“تصريحات مستشار ترامب حول الصحراء: ارتباك دبلوماسي أم تكتيك محسوب؟ أم أن الحقيقة أقوى من زلات اللسان؟”

0
278

عندما يتحدث مسؤول أمريكي رفيع عن قضية الصحراء، فإن كل كلمة تُوزن بميزان السياسة والدبلوماسية. لكن ماذا لو جاءت التصريحات متناقضة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بعد تصريحات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، والتي أثارت زوبعة من التفسيرات بين الجزائر والبوليساريو من جهة، والمغرب وحلفائه من جهة أخرى.

فهل كان ارتباكًا فرديًا من مستشار غير ملم بدقائق الملف؟ أم أن هناك لعبة دبلوماسية خفية وراء هذه التصريحات؟ ولماذا عاد ليؤكد موقف واشنطن الرسمي بعد ساعات من التصريح المثير للجدل؟

هذه التساؤلات تعيدنا إلى توقيت دقيق تشهده قضية الصحراء المغربية، حيث خرج مسعد بولس بتصريحات لقناة “العربية” اعتُبرت مثيرة للجدل، فتحت الباب أمام التأويلات، بل واحتفت بها الصحافة الجزائرية وأوساط داعمة لجبهة البوليساريو، باعتبارها مؤشراً على تراجع أمريكي مزعوم عن الاعتراف بمغربية الصحراء.

بولس، الذي ينحدر من أصول لبنانية ويحمل الجنسية الأمريكية، قال إن إعلان ترامب سنة 2020 باعترافه بمغربية الصحراء لم يكن إعلاناً “مغلقاً”، بل مشروطاً بموافقة جميع الأطراف، مضيفاً أن الجزائر ستقبل بالحل الذي توافق عليه جبهة البوليساريو. هذا التصريح فُهم على نطاق واسع باعتباره تقليصاً لقيمة الاعتراف الأمريكي، الذي طالما شكل مكسباً استراتيجياً للمغرب في هذا الملف.

لكن، لم تكد تمر ساعات على هذه التصريحات حتى عاد بولس ليشير إلى الموقف الرسمي الأمريكي، مؤكدًا عبر تصريح جديد أن الولايات المتحدة تجدد اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ودعمها المستمر لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد الجاد والواقعي والدائم للنزاع الإقليمي حول الصحراء.

ما حدث يكشف عن حالة ارتباك واضحة لدى بولس، الذي حذف التصريح أولاً، قبل أن يعاود نشر موقف مغاير، وكأنه يسعى لتصحيح مسار تصريحاته الأولى أو احتواء ما أحدثته من جدل. فهل كانت زلة لسان أم تجاوزًا لحدود اختصاصه كمستشار سابق؟

وهنا يُطرح سؤال محوري: من يملك الحق في التحدث باسم السياسة الخارجية الأمريكية؟

إن بولس، رغم موقعه السابق، لا يتحدث من موقع مسؤولية رسمية حالية، ما يضعف وزن تصريحاته أمام التأكيدات المتكررة الصادرة عن الإدارة الأمريكية، سواء في عهد ترامب أو بايدن، والتي حافظت على ثباتها في دعم سيادة المغرب على صحرائه.

لكن لماذا أحدثت تصريحاته كل هذا الجدل؟

السبب يكمن في ما تمثله الولايات المتحدة من ثقل استراتيجي في موازين النزاع، يجعل أي تصريح يُفهم كتحول محتمل موضع اهتمام، بل واستغلال، من طرف الجهات المعادية للوحدة الترابية المغربية. غير أن التفاعل السريع مع تصريح بولس وتصحيحه لاحقًا يكشف أن الموقف الأمريكي لا يزال على ثباته.

فهل نحن أمام غفلة إعلامية أم حملة تأويل مقصودة؟

مثل هذه التصريحات تسلط الضوء على أهمية الحذر في التعاطي مع التصريحات غير الرسمية، وتُبرز في الآن ذاته الحاجة إلى تواصل استراتيجي مغربي أكثر فعالية، قادر على التصدي سريعًا لأي تشويش أو تلاعب بالرأي العام الدولي.

السياق الدولي يفضح التأويلات المغلوطة

تصريحات بولس، رغم ما أثارته، تأتي في سياق دولي يصب في صالح المغرب. فالدينامية الدبلوماسية التي يعرفها ملف الصحراء، والتأييد المتزايد من دول كبرى مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، كلها مؤشرات على أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يكتسب أرضية صلبة كخيار وحيد واقعي لإنهاء النزاع.

خلاصة القول:

بين زلة لسان وتصحيح متأخر، تبقى الحقيقة أن الموقف الأمريكي الرسمي لم يتغير، وأن أي محاولة لخلق التشويش على أساس تصريحات فردية تبقى غير مجدية أمام منطق الواقع. كما أن الواقعة تفرض علينا ضرورة رفع الجاهزية الإعلامية والدبلوماسية المغربية، ومواصلة تثبيت المكاسب بالسرعة نفسها التي نواجه بها التشويش.

هل نعتبر ما حصل مجرد حادث معزول؟ أم أنه إنذار بضرورة مأسسة الدفاع الإعلامي عن قضية وطنية بهذا الحجم؟ السؤال يبقى مفتوحًا، والإجابة تحتاج إلى استراتيجية، لا رد فعل.