في خطوة مفاجئة من حيث التوقيت والسياق، صادقت الحكومة الإسرائيلية، الخميس الماضي، على اتفاقية بحرية كانت قد وُقّعت مع المغرب في ماي 2023. هذه الاتفاقية، التي بقيت مُجمدة لأزيد من سنتين، تعود فجأة إلى واجهة الأحداث، في ظل تعقيد غير مسبوق في العلاقات الإقليمية، ووسط تصاعد الجدل بشأن طبيعة التعاون المغربي-الإسرائيلي بعد اندلاع حرب غزة.
فما الذي تغيّر حتى تُفعّل هذه الاتفاقية الآن؟ وما خلفيات هذا “الإفراج المؤقت” عن شراكة بحريّة قد تكون لها تداعيات على صورة المغرب أمام الرأي العام العربي والإفريقي؟
تفاصيل الاتفاقية: موانئ، شحن، وسوق بحرية مشتركة؟
الاتفاقية، التي جاءت ثمرة زيارة وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف إلى الرباط في 2023، تهدف إلى تنظيم التعاون البحري بين البلدين، على مستوى حرية الملاحة، الدخول إلى الموانئ، تبادل الوثائق البحرية، الضرائب، تسوية النزاعات، والسلامة، مع تمكين شركات الشحن من فتح مكاتب تمثيلية في البلد الآخر.
لكن لماذا ظلت الاتفاقية مجمدة طيلة هذه المدة؟ وهل كانت الظروف السياسية في المغرب أو إسرائيل هي السبب؟
السياق الزمني: بين تطبيع متعثر وضغوط شعبية متصاعدة
المصادقة الإسرائيلية جاءت في وقت دقيق: بعد أكثر من 7 أشهر على اندلاع حرب غزة، وما رافقها من غضب شعبي عارم في المغرب، رافض لأي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل. المفارقة أن الاتفاقية التي جُمّدت في ظروف هادئة، تُفعّل اليوم في أجواء مشحونة، مما يدفع للتساؤل:
هل تُراهن الحكومة الإسرائيلية على استمرار التطبيع الاقتصادي رغم تأزم العلاقات السياسية والشعبية؟
وهل هناك موافقة مغربية غير معلنة على هذا التفعيل؟ أم أن إسرائيل تحاول استثمار الوثائق الموقعة مسبقًا لتسجيل نقاط سياسية ودبلوماسية؟
المغرب في معادلة دقيقة: مصلحة اقتصادية أم كلفة رمزية؟
من جهة، يُمكن فهم الاتفاقية في إطار البحث عن شراكات جديدة لتطوير قطاع النقل البحري، وهو قطاع حيوي في التجارة الدولية المغربية، خاصة مع انفتاح المملكة على الأسواق الأفريقية وأمريكا اللاتينية. ومن جهة أخرى، يُطرح تساؤل حاد:
هل يُمكن للمغرب الاستمرار في هذا النوع من الاتفاقيات دون المساس بمصداقيته كداعم قوي للقضية الفلسطينية؟
وما موقف المؤسسة الملكية، التي ظلت على الدوام تُوازن بدقة بين علاقاتها الدولية وموقعها كرئيس للجنة القدس؟
غياب الشفافية: لماذا لم تعلن الحكومة المغربية أي موقف؟
حتى اللحظة، لم يصدر عن السلطات المغربية أي بلاغ رسمي يؤكد أو ينفي تفعيل الاتفاقية. هذا الصمت الرسمي يفتح باب التأويل، ويطرح أسئلة جوهرية:
-
من يملك القرار في تفعيل اتفاقيات موقعة مع دول في حالة نزاع مستمر؟
-
وهل يتم إطلاع البرلمان والرأي العام المغربي على فحوى هذه الاتفاقيات قبل تنفيذها؟
-
وما مصير التزامات المغرب تجاه شركائه في الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي الذين يعارضون التعاون مع إسرائيل في هذا الظرف؟