وزير التربية والتعليم “بنموسى”: 87 % من التلاميذ عاجزون عن قراءة اللغة العربية و70 % من التلاميذ لا يجيدون قراءة جملة بالفرنسية !؟

0
130

أصبح التعليم شماعة يعلق عليها المسؤولون في المغرب آمال الشعب في ثورة جذرية على تعليم عليل؛ لم يصبُ بعد إلى ما صبت إليه الأمم الأخرى من ثورات علمية غيرت خريطة بلادها الاقتصادية والسياسية في العالم كله.

في هذا الإطار،حذر شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بأن التعليم العمومي بالبلاد أصبح لا يضمن التعلمات الأساسية للتلاميذ، داعيا إلى تجند كافة المعنيين لتغيير طريقة تنزيل الإصلاح في التعليم وضمان تأثيره داخل القسم.

وكشف بنموسى خلال ندوة عقدها اليوم الخميس، لتقديم خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022 – 2026، عن معطيات صادمة، تفيد  بأنه رغم وجود رؤية استراتيجية، مشتركة من كل الأطراف، قامت بتشخيص واقع التعليم، وحددت مجموعة من المبادئ، فإن المدرسة العمومية، لا تضمن اكتساب التعلمات الأساسية للتلاميذ، ولاتحظى اليوم بثقة المواطنين.

وعزا الوزير تردي واقع التعليم إلى وجود نسبة كبيرة من التلاميذ باتوا لا يتحكمون في التعلمات الأساسية، ونسبة منهم تبقى فرص التفتح والتعلم محدودة لديهم، نظرا لمحدودية عدد الأنشطة الموازية لعمليات التعليم، وأيضا لوجود مشكل كيفية تنزيل التعليم الإلزامي، الذي يكشف استمرار ظاهرة الهدر المدرسي، بسبب عدم تمكن مجموعة من التلاميذ من استكمال مسارهم الدراسي، لأن أغلبهم لا يتمكنون من الالتحاق بالأقسام الدراسية.

وفي هذا السياق، كشف الوزير بنموسى، أن وزارته قامت بتقييمات تعلمية، همت 25 ألف تلميذ، في بداية هذه السنة، أظهرت بأن 23 في المائة فقط من التلاميذ يتمكنون من قراءة نص باللغة العربية بطريقة سلسة لا يتعدى 30 كلمة، و30 في المائة فقط من التلاميذ يتمكنون من قراءة نص باللغة الفرنسية بطريقة سلسة لا يتعدى 15 كلمة، وهي النسبة التي لا تتجاوز 13 في المائة عند تلاميذ مستوى الخامس ابتدائي.

كما أعلن بنموسى وهو يستعرض إحصائيات صادمة عن واقع التعليم، ارتفاع معدل الهدر المدرسي، خلال السنوات الماضية، حيث بلغ 300 ألف تلميذ، بأعلى نسبة في الثانوي الإعدادي، بلغت 53 في المائة، و 24 في المائة في الثانوي التأهيلي، و 23 في المائة في المستوى الابتدائي، قبل أن يعود الوزير ليكشف أيضا، تأثيرات جائحة كوفيد على تعلمات التلاميذ، رغم المجهودات التي قامت بها الوزارة خلال تلك الفترة.

وأوضح وزير التربية الوطنية، بأن التقييمات الوطنية حول مكتسبات التلاميذ، تؤكد هذه المشاكل وأزمة التعلمات، في المدرسة العمومية، حيث أن المعدل المتوسط، تقريبا 30 في المائة من تلاميذ التعليم العمومي المتواجدين في السنة السادسة ابتدائي، فقط من يتمكنون من استيعاب المقرر الدراسي، وفي السنة الثالثة إعدادي نجد أن 10 في المائة من التلاميذ ينجحون في استيعاب المقرر الدراسي، وهي النتائج التي قال الوزير: “من طبيعة الحال ميمكنش نكونوا راضين على هذه النتائج”.

تغيير واقع المدرسة المغربية، بالنسبة لبنموسى، يشكل إحدى أهم الأولويات الوطنية، كما يترجم انشغالا كبيرا بالنسبة للأسر، ومن ثم فإصلاح المدرسة العمومية مسؤولية وطنية ومجتمعية، لا بد أن ترتكز على مقاربة موسعة، تقوم على توسيع دائرة إشراك كل الفاعلين، والمتدخلين، فضلا عن تكريس منهجية القرب التي تتيح هامشا أكبر للمبادرة والابتكار.

