قراءة تاريخية في مسار نضال الشعب الجزائري من اجل التحرر من العسكرتارية

0
272
بقلم:انغير بوبكر

تطلب مني كتابة هذا المقال جهدا كبيرا ووقتا معتبرا لأنني كنت مضطرا لأراجع العديد من الكتابات والمذكرات ومنها مذكرات الوزير السابق احمد الطالب الابراهيمي التي ادلى بها على قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر في تسع حلقات واهمها الحلقة الاخيرة والتي تحدث فيها الوزير والديبلوماسي السابق عن الصراعات المدمرة التي يعيشها محيط الحكم الجزائري خصوصا مع تعطش الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة منذ الرحيل الغامض والمرض المجهول الذي اودى بحياة الراحل هواري بومدين، لكن كان للعسكر راي اخر ، كما اطلعت على الجزء الاول من مذكرات الطالب الابراهيمي المكتوبة تحت عنوان احلام ومحن (1932-1965) مذكرات احمد الطالب الابراهيمي التي كتبت عن التاريخ الجزائري المعاصر كما شاهدت مذكرات الرئيس الراحل احمد بن بلة الذي توفي في 11 أبريل 2012 ودائما في برنامج شاهد على العصر في أكثر من ثلاثة عشر حلقة والتي اعجبني فيها بكل صراحة قوله في الحلقة الاخيرة :”اذا كنت مخطئا في حق زملائي واصدقائي فأظن بأن 15 سنة التي قضيتها في السجن كافية تريحهم واذا كانوا قد ظلموني وأخذوا حقي وسلبوا حريتي فأنا مسامح لهم”. 

أتاح لي التنقيب في هذا الموضوع أي موضوع التاريخ السياسي الجزائري المعاصر، الاطلاع على  حقائق مهمة وهي ان الرئيس احمد بن بلة من مواليد المغرب وان النخبة السياسية الجزائرية معظمها مغاربة وان قضية الصحراء التي عكرت صفو العلاقات المغربية الجزائرية كانت صناعة استخبارية جزائرية خالصة للانتقام من الساسة المغاربة وأن الجيش الإسلامي المسلح والجبهة الاسلامية المقاتلة بقيادة الزيتوني وغيرهم كانت من صنع الاستخبارات الجزائرية وأن العديد من المختطفين و المغتالين في الجزائر تم بأيادي الاستخبارات الجزائرية ولم تكن القوى الارهابية في الجزائر سوى ذرائع و كراكيز تحركها المخابرات الجزائرية كلما أرادت ذلك ،كما أتاح لي البحث في الموضوع ،التعرف على كتابات العديد من الصحفيين الجزائريين المرموقين المحبين لوطنهم الى حد الهوس و المتطلعين الى مستقبل جزائري أكثر رحابة وأكثر ديموقراطية متمنين ان تزول الغمة الاستبدادية عن سماء الجزائر الملبدة بغيوم الديكتاتورية والقهر والظلم .

من الكتابات المهمة التي قرأتها وأهدف من هذا المقال إقحام القارئ في ثناياها وتجاعيدها كتاب الصحفي الجزائري محمد سيفاوي الذي عنونه بالتاريخ السري للجزائر المستقلة وبالفرنسية histoire secrète de l’Algérie indépendante Etat-DRS المطبوع في باريس وبالضبط في مطبعة العالم الجديد سنة 2012 وكتاب آخر احث القارئ الكريم على الاطلاع عليه وهو كتاب الصحفي الجزائري هشام عبود الذي عنون كتابه ب مافيا الجنرالات المنشور سنة 2002 بمطبعة JC Lattés بفرنسا، القاسم المشترك بين الكتابين أنهما يحكيان مأساة الجزائر بعد الاستقلال وانقلاب الأحوال الجزائر من نضال ثوري من أجل التحرر الوطني قادة الوطنيون الاحرار الى نظام ديكتاتوري فاسد اغتال الثورة واختار نهج مراكمة الثروات بالنهب والسلب والقتل .

