من العيد إلى التقاعد… أوزين يفتح النار على حكومة أخنوش ويعيد النقاش حول فشل الرهانات الكبرى

0
348

“جفاف الرؤى قبل جفاف الماء”: هل تعري تصريحات أوزين هشاشة الخيارات الاستراتيجية للحكومة؟

في زمنٍ تُسائل فيه الكوارث المناخية والاختلالات الاجتماعية نجاعة النموذج التنموي المغربي، اختار محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أن يفتح النار على ما أسماه “جفاف الرؤية الحكومية”، خلال لقاء جهوي نظمه حزبه بجهة الرباط – سلا – القنيطرة. لكن هل الأمر يتعلق بخطاب معارضة ظرفي، أم بمؤشرات أعمق لانسداد الأفق في التعاطي الحكومي مع الأزمات المتداخلة؟

من عيد الأضحى إلى انكماش السيادة الغذائية: ماذا تبقى من “المغرب الأخضر”؟

ربط أوزين بين ما سماه “الاستثناء المغربي المؤلم” الذي حال دون ممارسة شعيرة الذبح في عيد الأضحى، وبين فشل السياسات الفلاحية التي تم اعتمادها خلال العقود الأخيرة، وعلى رأسها مخطط “المغرب الأخضر” الذي أطلقه عزيز أخنوش حين كان وزيراً للفلاحة.

وبالعودة إلى تقارير وطنية ودولية، فإن المجلس الأعلى للحسابات كان قد سجّل، في تقرير سابق، محدودية أثر المخطط على الفلاحين الصغار، وتفاقم التفاوتات المجالية، فيما أشارت البنك الدولي والفاو إلى ضعف مرونة هذا النموذج تجاه التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد المائية.

لكن المفارقة الأشد حضوراً تكمن في أن المخطط، الذي خُصّصت له مليارات الدراهم، لم يُحصِّن القطيع الوطني من الانهيار، ولم يمنع الحكومة من اللجوء المتكرر إلى استيراد الأضاحي، بما خلق توترات في السوق، وشعوراً واسعاً بـ”الحُگرة” في أوساط المواطنين.

هل فشلنا في التوقع أم في الاستباق؟

تصريحات أوزين حول “غياب النفس الاستباقي” تضع يدها على واحدة من أكبر نقاط ضعف السياسة العمومية المغربية: الارتباك في إدارة الأزمات، وضعف التنسيق بين القطاعات. فعيد الأضحى، بتوقيته وظروفه، لم يكن مفاجأة مناخية أو كارثة طبيعية، بل حدث مبرمج كان يفترض أن يُستعد له ضمن استراتيجية للأمن الغذائي.

فهل هناك قصور في آليات الإنذار المبكر؟ وأين دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أوصى في تقاريره الأخيرة بضرورة إعادة النظر في نماذج الإنتاج الفلاحي والاستهلاك الغذائي؟

تقاعد المغاربة في مرمى الإصلاح؟

في سياق آخر، انتقد أوزين بشدة طريقة الحكومة في التعاطي مع ملف إصلاح صناديق التقاعد، معتبراً أن رفع السن وزيادة الاقتطاعات لن يكون إلا على حساب فئات واسعة من الطبقة المتوسطة. وهنا تطرح أسئلة جوهرية:

  • هل تعكس مقاربة الحكومة رؤية عادلة ومستدامة؟

  • وأين هو التوازن بين تمويل المؤسسات العمومية وحماية الحقوق الاجتماعية؟

  • وهل طُبقت توصيات المجلس الأعلى للحسابات ومؤسسات الرقابة حول حكامة صناديق التقاعد؟

حزب “السنبلة” بين نقد الذات وتأكيد الشرعية التاريخية

من جهة أخرى، حرص الأمين العام لحزب الحركة الشعبية على بعث رسائل داخلية واضحة، مؤكدًا على وحدة الصف وتماسك الحزب، في وجه ما اعتبره محاولات لتشويش على هويته أو التلاعب باسمه. وهنا يعود بنا النقاش إلى أزمة الأحزاب المغربية مع التجديد والإبداع السياسي، إذ تسود في المشهد ممارسات النسخ والتكرار، أكثر من البحث عن مشاريع مجتمعية متمايزة.

السياق الدولي: المغرب في مرآة أزمة السياسات العمومية

إن الخصاص في الأضاحي، وأزمة صناديق التقاعد، والتراجع في مؤشرات الثقة السياسية، لا يمكن فصلها عن واقع دولي يتسم بتغيرات مناخية قاسية، وأزمات اقتصادية متداخلة، وضغوط متزايدة على الدول النامية. لكن بالمقابل، تُظهر تجارب دول مثل رواندا أو تشيلي أو حتى تونس (في فترات معينة) أن السيادة الغذائية والعدالة الاجتماعية ليست فقط رهينة الموارد، بل تتطلب إرادة سياسية، وشجاعة في اتخاذ القرار، وكفاءة في التنفيذ.

خلاصة تحليلية: هل يملك المغرب شجاعة التقييم وتصحيح المسار؟

تصريحات أوزين تفتح الباب لسؤال أكبر من مجرد نقد ظرفي:هل ما نعيشه من أزمات متتالية هو ثمرة اختيارات استراتيجية خاطئة؟ وهل تعي الأحزاب السياسية، سواء كانت في الحكم أو المعارضة، أن التغيير لا يُقاس بالشعارات، بل بقدرتها على بلورة بدائل حقيقية مبنية على معطيات علمية ورؤى طويلة الأمد؟

لعل أبرز ما يجب أن نستخلصه من هذه المداخلات السياسية، هو الحاجة الملحة لإعادة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط في خطابات المعارضة، بل في صلب منظومة الحكم وصناعة القرار العمومي.