ومن أجل البناء الجماعي والمشترك، لإصلاح التعليم، قال الوزير، إن الوزارة قامت بتنظيم مشاورات وطنية موسعة عرفت مشاركة 100 ألف من المواطنات والمواطنين، همت مشروع خارطة الطريق، أثمرت العديد من المقترحات، التي ساهمت في إغناء مضامينها.

وتوضح الدراسة أن تحليل البيانات المصنفة في قطاع التعليم يكشف أوجه عدم إنصاف كبيرة تخص بشكل رئيس الأطفال في المناطق القروية، بما في ذلك الإناث والأطفال الذين يعيشون في ظروف هشة، بخاصة الأشخاص في وضعية إعاقة، إذ لا يتجاوز معدل تمدرس هذه الفئات وفقاً لآخر الإحصاءات المتوافرة 32.4 في المئة، وفي المناطق القروية، تشير البيانات إلى أن الأطفال بشكل عام يواجهون صعوبات في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية، إذ لا يلتحق بالإعدادي سوى 69.5 في المئة منهم، وينخفض هذا المعدل ليصل إلى 30.6 في المئة في ما يتعلق بولوج السلك الثانوي، بينما لا يتجاوز 21.9 في المئة عند الإناث.

وأشار تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي المغربي (الحكومي) إلى أن 31 في المئة من التلاميذ لم يتجاوز استيعابهم لمقرّر اللغة العربية الرسمي في السنة السادسة نسبة 42 في المئة، ولا تتعدى هذه النسبة 32 في المئة في المجال القروي، ولا يتجاوز استيعاب 46 في المئة من تلاميذ الفصل الثالث من المستوى الإعدادي مقرر اللغة العربية نسبة 36 في المئة.

من جهتنا نرى أن موضوع “فشل التعليم والرياضة في المملكة المغربية” أصبحا موضوعا سهلا للنقاش، نجد كلّ من هبّ ودب يتّجه إلى هذا الموضوع، ويُدلي برأيه فيه، والكل أصبح يفهم في مكامن الخلل والضعف بهذه المنظومة المتلاشية.

لذا لا بأس أن نسرد تجربة كوريا الجنوبية، التي كانت في منتصف القرن الماضي بلدا أقل من المغرب في المؤشرات الاقتصادية، إذ أنهكتها الصراعات السياسية والانقسامات، لتتحول بعدها بعقود إلى قوة اقتصادية وتعليمية فذة تخطو بثبات نحو القمة.

اعتبر الساسة الكوريون آنذاك التعليم القضيةَ المستعجلة الوحيدة التي ستخرج البلاد من مستنقع نتن عطل حركتها لقرون، لذلك انتهجت الحكومة الكورية خطة تعليمية تتسم بالفعالية العالية؛ لأنها ترتكز على أربع ركائز قاسمها المشترك هو الاستدامة: 

1- التعليم في كوريا يندرج ضمن إستراتيجة بعيدة المدى، لا تتعلق بأشخاص أو مسؤولين بل برؤية شاملة لتحسين جودة التعليم باستمرار.

2- العمل على انتقاء معلمين وأساتذة أكفاء، وتوفير كل الظروف الملائمة لهم.

3- العمل على تكوين المعلمين المستمر، ومدهم بكل الموارد والوسائل من أجل الإبداع.

4 – التكنولوجيا كوسيلة لتسهيل التعليم والتواصل، وابتكار أساليب جديدة تسهل حياة التلاميذ والطلبة. 

بهذه الشروط لأربعة المشار إليها، أصبحت كوريا الجنوبية تحتل بجدارة المراكز الأولى في التعليم مرفوقة بفنلندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التي احتلت المركز الأول سنة 2018 وصرح رئيس وزرائها جاستن ترودو خلال World Economic Forum سنة 2016 بأن التعليم هو الثروة الأساسية لبلاده. 

عكس ما أصبح يروج في المغرب منذ الإستقلا حتى الآن، باعتبار التعليم عبئا يثقل كاهل الدولة التي فشلت في إصلاحه أو تغيير إستراتيجيته، وأنها تكبدت الكثير من الخسائر المادية بسبب توالي سياسات إصلاحية لا تمت للواقع بصلة وتتساقط كبيت من ورق مباشرة بعد تغيير المسؤول الذي تبناها أو انتهاء ولايته. 