تشترك كل الكتابات المنتقدة للنظام الجزائري على أن الثورة الجزائرية تم الاستيلاء عليها ومصادرة قرارها منذ انقلاب جيش الحدود على الحكومة المؤقتة وتولي أحمد بن بلة مقاليد الحكم من 15 أكتوبر 1963 إلى 19 يونيو 1965 مدعوما بالعسكر والمخابرات ، وفعلا حكم المرحوم بنبلة الجزائر بعقلية مستبدة وديكتاتورية وقام بتصفية بعض خصومه السياسيين خصوصا وان مقتل خيدر و عبان رمضان وأول وزير خارجية جزائري خميستي وكريم بلقاسم واللائحة طويلة مازال مجهولا وابعاد الاخرين الى المنافي في المغرب وفرنسا وتونس وغيرها من البلدان الأخرى، لكن سرعان ما انقلب هواري بومدين يوم 19 يونيو 1965 والذي حكم إلى غاية 27 ديسمبر 1978 على رفيقه واستاذه بن بلة وسجنه 15 سنة بالإضافة الى وضعه تحت الإقامة الجبرية سنة اضافية ،فبدأت الثورة الجزائرية تأكل ابنائها وبدأت صراعات الثوار على احتكار السلطة تطفو على السطح وبدأ الرئيس بومدين سياسته القمعية اتجاه الشعب الجزائري واطلق العنان للمخابرات لتحكم الجزائر بيد من حديد الى حدود ان الرئيس بومدين ألزم جميع المواطنين على ضرورة أخذ إذن مسبق من الولايات والمقرات الامنية لكل من اراد السفر الى الخارج اما الحريات الصحفية وحقوق الانسان فلا يمكن الحديث عنها بالبث و المطلق و استمر الحال على ماهو عليه الى غاية عهد الشاذلي بن جديد الذي وصل الى سدة الحكم سنة 1979خلفا للراحل هواري بومدين -الذي تدهورت صحته بشكل مفاجئ وسريع – فوصل الشاذلي بن جديد الى سدة الحكم بشكل غير متوقع، لانه كان من الشخصيات العسكرية المغمورة ورجحت جميع التكهنات ان يتولى عبد العزيز بوتفليقة زمام الامور نظرا لقربه من هواري بومدين وانتمائهما جميعا لمجموعة وجدة التي سماها البعض بعصابة الثمانية وهي المجموعة التي سيطرت على مقاليد الحكم في عهد بومدين الا ان فيتو العسكر وقصدي مرباح تحديدا ادى الى اقصاء بوتفليقة بل والضغط عليه للتنازل عن اطماعه السياسية ولو بشكل مؤقت فنهج الشاذلي بن جديد اسلوبا تجفيفيا لكل منابع البومديانية واثارها السياسية وازاح كل  الخصوم السياسيين من معترك التنافس السياسي على الرئاسة، فأقصى عبد العزيز بوتفليقة بعدما هدده بملف مالي يتعلق باموال السفارات والقنصليات بالخارج واقصى قصدي مرباح والاخرون واستقدم الراحل الشاذلي بن جديد الجنرال العربي بلخير الذي سماه المهتمون بالشأن الجزائري ،صانع الرؤساء لان نفوذه في عهد الشاذلي كان قويا ومؤثرا واستحوذ على تسيير ملفات كبرى تتعلق بالتجارة الخارجية وبالتسلح و بالعلاقات المغربية الجزائرية المتوترة بفعل الدعم الجزائري الواضح لجبهة البوليساريو ، الراحل الشاذلي بن جديد كما هو معروف أجبر على الاستقالة رغم أنه أشار في مذكراته قبل ان يأتيه الأجل المحتوم بأنه استقال من منصبه عن طواعية ولكن حله للبرلمان كان بسبب عبد العزيز بلخادم الذي كان له عداوة متأصلة معه ، على كل حال فالرئيس الشاذلي بن جديد حل المجلس الوطني الشعبي بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية بالانتخابات البلدية سنة 1990 وبالدور الاول من الانتخابات التشريعية سنة 1991 حيث