أزمة الكهرباء الكبرى في إيبيريا… هل أنقذ المغرب أوروبا من “هجوم غير معلن”؟

0
123

في دقائق معدودة، انطفأت شبه الجزيرة الإيبيرية، وساد الهلع بين سكان إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا. لكن في زحمة الظلام، كان هناك منار واحد ظل مضيئًا ومستعدًا: المغرب.

الاثنين 28 أبريل، تمام الساعة 10:33 صباحًا بتوقيت غرينتش، انهار النظام الكهربائي في أجزاء واسعة من إسبانيا والبرتغال، وأصاب الشلل البنى التحتية الحيوية، من المستشفيات والمترو إلى إشارات المرور والبنوك. وفي حين سارعت الحكومتان لطمأنة السكان، طفت على السطح أسئلة أخطر من تلك التي طُرحت رسميًا:

هل كان ما حدث مجرد خلل تقني أم عملية مدروسة؟ ومن الذي استفاد من هذا “الخلل”؟

سقوط كهربائي صاعق… و”رد مغربي برقّي”

أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن البلاد فقدت 15 غيغاواط من إنتاج الكهرباء في خمس ثوانٍ فقط – ما يعادل 60% من الطلب الوطني. أما رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو فأكد أنه “لا توجد مؤشرات على هجوم إلكتروني”، رغم اعترافه بعدم استبعاد الفرضيات. في المقابل، لجأ سانشيز مباشرة إلى الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، في مشهد غير مألوف يشير إلى احتمال “خطر من خارج أوروبا”.

في خضم هذا الإرباك، برز المغرب كرقم صعب. فبينما كانت شبكات الطوارئ الأوروبية تحاول احتواء الكارثة، كانت محطات الكهرباء المغربية – الفحمية والغازية – تُعيد التوازن إلى الشبكة الإيبيرية عبر الكابلات البحرية القادمة من طنجة. لم يكن ذلك تدخلاً تقنيًا عاديًا، بل “قرارًا استراتيجيًا” اتُخذ بسرعة، أنقذ الموقف في لحظة فراغ كهربائي غير مسبوقة.

هل هناك من أراد اختبار الهشاشة الأوروبية؟

لم يكن هذا أول تحوّل دراماتيكي في توازنات الطاقة المغاربية. ففي 2021، قررت الجزائر وقف تزويد المغرب بالغاز الطبيعي عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي. ردّت الرباط يومها بهدوء تقني وحنكة سياسية، إذ نسّقت مع مدريد عكس اتجاه الأنبوب، ليتحول الغاز الطبيعي المسال إلى المغرب عبر نفس البنية التحتية التي كانت تصب فيه قبل سنوات.

فهل يُعقل أن تكون هذه السابقة قد فتحت شهية بعض الفاعلين الجيوسياسيين لاختبار التحالف المغربي-الإسباني الجديد؟

وهل كانت أزمة 28 أبريل “مجرد خلل”، أم رسالة خفية من جهة تعتبر أن المغرب لم يعد مجرد مستورد، بل فاعل طاقي مقلق في المعادلة الأوروبية؟

الخلل في فرنسا؟ أم على مستوى أعمق؟

مشغّل الشبكة الإسباني (REE) ألقى باللوم على خلل في الاتصال مع فرنسا، ما تسبب في سلسلة من الأعطال و”انفصال الشبكة الفرنسية-الإسبانية”. أما مشغل الشبكة البرتغالي (REN)، فصرّح أن ما حدث هو “تذبذب كبير جدًا في الجهد الكهربائي بدأ في النظام الإسباني ثم امتد إلى البرتغال”.

لكن اللافت أن وسائل الإعلام بدأت تتحدث عن فرضية “التخريب” أو “الهجوم غير المعلن”، خاصة بعد تواصل سانشيز مع الناتو.

فإذا كانت شبكة كهرباء بحجم أوروبا تنهار في خمس ثوانٍ، فذلك يعني شيئًا واحدًا: أن البنية التحتية الحساسة في أوروبا ليست محصنة – لا أمام الهجمات السيبرانية، ولا أمام الاضطرابات الجيوسياسية.

المغرب… حليف لا يُقدّر بثمن

في هذه اللحظة الحرجة، لم تكن باريس ولا برلين منقذي الموقف. بل كانت الرباط.

بينما غرق جزء من فرنسا في الظلام، وتوقفت الحياة في مدريد وبرشلونة، كانت الكهرباء تتدفق من محطة “فرديوة” قرب طنجة نحو جنوب إسبانيا. شبكة الربط التي تعود لبداية التسعينات أثبتت فعاليتها، وتُعدّ اليوم أحد أقوى أدوات التعاون المتوسطي.

المغرب لم يُسعف فقط جيرانه بالكهرباء، بل قدم “درسًا في الاستعداد”، بعدما تمكّن من الحفاظ على استقرار شبكته المحلية، رغم الضغط الكبير، ولم تُسجّل إلا بعض الانقطاعات المحدودة في شمال وشرق المملكة.

رسائل في العتمة: من يسيطر على الضوء؟

  • هل ما حدث في 28 أبريل هو نسخة طاقية من الهجمات الهجينة التي أصبح الناتو يحذّر منها؟

  • هل دخلت أوروبا حقبة جديدة من الحروب غير التقليدية التي تستهدف الأعصاب الكهربائية لا الدبابات؟

  • وهل على أوروبا إعادة النظر في موقع المغرب داخل استراتيجية أمنها الطاقي؟

خاتمة: الرباط تقود من الخلف

في الظاهر، المغرب هو من تدخّل لإنقاذ جيرانه.

لكن في العمق، الرسالة كانت أوضح من أي وقت مضى: الرباط لم تعد “تابعًا طاقيًا”، بل “شريكًا استراتيجيًا” لا غنى عنه في ضمان أمن الطاقة بأوروبا.

من أنبوب الغاز إلى خطوط الكهرباء، ومن الموانئ إلى الذكاء الصناعي، المغرب يبني ببطء لكن بثبات، موقعًا غير قابل للتجاوز في خريطة الأمن الإقليمي.