يشهد المغرب منذ أشهر نقص في الحليب بمختلف أنواعه، مع تسجيل ارتفاع كبير في أسعار ما هو معروض للبيع…ارتفاع أسعار الحليب بمختلف أنواعه، بعدما تأثرت بالأساس بتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، أم لجفاف الذي أثر سلباً على الأنشطة الزراعية وتربية الماشية في المغرب؟؟
وأرجع الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، اليوم الخميس، أسباب نقص الوفرة لأسباب الموسمية منها ، وأن الحكومة تعتزم إطلاق برنامج لدعم سلسلة إنتاج الحليب في الأسابيع المقبلة.
جاء ذلك خلال معرض تفاعل بايتاس مع أسئلة الصحفيين خلال ندوة صحافية ، عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة.
وقال بايتاس أن نقص الحليب في السوق الوطنية مرتبط بمجموعة من العوامل، لا سيما الموسمية منها، مشيرا إلى أن الوزارة المعنية تعتزم إطلاق برنامج لدعم سلسلة إنتاج الحليب بهدف التحكم في الإنتاج، وذلك خلال الأسابيع المقبلة.
لم يقتصر ارتفاع الأسعار على مسحوق الحليب الموجه للأطفال، بل امتد كذلك إلى الأصناف المستهلكة من الأسر، حيث عمدت شركتان تستحوذان على حصة كبيرة في السوق إلى زيادة أسعار بعض منتجاتها، خاصة تلك التي تصنف ضمن الحليب كامل الدسم.
يستعين أخنوش بلغة الأرقام؛ فهو رجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة، بغية إقناع المغاربة بنجاح مخططه الذي ساهم في رفع الناتج الداخلي الخام؛ من 6.8 مليارات دولار إلى 13 مليار دولار خلال عشر سنوات (2008-2018). وبوّأ الفلاحة المغربية مكانة مرموقة؛ فالبلد أضحى ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية الغذائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ورابع أكبر مصدّر لهذه المنتجات بالقارة السمراء.
حصيلة يراد من تسويقها التأكيد على نجاح عزيز أخنوش في تحقيق ثورة في القطاع الفلاحي بالمغرب، رغم أن الحقيقة غير ذلك، فمردود عشرية من الاشتغال وفق مخطط رصدت له الدولة كل الإمكانات (توفير العقار، الدعم المالي..) قصد النجاح، لم يرقَ إلى مستوى التطلعات، بما في ذلك الأهداف المسطّرة في إطار المخطط نفسه، سميا المتعلق بتحقيق مائة مليار درهم كثروة إضافية للقطاع، في أفق 2020. ناهيك عن سؤال أكبر حول الكلفة المدفوعة نظير بلوغ هذه المراتب، وتسجيل تلك النسب والأرقام؟ وأي معنى يكون لهذا المخطط في ظل عجزه عن تحقيق الأمن الغذائي؟
لا ينكر إلا جاحد نجاح مخطط المغرب الأخضر في رفع الإنتاج الفلاحي الخاص بمجموعة من المواد، سيما الموجهة نحو التصدير. نتيجة كانت على حساب المواطن المغربي الذي وجد نفسه، في شهر رمضان، يقتني منتجات محلية (الطماطم، الفلفل الأحمر..) بأثمنة تفوق سعر بيعها في الدول الأوروبية، حتى قيل إن مخطط وزارة الفلاحة “أخضر في عيون الشركات المصدرة، وأسود في عيون المواطن الفقير”.
داخليا، فشل المخطط فشلا ذريعا في كسب رهاناتٍ عديدة، بدءا بدعامة الفلاحة التضامنية التي طالما تغنّى معدّو المخطط بأنها السبيل الأمثل لمحاربة الفقر بالقرى، وتجويد ظروف عيش الفلاحين، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، عبر مقاربة متميزة تراعى فيها الخصوصية المحلية، وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق .ووصلت الزيادة في بعض الأصناف إلى 16%، وطاولت الزيادات أكثر من عشرين منتجاً معروضاً في السوق، حسب ما تجلى من إعلان تغيير الأسعار الذي عممته إحدى الشركات على التجار.
ويؤكد التاجر محمد برحيلي من مراكش، في تصريح صحفي، أن الزيادة لا تشمل الحليب العادي، بل همت الأصناف المدرجة ضمن الحليب كامل الدسم، الذي وصل سعر اللتر منه إلى 10.5 دراهم مقابل 9.1 دراهم في السابق.
وتبرر الشركات المنتجة زيادة الأسعار بارتفاع التكاليف وصعود أسعار الشراء من مربي الماشية، بينما يصف مربو الماشية الزيادات بالطفيفة مقارنة بالتضخم الذي طاول الأعلاف والأدوية وكافة مدخلات الإنتاج لاسيما في ظل الجفاف الذي قلص المزروعات.
ويتم التحويل الصناعي للحليب من قبل تعاونيات وفاعلين في القطاع الخاص، حيث يعمل في القطاع حوالي ثمانين وحدة صناعية وأكثر من 2700 مركز لجمع الحليب، ويمثل الحليب المعالج من قبل المصانع حوالي 60% من مجمل الإنتاج.
