دول الساحل تطرق أبواب الأطلسي: مبادرة مغربية تُربك “إيكواس” وتعمق عزلة الجزائر

0
119

في تحوّل جيواستراتيجي يُعيد رسم خارطة النفوذ في غرب إفريقيا، تتجه دول الساحل، وتحديدًا النيجر ومالي وبوركينا فاسو، إلى الرهان على المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب، كبديل عملي للتحرر من التبعية التاريخية لمنظومة “إيكواس”، ولتوسيع هوامش استقلالها السياسي والاقتصادي بعد قطيعة مع شركائها التقليديين، وعلى رأسهم فرنسا والجزائر.

مجلة “بيزنس إنسايدر” الأميركية سلطت الضوء على هذه الدينامية المتسارعة، معتبرة أن المغرب بات يشكل “شريانًا حيويًا لتحالف الساحل”، من خلال فتح منفذ مستدام نحو المحيط الأطلسي عبر موانئه المتطورة، وعلى رأسها ميناء الداخلة، المشروع الاستراتيجي الذي ينتظر أن يُعيد تشكيل خارطة التجارة واللوجستيك في المنطقة.

الأطلسي كأفق تحرر.. والرباط بوابة اقتصادية

من خلال هذه المبادرة، تُمكن الرباط دول الساحل من تجاوز العوائق الجغرافية والسياسية، عبر فكّ العزلة عن اقتصاداتها الحبيسة ومنحها بدائل واقعية ومستقرة، عوض الارتهان للموانئ التابعة لدول “إيكواس” مثل ساحل العاج وبنين والسنغال.

فالمبادرة المغربية ليست مجرد مشروع لوجستي، بل هي مدخل لتحوّل شامل في نماذج الشراكة، تتجه نحو تنمية فعلية وتكامل إقليمي متوازن.

السؤال الجوهري هنا: هل نحن أمام بداية تبلور محور جديد في غرب إفريقيا يقطع مع النفوذ التقليدي ويُعيد رسم توازنات القوة في القارة؟

تقاطع المصالح.. وتراجع المحاور التقليدية

لم تعد باريس وحدها الخاسر في هذا التحوّل، إذ تواجه الجزائر، التي كانت تراهن على “الشرعية الثورية” وعلاقاتها التاريخية مع النخب الحاكمة في دول الساحل، حالة عزلة غير مسبوقة. علاقاتها مع مالي تضررت بشدة بعد إسقاط الجيش الجزائري لطائرة استطلاع مالية، في حادثة أثارت توترًا غير مسبوق، فيما فشلت في اقتراح بدائل تنموية مقنعة أو مبادرات تشاركية حقيقية.

في المقابل، ينجح المغرب، بهدوء استراتيجي، في تعزيز موقعه الإقليمي كفاعل تنموي، يقدّم حلولًا عملية بدل الشعارات، ويوسّع قاعدة نفوذه الناعم من خلال ربط المصالح الاقتصادية بمبادئ التضامن والتكامل جنوب–جنوب.

المبادرة الأطلسية.. منافع تتجاوز الاقتصاد

وزراء خارجية النيجر ومالي وبوركينا فاسو أعربوا خلال زيارتهم للرباط عن دعمهم الكامل للمبادرة، معتبرين أنها خطوة “لتنويع الشراكات” و”التحرر من الهيمنة”. وهذا التصريح لا يخلو من دلالات سياسية كبرى، إذ يعكس اتجاهًا جديدًا في الخطاب الرسمي لدول الساحل، يُراهن على الرباط كشريك استراتيجي لا يُملي أجندات ولا يُقايض الدعم بالوصاية.

ما بعد المبادرة: هل تصبح الرباط مركز التوازن الجديد في غرب إفريقيا؟

إذا كانت الجزائر ومحيطها تسجل تراجعًا مضطردًا في الحضور الجيوسياسي، فإن المغرب ينجح، عبر مشاريع ملموسة، في كسب الثقة والمكانة. ومع تزايد الانفتاح على الرباط في المنطقة، يتعزز سؤال المرحلة: هل تتحول المبادرة الأطلسية إلى نواة لتكتل إقليمي جديد يُعيد تشكيل المعادلات التقليدية في الساحل والصحراء؟

وفي الوقت الذي تستمر فيه بعض القوى في الرهان على خطاب التقسيم والدفع نحو الانفصال، يقترح المغرب عبر الأطلسي، نموذجًا وحدويًا تنمويًا يربط بين الرؤية والجدوى، بين التاريخ والجغرافيا، وبين المبادرة والمسؤولية.