في مشهد ينضح بالكرامة والغضب السلمي، خرجت ساكنة تانويست، التابعة لجماعة تويزكي، عن صمتها، لتخوض وقفة احتجاجية حاشدة ضد ما وصفوه بـ”محاولات ممنهجة للاستيلاء غير المشروع على أراضيهم”، في منطقة تعتبر من آخر ما تبقى من صروح الحوزة العقارية التاريخية لقبائل أيت أسا.
الوقفة التي قادتها نساء وأطفال وشيوخ مرابطين، لم تكن مجرد فعل احتجاجي عابر، بل جاءت في سياق تصاعد موجات مماثلة في مناطق تفليت، إسرير، طانطان وسيدي إفني، ما يطرح سؤالًا أساسيًا:
هل نحن أمام نمط منظم للاستحواذ على الأراضي الرعوية والتاريخية في الجنوب، يُدار بصمت السلطات أو تواطؤ بعض المنتفعين؟
تحدث المحتجون عن “عصابات الأرض” بلغة واضحة لا لبس فيها، مؤكدين أن ما يجري ليس خلافًا عقاريًا عاديًا، بل “غزو قانوني مقنع” يتسلل عبر الثغرات الإدارية وغياب التوثيق، مستفيدًا من هشاشة الوضع الاجتماعي، وضعف التمثيلية القانونية لأصحاب الحقوق التاريخية في هذه المناطق.
مأزق الدولة: هل تتحرك لحماية الحقوق الجماعية أم تواصل سياسة الإهمال؟
تطالب الساكنة، التي عبّرت عن استعدادها للتصعيد السلمي، بتدخل مباشر وفوري من السلطات المركزية والجهوية لوقف هذا النزيف العقاري. وهذا يفتح الباب أمام تساؤل مركزي: إلى أي حد تستطيع الدولة حماية الأراضي الجماعية من أطماع لوبيات العقار، في ظل غياب واضح لتحيين السجلات العقارية وتوثيق الأملاك التاريخية؟
وبينما تلقى هذه التحركات صدى واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، يبقى الإعلام الوطني شبه غائب عن تغطية هذه القضايا، وهو غياب يُسائل التوازن الإعلامي والاهتمام بالمناطق الهامشية.
أبعاد أبعد من العقار: المسألة هيمنة أم إعادة توزيع قسري؟
يرى متابعون أن ما يجري ليس مجرد نزاع على الأرض، بل انعكاس لتحولات بنيوية في علاقة المركز بالأطراف. فإضعاف التحكم المحلي في الأراضي، خاصة تلك التي تعود ملكيتها للجماعات السلالية أو التاريخية، يُنذر بتحول خطير نحو “خصخصة صامتة” للموارد، على حساب السكان الأصليين.
وهنا يبرز تساؤل حاسم: هل تمتلك السلطات الجهوية والمحلية الإرادة والقدرة لكسر نفوذ شبكات الاستيلاء، أم أن الأمر يتطلب مراجعة وطنية شاملة لسياستها العقارية؟
خلاصة: الجنوب يحترق بصمت.. فمن ينقذ الأرض من أنياب السوق؟
ليست هذه الوقفة إلا حلقة في سلسلة صراعات غير متكافئة، بين ساكنة تسعى لصيانة حقوقها التاريخية، ولوبيات استثمارية تستغل هشاشة القوانين وتعدد المرجعيات. فإما أن تعيد الدولة الاعتبار للمُلك الجماعي وتفعل آليات الرقابة العقارية، أو تترك الجنوب مفتوحًا أمام زحف السوق والعنف الرمزي.
هل ستُترجم النداءات المرفوعة في تويزكي إلى قرارات رسمية توقف هذا التلاعب؟ أم أن الصمت سيكون بوابةً لمزيد من النهب المنظم؟