وتضم سلسلة الحليب 260 ألفا من المربين، يملكون قطيعاً يقدر بنحو 1.8 مليون بقرة، في الوقت نفسه، يتولى 16 من الفاعلين معالجة 95% من الحليب المصنع في القطاع الذي يصل رقم معاملاته إلى 1.3 مليار دولار سنوياً.
وفي مقابل النشاط الصناعي للحليب، هناك كميات كبيرة تسوق خارج المسارات الصناعية، حيث يباع في محلات البقالة، وهي تجارة شائعة في المغرب.
ويقول المزارع مصطفى عمار، إن المربين يواجهون ارتفاعاً في التضخم، الناجم عن صعود أسعار الأعلاف والنقل، مشيرا إلى أن التكاليف المتزايدة تعد عاملاً حاسما في الزيادة الأخيرة في أسعار الحليب، مؤكدا أن الحليب الذي توفره التعاونيات لشركات التصنيع لم يسجل ارتفاعاً كبيراً ينعكس على إيرادات المربين.
وكانت الحكومة قد تبنت إجراءات لتمكين مربي المواشي من الحصول على بعض مكونات الأعلاف، مثل الشعير المدعم، من أجل التخفيف من تداعيات الجفاف، غير أن ذلك لم يحل دون ارتفاع التكاليف بسبب غلاء كل المدخلات والوقود، وفق أصحاب مزارع لتربية الماشية.
بدوره، يقول محمد العربي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن العديد من المربين الصغار الذين يزودون الشركات بالحليب عبر تعاونيات، عانوا من تداعيات الجفاف، حيث اضطروا تحت وطأة ارتفاع أسعار الأعلاف إلى التخلي عن جزء من الأبقار.
ولم تقتصر الزيادة على الحليب العادي بالمغرب، بل شملت مسحوق حليب الأطفال الذي يباع في الصيدليات، حيث قفزت أسعار العبوة من فئة أربعمائة غرام، من 6.8 دولارات إلى 7.5 دولارات في العديد من الأصناف.
سبق لمؤسسات رسمية في المغرب، أن أثبتت في تقارير موضوعاتية التقييم نفسه عن مخطط المغرب الأخضر، فقد ساءلت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصاء وطنية) حصيلته، في تقرير لها “أية آفاق للتعبية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟”.
وانتقدت التركيز على رفع صادرات الخضر والفواكه، على حساب تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في المواد الأساسية (الحبوب، الزيوت ..)، ما جعل السوق المحلية عرضةً لتقلبات الأسعار دوليا. وأظهر قصور المخطط عن توفير الأمن الغذائي للمغاربة، لتعلق أهداف كبرى فيه بالسماء (التساقطات المطرية). كما سجلت تراجعا واضحا في نسبة مساهمة القطاع في سوق الشغل، بالانتقال سنة الانطلاق من 40 % إلى 34 % سنة 2018. ودعا المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة للرقابة المالية) في تقرير 2019 إلى مراجعة جذرية للمخطط الذي لم يراع المخاطر البيئية والمائية.
وحذّر من أزمة جفاف في المنظور القريب، مع الارتفاع المتزايد في منسوب استنزاف الفلاحة المغربية للمياه (89%)، في وقت يشهد تراجعا مهولا في المخزون المائي للمملكة، نتيجة تعاقب سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية، فالحرص على الاستجابة لطلبات الأسواق الأوروبية، بإنتاج زراعات تستزف المياه (الحوامض، البطيخ الأحمر، الأفوكادو ..) كانت كلفته التفريط في الأمن الغذائي والمائي للمملكة، حتى شاعت بين المغاربة، مع بداية إنتاج البطيخ الأحمر، مقولة “حان موسم تصدير المياه المغربية إلى الأسواق الأوروبية”، بعد متابعتهم وقائع عطش مئات هكتارات من الأراضي، بسبب اختيارات فلاحية غير مناسبة.
كان لهيب الأسعار في الأسواق الداخلية؛ لا سيما المنتجات الزراعية المحلية، طوال شهر الصيام الماضي ، لحظة مثالية أمام المغاربة لتقييم حقيقي لنتائج المخطط. وحدث أن تزامنت بالمصادفة، مع صدور مؤشّر الأمن الغذائي؛ عن مؤسسة “إيكونوميست إمباكت”، الذي بوأ المغرب الرتبة 57 عالميا من أصل 113 دولة، وجاء في المركز 12 في قائمة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يجعل المخطط الملون بلا تأثير في ترتيب المؤسسات الدولية.
يرفض عزيز أخنوش، منذ 14 عاما أمضاها وزيرا للفلاحة، أي تقييم أو نقد لمخطط المغرب الأخضر المبني على وصفات جاهزة؛ أعدّها خبراء أجانب (مؤسسة ماكنزي الأميركية) يجهلون كل الجهل تعقيدات الواقع المغربي، ضبَطت السياسة العمومية في القطاع الفلاحي، وبحلول لحظة المساءلة والتقييم هرب إلى الأمام بإطلاق وزارته استراتيجية زراعية جديدة باسم “الجيل الأخضر 2020-2030″، لتورية على فضائح وكوارث مخطّط حول المغرب إلى ضيعة كبرى، تتولى تلبية حاجيات بلدان الاتحاد الأوروبي، على حساب أمن المغاربة وصحتهم وسلامتهم.