نتنياهو بين حرب الوجود وحسابات الاستنزاف: من يربح في معركة “التهديدين الوجوديين”؟

0
117

قراءة في التصعيد الإيراني الإسرائيلي وسياقاته الدولية العميقة

في اليوم السادس من المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليؤكد، بنبرة ظاهرها الصلابة وباطنها القلق، أن بلاده “تتكبد خسائر مؤلمة”، لكنها تظل “قوية وصامدة”.

ورغم أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يحمل لغة الحرب النفسية والهجومية (“نُسيطر على سماء طهران” – “نهاجم المنشآت النووية ومراكز القيادة”)، إلا أن الواقع الميداني والدولي يطرح تساؤلات جادة:

هل إسرائيل بصدد القضاء فعلاً على “التهديدين الوجوديين” كما وصفهما نتنياهو (النووي والصواريخ الباليستية)، أم أنها دخلت حرب استنزاف مفتوحة مع لاعب إقليمي عنيد وسط بيئة دولية مشتعلة ومقسّمة؟

ما خلف خطاب القوة؟ قراءة بين السطور

نتنياهو، بخطابه، يحاول تسويق الحرب كجزء من “مشروع خلاص قومي”، محاولًا تحويل المواجهة إلى معركة بقاء لا تقبل التراجع. هذا النوع من الخطاب يتكرر في أوقات الأزمات الوجودية في إسرائيل، خاصة عندما تتشابك عدة جبهات في وقت واحد:

  • التصعيد في غزة، الذي ما زال مشتعلًا، مع تعهدات بهزيمة حماس واستعادة الرهائن،

  • والانخراط المباشر في مواجهة مع إيران، العدو الاستراتيجي الأخطر.

لكن خلف هذا الخطاب، هناك مفارقة واضحة: إسرائيل تعلن سيطرتها على أجواء طهران، بينما تستمر الضربات المتبادلة بشكل يومي منذ ستة أيام، ما يكشف أن السيطرة – إن وجدت – هي جزئية أو رمزية أكثر منها عملياتية كاملة.

التصعيد الإيراني: رسائل مزدوجة للداخل والخارج

في المقابل، جاء رد المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي بنفس الروح التحدّية، رافضًا الدعوة إلى الاستسلام التي نقلها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب. خطابه حمل رسائل مزدوجة:

  1. للداخل الإيراني: تأكيد على الثبات والسيادة الوطنية ورفض الضغوط الغربية.

  2. للمجتمع الدولي: تحذير من أن أي تدخل أمريكي سيُقابل برد قاسٍ، في لحظة دولية لا تتحمّل جبهات مشتعلة إضافية.

وهنا يمكن قراءة الموقف الإيراني ضمن استراتيجية “الصبر الهجومي” التي تعتمدها طهران منذ سنوات، مستفيدة من شبكة تحالفات إقليمية (حزب الله، الحوثيين، بعض الفصائل العراقية…)، ما يجعل من أي حرب مباشرة مع إيران حربًا غير متوازنة وغير تقليدية، كما يُجمع عدد من التقارير الاستخباراتية الغربية (انظر تقارير RAND، ومراكز تحليل مثل International Crisis Group).

إلى أين تتجه المواجهة؟ وما موقف القوى الكبرى؟

وسط هذه المواجهة، يبدو أن الولايات المتحدة، رغم دعمها التقليدي لإسرائيل، لا تريد انزلاقًا أعمق، خصوصًا في ظل انشغالها بالحرب في أوكرانيا والتوترات في بحر الصين. أما الاتحاد الأوروبي، فموقفه مشتت، بين دعم أمن إسرائيل والدعوة إلى ضبط النفس خشية تداعيات اقتصادية وأمنية أوسع.

والسؤال المطروح هنا:

هل تحولت إسرائيل إلى أداة ضغط في حرب كبرى غير مُعلنة بين واشنطن وطهران؟ أم أنها تخوض معركتها وفق منطق الدفاع عن الذات والردع الاستباقي؟

الخلاصة: من يمتلك زمام المبادرة فعلاً؟

بين من يعلن السيطرة على سماء طهران، ومن يهدد بجعل أي تدخل “مدمرًا ولا يُعوض”، يبقى واقع الأرض مختلفًا. فالضربات مستمرة، والخسائر تُسجل على الجانبين، والأسواق الدولية تتابع بقلق، وسط تساؤلات جدية:

  • هل هذه المواجهة محدودة زمنياً، أم بوابة لحرب إقليمية أشمل؟

  • ما حجم التنسيق الروسي – الإيراني، في ظل التوتر بين روسيا والغرب؟

  • هل تستغل الصين هذا الانشغال لتكريس نفوذها في شرق آسيا؟

  • والأهم: هل تستطيع إسرائيل، بكل ما تملكه من دعم عسكري واستخباراتي، تحمّل تكلفة حرب طويلة المدى ضد إيران دون الدخول في عزلة دولية متزايدة؟

المعركة لم تنتهِ بعد، لكن خطاب نتنياهو اليوم يكشف أن إسرائيل لم تعد تخوض فقط معارك تكتيكية، بل معركة رواية وجودية قد تعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط، أو تُسرّع من فوضاه.