من يحرك عمليات الهدم والترحيل في الرباط وسلا؟ وماذا وراء إعادة تشكيل وجه العاصمة؟
تشهد مدينتا الرباط وسلا موجة غير مسبوقة من عمليات الهدم والترحيل، مما أثار غضب السكان وأعاد إلى الواجهة التساؤلات حول قانونية هذه الإجراءات، والجهة التي تقف خلف إعادة تشكيل هذه المناطق الحيوية في قلب العاصمة. وسط هذا الجدل، استدعى البرلمان المغربي وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان فاطمة الزهراء المنصوري، في محاولة لفهم ما يجري على الأرض، والتأكد مما إذا كانت عمليات الإخلاء تتم وفق المساطر القانونية أم أنها تخفي أجندات أخرى.
السلطات: مشاريع تأهيلية أم قرارات فوقية؟
تطرح عمليات الهدم أسئلة جوهرية حول طبيعتها وأهدافها، فهل تأتي في إطار مشاريع تأهيلية لتحويل الرباط إلى “مدينة بمواصفات عالمية”، كما يروج له المسؤولون، أم أنها تخفي مخططات أخرى تتعلق بإعادة توظيف هذه الأراضي لصالح مستثمرين نافذين؟
النائبة البرلمانية نادية تهامي، عن فريق التقدم والاشتراكية، وجهت استفسارات مباشرة لوزير الداخلية حول مدى قانونية هذه العمليات، وما إذا كانت الدولة قد وفرت شروطًا إنسانية واجتماعية ملائمة قبل تنفيذها. كما تساءلت عما إذا كانت هذه الإخلاءات تندرج ضمن نزع الملكية للمنفعة العامة، أم أنها مجرد تمهيد لمشاريع استثمارية قائمة على إعادة البيع والمضاربة العقارية؟
السكان بين الصدمة والغضب: أين التعويضات؟
السكان المتضررون لا يعارضون مبدئيًا فكرة إعادة التأهيل، لكنهم يتساءلون عن غياب بدائل واضحة لهم. فبينما تتحدث الحكومة عن ضرورة “تحسين النسيج الحضري”، تجد آلاف العائلات نفسها مهددة بالتشريد دون أي تعويض عادل، سواء للمالكين أو للمكترين أو لأصحاب المحلات التجارية التي كانت تشكل مصدر رزقهم لعقود.
المثير للجدل هو أن هذه العمليات تستهدف مناطق ذات قيمة استراتيجية عالية، تطل على المحيط الأطلسي، في واحدة من أقدم العواصم المغربية وأكثرها رمزية. فهل نحن أمام موجة جديدة من “الهندسة الحضرية” التي تسعى إلى إخلاء المناطق الحيوية لصالح مشاريع عقارية ضخمة؟ ومن هم المستفيدون الحقيقيون من هذه التغييرات؟
تقارير المجلس الأعلى للحسابات: شركات كبرى ومستثمرون في الصورة؟
ما يعزز هذه الشكوك هو أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات في السنوات الأخيرة سلطت الضوء على تلاعبات في تنفيذ مشاريع كبرى في العاصمة، حيث تبين أن بعض الشركات التي حصلت على صفقات التأهيل الحضري لم تفِ بالتزاماتها بالكامل، مما أدى إلى إهدار المال العام دون تحقيق النتائج المرجوة.
هذا الأمر يفتح الباب أمام سؤال محوري: هل قرارات الهدم تخدم حقًا مصلحة السكان، أم أنها تأتي استجابة لمصالح مستثمرين يسعون إلى السيطرة على أفضل الواجهات العقارية في البلاد؟ وهل يمكن أن نرى في المستقبل مشاريع فاخرة في هذه المناطق بعد تهجير سكانها؟
البرلمان يطالب بالمحاسبة، لكن هل يتحرك القضاء؟
استدعاء وزير الداخلية ووزيرة الإسكان إلى البرلمان خطوة إيجابية، لكنها تبقى شكلية إذا لم يتم تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة. المطلوب اليوم ليس فقط تقديم تفسيرات، بل ضمان أن تكون عمليات الهدم قانونية، مصحوبة بتعويضات عادلة، وليس مجرد ستار يخفي خلفه موجة جديدة من “الاستثمار العقاري المغلف بالتنمية الحضرية”.
تبقى الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن الحقيقة: هل يتعلق الأمر بتأهيل حضري حقيقي؟ أم أننا أمام عملية إعادة توزيع سرية للثروة العقارية في قلب العاصمة؟