حصلت على أكثر من 187 مقعدا وكانت ستكتسح المجلس التشريعي ،لذلك ضغط كل من الجنرال توفيق مدين رئيس المخابرات الجزائرية  السابق والملقب بتوفيق والجنرال اسماعيل العماري وآخرين على الشاذلي بن جديد للاستقالة وحل المجلس مقابل سكوتهم عن التجاوزات المالية لأسرته وأصهاره ، فكان لهم ما أرادوا فدخلت الجزائر العشرية الدموية في التسعينات حيث قتل أكثر من ربع مليون جزائري واصبح القتل العملة اليومية للجزائريين و خرجت الأمور من بين أيدي الجنرالات الذين استطاعوا أن يقنعوا الرئيس المغتال بوضياف لإنقاذ الجزائر من هذه الورطة باعتباره من القادة التاريخيين الذي اصبح صوته مسموعا لكنه رفض عرض الجنرالات لقيادة الجزائر في هذه المرحلة العصيبة الا ان تدخل زوجته و تدخل الملك الراحل الحسن الثاني والضمانات التي اعطيت له جعلته يقبل في النهاية رئاسة الجزائر ولكن اصراره على استرجاع نفوذ المدنيين الى سدة الحكم و قرارته المتعلقة بالشفافية والنبش في الملفات الشائكة في الجزائر سرعت بمقتله في عنابة من طرف جهاز الاستخبارات الجزائرية كما صرح بذلك السيد احمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري في عهد بوضياف وزوجته التي اتهمت الاجهزة الجزائرية مباشرة بتصفية الرئيس بوضياف ، توالت الأحداث في الجزائر واستمر الحكم الجزائري في سياسته العدائية والتفقيرية اتجاه الشعب الجزائري مع استقدام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة المتعطش للحكم من جهة وللانتقام من خصومه السابقين من جهة اخرى ، لذلك استمر الحكم الجزائري في الاستبداد والفساد واستحكم العسكر في الحياة السياسية وقمع كل التحركات السياسية والمدنية وزورت الانتخابات التشريعية والرئاسية وابطلت الحياة السياسية الى يومنا هذا ، لذلك يبقى السؤال المطروح دائما من قبل الشارع الجزائري و كل محبي الشعب الجزائري ، متى يستطيع الشعب الجزائري تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟ متى ستصبح الدولة الجزائرية دولة ديموقراطية تحترم تضحيات شعبها مند الاستقلال الى اليوم ؟

 الشعب الجزائري شعب عظيم وتاريخه مجيد و ثرواته مهمة لكن حكامه ما زالوا يحكمون شعبهم بمنطق القمع والتحكم ، اليس في الشعب الجزائري احسن من الجنرالات الحاليين  ؟ الا يستحق الشعب الجزائري الكرامة والحرية واستغلال قدراته الطبيعية في التنمية والديمقراطية والعيش الرغيد بدل التسلح المفرط واستعداء الجيران وتفريخ الإرهاب ؟ هذه من الأسئلة التي اشاطر فيها الرأي مع مجموعة من الصحافيين والسياسيين الجزائريين الذين اختاروا العيش في المنافي والاغتراب على العيش أذلاء مقهورين في وطنهم الذي أنهكته سياسة الجنرالات واستبداد الرؤساء.

 

 

 

 

روسيا تستقبل وفدا من البوليساريو كسلاح من فقدان الغاز الروسي الذي تستعمله موسكو ورقة ضغط تجاه أوروبا في كل توتر يحدث!؟

 

* باحث في تاريخ العلاقات الدولية 

*المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان 

*عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان لجهة كلميم واد نون

Ounghirboubaker2012@gmail.com