في لحظة نادرة من المكاشفة مع الإعلام، لم يكتف الناخب الوطني وليد الركراكي هذه المرة بلغة المجاملة أو الخطاب الدبلوماسي المعتاد، بل وجه رسائل مباشرة لبعض وسائل الإعلام الوطنية، منتقدًا ما اعتبره “غيابًا للإنصاف” و”تعاملًا غير متوازن” تجاهه منذ توليه تدريب المنتخب المغربي.
تصريحات الركراكي، التي جاءت خلال لقاء نظمته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بحضور فوزي لقجع، ليست فقط رد فعل على انتقادات إعلامية، بل تكشف في العمق عن أزمة ثقة بين المؤسسة الفنية للمنتخب وبعض وسائل الإعلام. وهنا تطرح عدة تساؤلات:
-
لماذا يشعر مدرب المنتخب المغربي، الذي حقق إنجازًا غير مسبوق في تاريخ الكرة الإفريقية والعربية بوصوله إلى نصف نهائي كأس العالم، بأنه لا يُنصف إعلاميًا؟
-
وهل فعلاً يوجد ازدواج في المعايير بين تعامل الإعلام مع المدربين المغاربة ونظرائهم الأجانب؟
-
وهل يعكس هذا التوتر ضعفًا في ثقافة التقييم الرياضي لدينا أم أنه تعبير عن خلل أعمق في العلاقة بين الصحافة والمجال الرياضي؟
حين يصبح الإنجاز غير كافٍ أمام ذاكرة الهزيمة
يشير الركراكي إلى مفارقة لافتة: بينما الإعلام المغربي لا ينسى الإقصاء من كأس إفريقيا 2023، فإنه يتجاهل – حسب تعبيره – التتويج الرمزي بكأس العالم قطر 2022، وبلوغه نصف النهائي كأول منتخب إفريقي وعربي في التاريخ.
لكن هل يمكن للفخر بالإنجازات الماضية أن يُعفي من المساءلة الحاضرة؟ وهل فعلاً تم التعامل مع إخفاق كأس إفريقيا الأخيرة بنفس الصرامة مع المدرب الفرنسي السابق هيرفي رونار؟
تصريحات الركراكي تضعنا أمام تحدي بناء ذاكرة رياضية عادلة، لا تُمجد فقط لحظة المجد ولا تُقبر الإخفاق دون سياق، بل تقرأ التاريخ الفني كمسار معقد فيه إنجاز وهفوة، فيه صعود وهبوط.
خطاب وطني يفتقد إلى الثقة الجماعية؟
الركراكي لم يكتف بالدفاع عن نفسه، بل دعا إلى “التجند الوطني خلف المنتخب” واستحضر مسؤولية الجميع، من لاعبين، وجامعة، وصحافة، وحتى الجمهور، لتحقيق حلم طال انتظاره منذ 50 سنة: كأس أمم إفريقيا.
لكن هل توجد فعلاً تعبئة وطنية حقيقية خلف “أسود الأطلس”؟ وما مدى تأثير الخطاب الإعلامي، سلبيًا أو إيجابيًا، على استعداد اللاعبين؟ وهل أصبح الرأي العام الرقمي والإعلامي يشكل ضغطًا غير صحي على الطاقم التقني؟
الأكيد أن المقارنة مع الإعلام المصري الذي يدعم منتخبه بقوة، كما أشار الركراكي، تحرج الإعلام الرياضي المغربي، وتدفع للتساؤل حول غياب استراتيجية إعلامية وطنية توازن بين النقد والدعم، وتراعي نفسية اللاعبين.
بالأرقام… هل يمكن اتهام الركراكي بأنه مدرب دفاعي؟
سجل المنتخب المغربي تحت قيادة الركراكي 74 هدفًا في 37 مباراة، بمعدل هدفين في كل مباراة، ومعدل استحواذ يتجاوز 60%. هل تكفي هذه الأرقام لتفنيد التهمة الشائعة بأنه “مدرب دفاعي”؟ وهل يعكس الحكم على مباراة واحدة (أمام إسبانيا) واقعًا فنيًا عامًا؟
في عصر تحليلات البيانات (Data Analytics) بات الحكم العاطفي والانطباعي محل تساؤل، ما يدفع للتفكير في ضرورة تبني إعلام رياضي تحليلي يرتكز على المعطيات لا الانطباعات.
ما الذي يحتاجه المنتخب الآن؟
مع اقتراب كأس أمم إفريقيا، يعود السؤال المحوري: ما الذي يحتاجه المنتخب المغربي فعلًا للفوز باللقب؟
-
الاستقرار الفني؟
-
الدعم الإعلامي؟
-
تقوية الجبهة الجماهيرية؟
-
أم فقط التركيز على العمل الميداني؟