ليلى …حكاية الألف ليلة الجزء السادس

0
210

عبدالباري المالكي / العراق

لا أحد يعلم ما يختلج في قلبي من ألم ولوعة ، ولا أحد يدري ماالضباب الذي غشيتني به ليلى من تصرفاتها .

( لاأعلم للآن  هل تحبني هي أم لا ؟ )..تخيلوا أيها السادة أني لا أدري ما تخفيه هذه المرأة  عني ، ولا أعرف مايجول في خاطرها نحوي …هل تحبني …ام لا ؟ ..

والحق أني خضت مع قلبي معركة شديدة الوطيس هذا الايام ، خرجت منها بجواب :-  لاادري هل تحبني ام لا .

هذه المعركة التي خضتها مع قلبي ليست معركة هيّنة أبداً ، فحبي لها ليس حب رجل لامرأة فحسب ، بل هو بين تأريخين مختلفين التقيا عن طريق القدر الذي فرش لنا درباً بالزهور .

وما يكنّه قلبي من عشق لها يتجاوز أركان العشق الذي قرأناه في القصص الخوالي والأفلام المصورة  ، فليتها تعلم ان حبي لها هو حب نبيل من  رجل نبيل لامرأة نبيلة  ، والرجل النبيل لا يعشق كل مرة ، والرجل النبيل لايرى النساء بعينيه بل بقلبه .

و أكاد أقسم أني مارأيتُ امرأة من قبل إلا هي ، لأني لم أكن أرى تلك النساء بقلبي ، ولم أكن أنظر إلى جمالهنّ الفائق ، لأنه لم يكن يعنيني …ولأجل ذلك فقد أخرجتُ كل أوراقي لقلبي وكشفتها وافترشتها على أرضه لأعرف جواب ما أسائله طوال هذه الفترة ، لأعرف ما يمكن لي أن أفعله او ما لاأفعله ، فقلبي له الحق أن يعرف جواب ما تضمره لي هذه المرأة .

والحق … أن أوراقي لم تكن ذات قيمة أمام قلبي الذي يطالبني للآن ولو بدليل واحد  فقط أثبت به له أنها تحبني …وقد تعسّر عليّ هذا الدليل …يا الله … كم أشعر بألم وحيرة ، إذ  لم أشعر بمثلها من قبل ، حتى بتُ لاأرى للحياة طعماً دونها ، ولا أجد منها ما يسمن جوعي ، ولا يروي عطشي …على أني أيها السادة… لا أخشى في حياتي هذه إلا شيئين …البحر … والنساء .

وكم كنتُ أتجنبهما كثيراً فلا طاقة لي على الغوص فيهما …فأما البحر ، فتلاطم أمواجه وظلمته التي تحيّر الألباب ، وتقلّب مزاجه بين لحظة وأخرى  هو مايدفعني الى خشيته إلى أبعد الحدود ، ومنذ طفولتي والى الآن كنت أهرب من البحر ، لأني أعلم أن لا أمان فيه .

وأما النساء فقد أخذت عهداً على نفسي أن لا أعشق امرأة مهما كانت ، وان لا أغوص في حياتها ولا في عينيها ، فلا أمان عند عينيّ امرأة ، ولا حياة لمن يعشق امرأة .

وماحدث …لم يكن بيدي ، بل القدر الذي جاء بليلى وهي ذات شأن كبير ،  ونبلٍ أكبر ، لألتقي بها ، ولم أكن أعلم البتة أن معلّماً مثلي يقع فريسة عينيها ، وأنا المعلم الذي أوقف السفر في قلبه منذ سنين .

الليلة … كنت قد افترشت الأرض وسألت قلبي ماالحل ؟

وما استغربته أني رأيت قلبي يسألني ماالحل ؟

طويتُ ذراعيّ على رأسي ورقبتي ورحت افكر وأفكر …هل تحبني ليلى أم لا …؟

ورحتُ أعدّد ما فعلته هي لي واحدة واحدة … وبعد أن أتممت الألف دليل ، سألت قلبي هل تكفيك هذه الأدلة الألف ، فضحك قلبي مما أنا فيه وأبلغني أن هذه الأدلة الألف ماهي إلا مجرد أضغاث أحلام … وماهي إلا مظهر لعقلك الباطني  يريد أن يرى الأدلة بهكذا

صورة ، وماهي إلا وشوشات خائر ، وهمهمات حائر ، وعناد مكابر ..

وأعود فأسأل قلبي هل لديك دليل واحد على أنها تحبني ؟

ويأتيني الجواب :- لا دليل عندي .

تلك هي الكارثة … حب من طرف واحد ، حب رجل نبيل لايملك شيئاً  أغلى  من قلبه ، وليتها تعلم أن لا أغلى من قلبي في هذا العالم .

قلبي … نعم قلبي الذي أمنته عند ليلى ففرطت به ، قلبي الذي أخفيته عن نساء الأرض لأمنحه الى امرأة ، أول شيء فعلته به أنها مزقته إرباً إرباً .

قيل قديماً … لاتثق بالنساء ، لكن ليلى ليست من النساء، إنها حورية من الجنة لاتعرف المكر ولا الخديعة ، ولا تعرف للخبث مكاناً لديها .

إذن كيف أفسر مايحدث لي من ضياع أعيشه بين يديها  ، فلا أحد قادر على مساعدتي ، بل ولا أحد أستطيع ان أفصح له عن  ماأعيشه من حب قد يكون من طرفي أنا فقط .

وماهو أكثر إيلاماً لي هو أني لست قادراً على شرح مااعانيه من وجع لأحدٍ يلمّني  بسببها ، ورغم علمها بذلك لكني لا أراها تأبه لوجعي ، وكأن مايحصل لي ليس بسببها ، او كأنها فتاة لاتعرفني أصلاً  لتشعر بمايحدث لي .

كثير هو ماأعانيه بسببها ،  وعجيب أنها تدرك ذلك  وتسكت ، والأعجب أنها تعلم أني لأجلها مذبوح من الوريد الى الوريد .

اليوم … جلستُ في المقهى الذي نرتاده سوياً  أفكر كثيراً وكثيراً ، مابين أدلتي الواهية على حبها لي ، ومابين حبي  لها الذي قد تجلى ونما وكبر .

عويصة تلك المعادلة… وهي أن أعشق من لاتعشقني ، وأحب من لاتحبني ، وأهيم بمن لاتراني أصلاً .

فأي عشقٍ  وقعتُ  فيه انا ، فوالله لو لاعلمي بأنها أنبل نساء الأرض لأقسمتُ أنها تريد قتلي ، وكيف لا ؟ وكل الأدلة تثبت أنها قاتلتي ، وأنها غير آبهة بما يحصل لي .

شربت فنجاناً من القهوة وأنا أنظر من نافذة شباك المقهى  على أفق الطريق علّني أراها فأغترف من عينيها ما يشبعني ، وعلّها تسمِع أذنيّ ما يريح قلبي ونياطه ، لقد كنتُ أنتظرها بفارغ الصبر دون جدوى حتى كدتُ  أيأس ، فرأيتُ خيالها من ألف متر يسعى

بين يديّ ، فما إن دخلت هي المقهى حتى خرجت منه بأسرع من الخيال ، وأوهى من خيوط العنكبوت ، إذ لم تأتِ لتراني ، بل لتزيد الطين بلّة ، إذ دخلت وخرجت بكل سكينة لتثبت لي أنها لا تأبه لعشقي ، وكأنّ لسان حالها يقول :-
فلتذهب الى الجحيم أنت وعشقك َ  .