في الوقت الذي تسير فيه الدول المتقدمة بسرعة وثبات إلى القمة وتحقق إنجازات مذهلة حجرها الأساس هو التعليم الجيد، وجب الوقوف على الأسباب التي تعرقل تحسين جودة التعليم المغربي:

  • خطط واستراتيجيات تعليمية مرتجلة؛ تفتقد إلى الرؤية الثاقبة وترتبط بأشخاص محددين وليس بخطة وطنية محكمة.

  • غياب الحكامة الجيدة في قطاع التعليم، واستمرار نزيف النهب والفساد رغم أن الدولة تصرف من ميزانيتها على التعليم 28%، حسب تصريح لوزير التعليم المغربي سعيد أمزازي سنة 2018.

  • الاكتظاظ، إذ لم تستطع الدولة بعد احتواء وفود التلاميذ المتزايدة كل سنة، ويبلغ العدد في بعض الأقسام خمسين تلميذا. 

  • اضطرار المعلمين في بعض المناطق، نظرا لغياب الموارد، إلى تدريس ثلاثة مستويات في نفس الوقت وفي قسم واحد. 

  • عدم وعي الآباء بضرورة التعليم من أجل مستقبل مريح لأبنائهم. 

  • أجور المعلمين والأساتذة غير كافية لتحفيزهم على العطاء مع غياب التكوين المستمر.

  • معظم المؤسسات التعليمية في الأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء والمياه، ولا توجد بها دورات مياه إضافة إلى غياب المساعدين الاجتماعيين والتطبيب بالمدارس. 

  • افتقار كل المدارس العامة إلى وسائل التكنولوجيا والرقمنة من أجل انتهاج أساليب مبتكرة في التعليم. 

  • نسب الهدر المدرسي في صفوف التلاميذ مرتفعة جدا، خصوصا في الأرياف بسبب الفقر وبُعد المدارس أو عدم وجودها وعدم توفر داخليات كافية تستقبل الوافدين.  

  • عدم قدرة المدارس والجامعات على تكوين يد عاملة مؤهلة للتغيير الإيجابي وتبني أفكار إبداعية جديدة.

كشفت الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم سنة 2018 أن نسبة التمدرس في التعليم الأولي لا تتجاوز 49,6٪‏: مجموع الأطفال بالتعليم الأولي لا يتجاوز 699 ألف و265 طفلا، مقابل مليون و426 ألف و185 طفلا في سن التمدرس، و726 ألف و920 طفلا غير مستفيد من التعليم الأولي. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأرقام قابلة للارتفاع كلما تقدمنا  في المستويات التعليمية ناهيك عن التفاوتات الجسيمة بين العالم القروي والحضري والذكور والإناث، إذ يتمكن عدد قليل جدا من تلاميذ العالم القروي من الحصول على شهادة الباكالوريا. 

من جهة أخرى، يتوالى فشل التلاميذ في الحصول على نقط جيدة بسبب الأسباب السالفة الذكر؛ فيغادر التلميذ بمحض إرادته مقاعد المدرسة أو بسبب ضغط الأهل الذين يعتقد بعضهم أن التعليم في هذه الظروف مضيعة للوقت، لتستمر الحلقة المفرغة في التوسع شاملة أكبر عدد من الأشخاص غير المؤهلين لوضع بصمة إيجابية ومواكبة الركب الحضاري والتكنولوجي الذي تقوده الدول المتقدمة، والدول التي صنعت معجزات اقتصادية في العقود الأخيرة كالصين وتركيا والهند وسنغافورة والبرازيل وغيرها. 

يعتبر مشكل التعليم في المغرب أعمق بكثير من لغة التدريس بل هو مسيرة مخجلة من الإخفاقات المتتالية التي استنزفت الكثير من المال والوقت والجهد منذ فجر الاستقلال، دون أن تستقر بعد على خطة جريئة شاملة تعترف أولا بفشل منظومة التعليم وتباشر بإيجاد إستراتيجية فعالة لا تشبه سابقاتها ولا تنسخ من أحد؛ تنهج مبدأ الحكامة الجيدة وربط المحاسبة بالمسؤولية، وتتبنى إجراءات وتدابير صارمة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن العالم يسابق الريح والدول المتقدمة تحقق إنجازات مبهرة في هذا القطاع بينما لا نزال نطالب بحل مشاكل وجدتْ لها حلول ناجعة منذ سبعين سنة أو يزيد.