوق التصور. فتسعون بالمئة من السكان يعيشون بلا أمن غذائي، ومئات الآلاف على حافة المجاعة، والأطفال يموتون بصمت، والماء ملوث، والدواء ممنوع، والمعابر مغلقة، والمساعدات تُستخدم كسلاح إضافي لإخضاع الناس وتجويعهم، والهيئات الدولية لا تتجاوز حدود التنديد الروتيني، وكأنها غير معنية إلا بمظاهر الحياد البارد.

ما يجري ليس أزمة عابرة، بل فضيحة أخلاقية مكتملة المعالم، وامتحان لاختبارات العدالة الدولية التي لم تنجح يوماً في فلسطين. بل إنها لحظة سقوط جماعي لنظام يدّعي حماية الحقوق بينما يسمح للقاتل أن يواصل فعله بكل وقاحة.

من يصمت اليوم على ما يحدث في غزة، سيقف غداً في وجه مرآة الحقيقة ملوثاً بالعار، إذ لا تسويات تغسل الدم، ولا مصالح تبرر هذا الخراب الكامل.